يَا رَبَّنَا بِجَاهِ تَاجِ الْعَارِفِيْنَ ï وَجَاهِ حَامِلِ لِوَاءِ الْوَاصِلِيْنَ

Ya Allah, Ya Tuhan kami dengan pangkat kebesaran pemilik mahkota ahli ma'rifah dan pangkat pemegang bendera kelompok manusia yang telah wushul (sampai ke puncak keyakinan)


قُدْوَتِنَا وَشَيْخِنَا التِّجَانِي ï قَائِدِنَا لِمَنْهَجِ الْعَدْنَانِي

Panutan dan guru kami yakni Syekh Ahmad Tijani, seorang pemandu yang menyampaikan kami kepada tuntunan Nabi Muhammad

يَا رَبِّ ثَبِّتْنَا عَلَى اْلإِيْمَانِ ï وَاحْفَظْ قُلُوْبَنَا مِنَ الْكُفْرَانِ

Ya Tuhanku tetapkan kami atas iman dan jaga hati kami dari segala bentuk kekufuran

وَاحْمِ جَمِيْعَنَا مِنَ الشَّيْطَانِ ï وَحِزْبِهِ مِنْ إِنْسٍ أَوْ مِنْ جَانِّ

Lindungi kami dari kejahatan syetan dan kelompoknya dari bangsa manusia dan jin


نَسْأَلُكَ التَّوْبَةَ وَالتَّوْفِيْقَ ï وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ وَالتَّحْقِيْقَ

Kami mohon kepada-Mu taubat dan mendapat kekuatan untuk melakukan kebaikan, ilmu dan pengamalan serta ketepatan dalam segala hal


وَالصَّبْرَ وَالنَّصْرَ عَلَى اْلأَعْدَاءِ ï وَالْجَمْعَ فِي الذِّكْرِ عَلَى الْوِلاَءِ

Berikan kami kesabaran dan kemenangan atas musuh-musuh. Dan jadikan kami selalu berkumpul bersama dalam melakukan dzikir


وَالْفَوْزَ بِالنَّعِيْمِ فِي الْجِنَانِ ï مَعَ النَّبِيّ وَشَيْخِنَا التِّجَانِي

Mendapat kesuksesan dengan mendapat ni'mat di surga bersama Nabi Muhammad dan guru kami Syekh Ahmad Tijani


مَا لَنَا فِي الْكَوْنِ سِوَى الرَّحْمَانِ ï وَالْمُصْطَفَى وَشَيْخِنَا التِّجَانِي

Kami tidak memiliki harapan apa-apa di alam ini melainkan kepada-Mu Ya Allah (Yang Maha Pengasih), manusia terpilih Nabi Muhammad dan guru kami Syekh Ahmad Tijani

هَذِي هَدِيَّةٌ بِفَضْلِ اللهِ ï مِنَّا إِلَيْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ

Dzikir ini merupakan hadiah untukmu Ya Rasulullah dari kami yang semata-mata merupakan pemberian Allah


هَدِيَّةً لِلْمُصْطَفَى الْعَدْنَانِي ï نِيَابَةً عَنْ شَيْخِنَا التِّجَانِي

Hadiah penghormatan buat manusia terpilih Nabi Muhammad keturunan Adnan juga sebagai mandate dari guru kami syekh Ahmad Tijani

آميْنَ آميْنَ اسْتَجِبْ دُعَانَا ï وَلاَ تُخَيِّبْ سَيِّدِي رَجَانَا

Terimalah, terimalah dan kabulkan Ya Allah, doa-doa kami. Jangan Kau kecewakan segala harapan kami

Doa ini merupakan Qashidah tawassul kepada Syekh Ahmad Tijani Radhiyallahu Anhu. qashidah ini biasanya dibaca setelah selesai membaca wirid lazimah dan wazhifah.

Dikutip dari kitab Ghayatul Muna Wal Murad Fima Littijaniy Minal Aurad halaman 27.

Kamis, 17 April 2014

GHOYATUL AMANI BAG 2



الإمام التماسيني رضي الله عنه
بين الهمّة والإستراتيجية
 
الشيخ سيدي الحـاج علـي التماسينـي رضي الله عنه
بقلم الأستاذ الشريف الحسني المرحوم سيّدي : محمود يمبعي رضي الله عنه .
ألقى هذه المحاضرة بتماسين يوم : الخميس 25 رمضان 1421 هـ ـ 21 ديسمبر 2000 م .
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا محمد وصحبه وآله وسلّم

من هو الإمام التماسيني رضي الله عنه ؟

هو العارف بالله ، وخادم الحضرة الأحمدية ، الشريف الحسني سيّدنا أبو الحسن عليّ التماسيني رضي الله عنه الذي وُلِدَ بتماسين ولاية ورقلة بالجمهورية الجزائرية عام 1180 هـ ـ 1766 م . شبّ في بيت صلاح وطهارة وتقوى ، حفظ القرآن ، وتغذّى بمبادئ الشريعة الإسلامية ، وامتاز منذ طفولته بالتواضع ونكران الذات ، محِبّا لعباد الله الصالحين ميّالا لصحبتهم ، وكان المعاصرون له قبل اجتماعه بسيّدنا أبي الفيض التجاني عليه سلام الله يصفونه بالحكمة ومكارم الأخلاق .
وكان يعتمد في معاشه على زراعة النخيل ويحثّ عليه ، وعندما عرف الطريقة التجانية ، والْتَقى بشيخه في عين ماضي عام 1204 هـ ـ 1789 م قدّمه الشيخ على جميع الأصحاب ، وقال في حقّه : " أين مثل التماسيني ؟! " .
خدم شيخه بإخلاص وتفانٍ وحبّ ليس له مثيل إلى أن ألْبسه جلباب الخلافة حال حياته . وأمَرَه بالتربية وتأسيس زاوية " تملاّحتْ " بتماسين عام 1220 هـ ـ 1805 م . فكان عند حسن الظنّ ، وفي مستوى الثقة التي وضعها شيخه فيه .
وعند انتقال الشيخ إلى الرفيق الأعلى ، قضى مدّة خلافته داعيا إلى الله بالحال والمقال ، موحّدا لصفوف المسلمين قائلاً لأصحابه أنه ليس له عدوّ إلاّ الشيطان ، جاء ذلك في بعض رسائله الموجّهة للأحباب . وله دعاء يومي بأن لا يرى الكفّار ، وهو قوله : " اللهمّ لا تجعل لنا بين أيديهم إسما ولا تجعل لهم في أموالنا قسما ولا تعذّب لنا بين أيديهم جسما يا من علّم آدم الأسماء " .
كما نفّذ وصايا شيخه كاملة بأخذ ولديه إلى الصحراء لقول شيخه : " أولادي لا تليق بهم إلاّ الصحراء " ، يعني بذلك عين ماضي .
وكان شعاره المعروف لدى الخاص والعامّ هو : " السبيحة واللويحة والمسيحة " يعني بهذه العبارة ( العبادة ـ العلم ـ العمل ) .
ولبّى داعي ربّه بـ " تملاّحت " يوم الثلاثاء 22 صفر 1260 ـ 12 مارس 1844 م .

ما هي الهمّة ؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نقدّم لهذا الموضوع الذي سوف يكون في الأخير هو الإجابة .
يُقال عند العارفين أنّ همّة المرء قاهرة لجميع الأكوان ، لو تعلّقتْ بشيء لنالتْهُ ولو كان وراء العرش .
فصاحب الهمّة هو ذلك الذي أكرمه الله بكرامة دائمة . فالهمّة هي التأييد بالله كما ذُكر في الحديث القدسيّ المشهور عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : « إن الله قال : من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحَبّ إليّ ممّا افترضتُ عليه وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينّه ولئن استعاذني لأعيذنّه وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته » ويقول صاحب الهمّة الشيخ سيّدي حمّه رضي الله عنه مردّدا الأبيات التالية :
تستّـرت عن دهـري بظلّ جنابـه      فصرت أرى دهري وليس يرانـي
وإن تسأل الأيام عن إسمي ما درت      وعن مكانـي ما عرفـن  مكانـي
ويقول شاعرنا محمد العيد آل خليفة في حقّ هذا الشيخ الجليل :
متكـفّـل لمـريـده بـمـراده      مـوفٍ لـزائـره بمـا يختـار
آس لأمـراض القلوب  يطبّهـا      ببصيـرة كشفـت لها الأبصـار
متبحّر العرفان مكتمل الحجـى      تبـدو عليـه  سكينـة  ووقـار
من صفوة القوم الذين إذا رؤوا      ذُكـر  الإلـه الواحـد القـهّـار
ولعلّنا من خلال هذا التقديم نستطيع أن نعرف على الأقلّ معنى للهمّة التي هي عبارة عن تأييد ربّاني لعبد من عبيد الحضرة الإلهية . فكلّما همّ بشيء ، أو جال بخاطره أيّ أمر إلاّ ويكون وفق ما أراد ، وتلك كرامة من الله لعبده ، غير أنها تختلف عن الكرامات الأخرى ، لأنّ الكرامة هي : أمر خارق للعادة غير مقرون بالتحدّي ، وعادة ما تأتي عفوية ودونما انتظار من صاحبها .

ما هي خاصيّة التماسيني المميّزة ؟

كان هذا الإمام حبّه في الذي يثق به كبيرا وثقته في في الذي يحبّ أكبر . ملأ الحبّ عليه فراغ الروح فأصبح لا يراوده في أفعال شيخه التجاني هوى ، ولا يصيبه من أوامره فتور . ينحدر متواضعا لكي يرتقي في سبيل هذا الإرتقاء ، وغيره يرتقون فينحدرون حبّا في التباهي والإرتقاء . أبعد نفسه عن الدنايا من جميع الصفات كالرياء والعجب والكبرياء والحسد والحرص والصدارة والرئاسة وكلّ ما يدنّس الشرف ، وفتح لنفسه سبل الترقّي من تكتّمٍ في الأعمال ، وتواضع أمام الرجال .
كان مجبولا على المحبّة مطبوعا عليها ، يحبّ أهل الله بمحض عرفاتنه الكامن في معرفة الصلاح ، سريع البديهة ، حاد النظر والبصيرة ، ألْمَعِيّاً لا يغيب عليه ما يغيب على أقدر معاصريه وأكفئهم ، لا تفلتُ منه الفرص ، يعطي كلّ فرصة حقّها ، ويستجيب للعظائم دون أن يُرى ذلك منه ، فهو حذِرٌ لا يتظاهر بشيء . يراه أصحابه وكأنه من المؤخّرة فيهم ، ويعطونه لقبا ليس من مقامه فيسمّونه "البهلول" ، وأحسن ما يبلغ المنى أحد هؤلاء البهاليل .
لا يهمّه هذا التنازل ، فهو العبقريّ الذي يعمل في الخفاء ، يخدم شيخه وأصحابه بجميع أنواع الخدمة ، ويستجيب لمطالبهم بلا تَوانٍ ولا تماطل ، قد اختار هذا التنازل بحريّة حتّى أن أحد المترفين الزائرين قَدِمَ إلى الشيخ بهدايا وناداه بقوله : " يا وصيف " ، فاستجاب ولم يرِ في القولة ما يهين ، واستقبل ذلك الضيف بقوله : " نعم يا سيّدي " على مرآى ومسمع من قدوته أبي الفيض التجاني رضي الله عنه . هكذا كان يقبل كلّ إشارة تمس من شأنه في عالم الملك دون أن سقبل ذلك في شأن شيخه ومربّيه ، ويثور لها ثورة الهصور وهو الليّن في سجاياه . تلك هي حماسة المعجب بحبيبه ، وذلك هو الإتصال والإخلاص الروحي الصرف الذي لا يحتاج إلى دليل منطقي أو برهان علمي ، بل هو الإنطلاق النفسي الذي يصِلُ إلى العظمة بدون مجهودات . فمحبّة العظيم ليستْ بجريرة إذا كان ذلك العظيم يحظى بعظمة لا مراء فيها . والشيخ الذي أحبّه التماسيني هو من هذه العظمة ، ومحبّته قربى ، أحَبَّ فيه الحقّ ، وأحَبَّ فيه الخير ، وأحَبَّ فيه الإستقامة ، هذا هو حبّ التماسيني وأيّ حبٍّ أحسن من هذا ؟!أحَبَّه لأن سليقته بُنِيَتْ على هذا التركيب ، ويقتدي بشيخه لأنه أهل للإقتداء ، ويفضّله على غيره لأنه أهل للتفضيل في جميع صوره ، ولا بدعة في ذلك ، فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال في ما معناه : " يا أبا بكر إنّما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل " .
كان المقتدِي والأوّل في الإقتداء أمام شيخه ، والمجتهد والثاني في الإجتهاد بعد شيخه . يعمل فقط لِخدمة الطريقة ليس إلاّ وكأنه لم يُخلقْ إلاّ لخدمتها ، بذلَ نفسه وما يعزّ عليه في سبيل هذا الطريق . لقد جُبِلَ على محبّة الأسرار والإطّلاع عليها وإخفائها على غير أهلها ، يمقتُ الدعوى ، ويمقتُ الصدارة ، ويمقت الظهور ، ويمقت التظاهر .
أوّلا ـ نماذج من همّته العالية
كان ذا همّة عالية منذ صباه ، فقدْ كانت تكلّمه الأموات وهو ابن ستّ سنوات ، وكان يُعرَف بالصلاح بين الناس منذ ذلك العمر ، وقد ظهرت عليه بوادر الفتح منذ الطفولة إلى أن أهّله الله لمعرفة القطب المكتوم وزيارته بعين ماضي كما ذكرنا في التعريف .
  1. تفانيه في خدمة الشيخ

بمجرّد الزيارة الأولى لعين ماضي حيث يقطن شيخه أبى إلاّ أن يجرّد نفسه للخدمة والتفاني فيها ، وامتنع عن العودة إلى بلده وأولاده .
  1. تنويه الشيخ به

من همّته العالية أنه لم يكترث ولم يلْتفِتْ إلى التنويه به ، وذلك أنه لمّا قدِمَ على الشيخ قدّمه على الجميع ، قائلا لأصحابه : " إنّني في هذا اليوم كالشيخ الذي بلغ من العمر الثمانين ولم يرزقه الله الولد ، وقد أيس من الإنتظار ، وها هو قد رزقني الله الولد بمجيء هذا التماسيني إليّ " .
وقال في حقّه أيضا : " أين مثل التماسيني يا مسكين " في حادثة الرقية لِأَمَةِ الشيخ رضي الله عنه حينما طلب منه أحد أصحابه الإذنَ في ذلك .
واجتمع الشيخ بأصحابه ذات مرّة وقال مناديا بأعلى صوته : " ألا إنّ هذا العصر لله ولرسوله ولِي والخلافة لِعَلِيّ . ومن همّته أنه عقّب على قول الشيخ موضّحاً للجماعة أنّ المعنِيّ هو علي حرازم . إلاّ أنّ الشيخ رماه بسبحته قائلا له : " الله ورسوله يريدانها للتماسيني وأنت تقول علي حرازم ؟ " .
ومن همّته السامية أنّ الشيخ ذكر مقامه بين الأحباب ، وعلوّ مرتبته حتى أنّ الكثير منهم خطر لهم التمسّك به والإستمداد منه ، فأراد صرفهم عن ذلك بقوله : " هذا الخديم بهذه الدرجة فكيف بسيّده " . فرجعت قلوبهم إلى شيخهم التجاني رضي الله عنه .
  1. حادثة العرجون

عند جني التمور ببستانه أُعجِبَ بعرجون من التمر الجيّد فأبتْ همّته إلاّ أن يأكل شيخه منه ، وهو إذ ذاك في فاس ، فأخذ العرجون بيده وقال له : " سِرْ على بركة الله إلى أن تقع بين يدي الشيخ " . وما هي إلاّ ثوانٍ حتى سقط العرجون بين يدي الشيخ وأصحابه ، فقالو : " ما هذا الأمر ؟ " ، فقال لهم الشيخ : " ذلك فعل من تُسمّونه البهلول " .
  1. زيارته للشيخ عن طريق الخطوة

ممّا ثبت عن العدول من أهل هذه الطريقة أنه زار الشيخ بفاس أكثر من مرّة عن طريق الخطوة حتى زجره الشيخ عن ذلك وقال له : " ينبغي أن تأتي كأصحابك حتى تذوق مشقّة الطريق " .
ومن خوارقه في هذا الباب تلك القضيّة التي وقعت لسيّدي محمود التونسي عندما مرّ بصحراء تماسين وهو متّجهٌ إلى تونس ، فخرج عليه اللصوص من تلك الجهة ، ونهبوا بعض ما بيده من أمتعة ، فاغتاظ لذلك ورجع إلى الشيخ شاكيا بهم عن طريق الخطوة ، فعَلِمَ التماسيني بذلك وخاف عن أهل وطنه من دعاء الشيخ عليهم بالهلاك ، فأسرع إليه بنفس الطريقة ، فكان من قضاء الله أن وصل قبل صاحبه ، وأخبره بالقصة وما جرى لسيدي محمود ، وقال له : " يا سيدي إن أنتَ دعوتهم بالشرّ فإنّ داري لا يبقى لها أثر ، فَهُمُ الصور لداري وحصنها " . ووصل بعده سيدي محمود رضي الله عنه في غاية الغضب والغيظ شاكيا بأهل تماسين ، فقال له سيّدنا رضي الله عنه : "سبقك بها عكاشة" .
ثانيا ـ نماذج من تصرّفاته الإستراتيجية
  1. محاورته مع سيّدي محمد الكبير رضي الله عنه

بعد حلول أسرة الشيخ بعين ماضي ، واستقرار سيدي الحاج عليّ رضي الله عنه بتماسين ازداد انتشار الطريقة ، وأصبحت عين ماضي وتماسين تستقطب الزوّار من كلّ فجّ وصوْبٍ ، حتّى أنّ رحّالة قال : " عندما مررتُ بتماسين وجدتُ أكثر من مائتيْ رجل أتوا من الآفاق البعيدة لزيارة القطب التماسينيّ طالبين منه الإذن والتقديم في الطريقة نظرا لكثرة طلاّب الإنخراط في الطريقة التجانية " ، ممّا جعل مخاوف الترك تزداد ومعها تتفاقم مواقفهم التعسفية من التجانيين خصوصا ، ومن قبائل الصحراء عموما . فعزم سيدي محمد الكبير نجل الشيخ التجاني رضي الله عنه على القيام بثورة ضدّ الأتراك في الغرب الجزائري . وجَرَتْ بينه وبين سيدي الحاج علي رضي الله عنه مناقشات في هذا الشأن : ـ سيدي محمد الكبير رضي الله عنه : يا سيدي الحاج علي ، بعد تفكير طويل قد عزمتُ على ذلك الأمر الذي تكلّمنا فيه من قبل .
ـ سيدي الحاج علي رضي الله عنه: وما ذلك الأمر ؟
ـ سيدي محمد الكبير رضي الله عنه : هو القيام بالثورة على هؤلاء العجم الذين أكثروا في الأرض الفساد ، فأهلكوا الحرث والنسل ، ولم يحكموا بما أنزل الله به من شريعة الإسلام ، فقتلوا خيارنا وعلماءنا وصلحاءنا ، وضيّقوا على آخرين حتى اغتربوا ، وأثقلوا كواهل فقرائنا وفلاّاحينا وتجّارنا بالغرائم ، وأنت يا سيدي عليم بما صنعوه مع والدنا رحمه الله ورضي عنه ، وبهجوماتهم المتكرّرة على قريتنا ، وبفعالهم الشنيعة مع أهلينا ، خصوصا سنة 1189 هـ وسنة 1213 هـ ، والمرّة الأخيرة حين زلزلت الأرض زلزالها ، وهم الآن يراقبون قوافلنا ، ويترصّدون لسلبها ظلما وعدوانا ، ولم يكتفوا بذلك ، فهم الآن بالمرصاد لي وأخي ، ولا همّ لهم سوى قتلنا لا لشيء سوى بغضا في المصلحين من أهل الوطن . وقل لي بربّك يا سيدي ، ماذا انتفعتْ أمتنا في الجزائر بوجود الترك ؟ نعم إنّ لهم فضل في صدّ غزوات الصليبيينمن النصارى ، لكن لولا مساعدة أبناء وطننا واستشهادهم وتضحياتهم ما استطاعت الترك فعل شيء يُذكر في تلك الحروب ، ومولانا عزّ وجلّ أمرنا بالنهي عن المنكر ، وجهاد الظَلَمَة ، ولا بدّ من امتثال أمره ، وقد شجّعني على ذلك قبائل نواحي معسكر وغريس ، ودارت بيننا المراسلة ، واتّفقنا على التعاون على القضاء عليهم .
ـ سيدي الحاج علي رضي الله عنه: بعد أن تكلّمنا في شأن هذه المسألة في المرّة الأخيرة فكّرتُ طويلا واستخرتُ الله عزّ وجلّ عدّة مرّات ، والذي وقرَ في قلبي أنه تعالى لم يأذن في هذه الثورة التي تريد القيام بها ، فدَعْ عنك هذا الأمر .
ـ سيدي محمد الكبير رضي الله عنه : لكن يا سيدي لنا إذنٌ مطلق دائم من الشريعة المطهّرة ، فالآيات القرآنية الآمرة بجهاد من لم يحكم بما أنزل الله ، ومقاومة الظلم ، كثيرة ، والأحاديث النبوية في هذا الباب معروفة . ولئن سكتنا على هذا المنكر والظلم فلن يزيد الترك إلاّ طغيانا ، وسنكون ملحقين بهم والعياذ بالله من ذلك .
ـ سيدي الحاج علي رضي الله عنه : إنّ مقاومة ولاّة الأمر ، حتى وإن كانوا ظلمة ، لها شروط وقواعد مبسوطة في كتب الفقه ، منها ألاّ يجرّ النهي عن المنكر إلى منكر أكبر . وعواقب هذه الثورة التي تزمع القيام بها مجهولة ، وربّما تكون وخيمة ، وأنت تعلم أنّ سيدنا والدك قدّس الله سرّه قد نهى أهالي عين ماضي مدّة قبل هجرته إلى فاس عن مقاتلة الترك ، وحثّهم على المصالحة معهم ، وأنذرهم بأنهم إن خالفوه فسيغلبون قهرا . وأكرّر لك بأني استخرت الله تعالى في أمرك هذا وثبت عندي يقينا أنّ ما أنت قادم عليه ليس في صالحك أصلا .
ـ سيدي محمد الكبير رضي الله عنه : أنا لا أبحث عن مصلحتي ولكن عن مصلحة أمتنا ووطننا امتثالا لأمر ربنا ، واتّباعا لسنّة نبيّنا عليه الصلاة والسلام . فإن قضى الله بالنصر فنسأل الله أن يوفّقنا إلى إعلاء دينه في هذا الوطن ، وإن قضى الله بالشهادة فأنعمْ بها كرامة من عند ربّنا ، وما أريد إلاّ الإصلاح ما استطعتُ وما توفيقيَ إلاّ بالله عليه توكّلتُ وإليه أنيب .
سيدي الحاج علي رضي الله عنه : كلمتي الأخيرة هي إنه لا إذن لك فيما أنت قاصد ، ثمّ لا إذن لك ، ثمّ لا إذن لك ، ثمّ لا إذن لك ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
  1. مراسلاته مع سيدي محمد الحبيب رضي الله عنه

من بين مراسلاته مع سيدي محمد الحبيب رضي الله عنه الكثيرة ، تلك الرسائل التي دارت بخصوص حصار عين ماضي من قبل الأمير عبد القادر وجنوده بتاريخ 12 جوان 1838 ميلادي . وكان قوام ذلك الجيش 6000 فارس ، و3000 راجل ، و06 مدافع هاون ، و03 مدافع ميدان . وبعد عشرة أيام من التاريخ المذكور ضرب الحصار على عين ماضي ، الأمر الذي أدهش سيدي محمد الحبيب لكونه لم يكن مستعدّا لذلك . ولمّا ضاق ذرعا بهذه الوقائع ، وبعد مراسلات عديدة ، ولم يخرج سيدي محمد الحبيب للدفاع امتثالا لأمر سيدي الحاج علي الذي أمره بالصبر لمجاري الأقدار ، والإلجاء إلى الله تعالى بالتضرّع والدعاء ، ولمّا اشتدّ الكرب بهذه النازلة ، وتضييق الخناق على بلدته ، كتَبَ رضي الله عنه كتابا آخر لسيدي الحاج علي خفية من عين ماضي تحت ستر الله ، يتضمّن ما معناه : " فإنّ الحاج عبد القادر نزل على عين ماضي ، وقد ضيّق علينا الحصار من خارج القرية ، وإني الآن مسكتُ جميع مفاتيح القرية تحت يدي خوفا ممّا تعلمه رضي الله عنك ، وقد كنتُ عرّفتُك بالحال في غير ما مرّة ، وطالتْ بيني وبينك المراجعة بالمكاتيب ظنّا منّي عساك تدركني لِمَا نعلم من شفقتك وحنانك عَلَيَّ إلى أن صرتُ الآن تحت كلاكل العدوّ وبين أضراسه ، وصرتُ محصورا وما ذلك إلاّ من أنك جفيتني . يا والدي سيدي الحاج علي أيُرضيك تتركني فريسة مرمية بين يدي العدوّ وما كان الظنّ بك ذلك ، ولو كنتُ ولدك حقيقة ما كنتَ تجافيني وتتركني إلى هذا الوقت ، ولَرَقَّ قلبك عليّ .نعم ، إذا لم تحصل لك في قلبك الشفقة والحنانة عَلَيَّ أنا ، ما تقول في شأن حريم دار الشيخ إنِ انتُهِكَتْ حرمته . فإن عجزتُ على المكاتبة لك لعدم استطاعتي ممّا أنا فيه من تشويش البال ، وباختصار ، فكلّ ما يحل وقوعه بحريم دار الشيخ فأنت المطالب به بين يدي الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم والقطب الأعظم مستخلفك لأنّ الله تعالى أقدرك على الدفاع بتصريفه إيّاك في الكون ( وعندما وصل كتابه إلى هاته الكلمة رقّ قلبه وفاضت عيناه بالدموع إلى أنِ ابتلّ الكتاب بدموعه فألْحَقَ له في الكتاب ما معناه ) ها هي دموعي هاطلة مسترسلة شاهدْهَا تضمّخَ هذا الكتاب بها كما تراها ، وبذلك تستدلّ على ضيق الأمر وشدّته ، وأنت يا والدي رضي الله عنكم تعرف من طبعي ما كانت تسيل دموعي من الخوف على نفسي من الموت ، لا واللهِ وحقّك إنما ذلك خوفا من هتك حرمة حريم الشيخ . صرتُ تحت كلاكله وإحاطته بنا وأنتَ رضي الله عنك مهما أخبرتك تأمرني بالصبر فامتثلتُ ، ولو أمرتني أن أخرج إليه ونقابله بالدفاع ما كنت أصبر بين يديه ، ولا نبالي بكثرتهم وعدّهم وعددهم ، وإلى متى وحتى متى وأنتَ تقول أصبرْ أصبرْ أصبرْ ، فما بقي للصبر ولو أقلّ قليل ، ولا يسعني التأخير إذا لم تدركني عنايتك بالتعجيل ، والسلام ، انتهى "
وعندما قرأ سيدي الحاج علي رضي الله عنه هذه الرسالة لم يستطعْ أن يمسك دموعه ، وبعث من حينه إلى جميع الأصحاب أن يقدموا عليه من غير إبطاء ، وبعث برسالة إليه مضمونها : " أصبر فإني قادم إليك بنفسي في جيش قوامه مائة ألف فارس وأما الرجال فقد يزيدون على ذلك ، ولا تخش من شيء بحول الله وقوّتِه ، وختَمَه بالسلام " ، وأوصى حامل الرسالة بالتعجيل . وفرح سيدي محمد الحبيب بمضمون الرسالة واستبشر بالنصر .
وبدأ المحاصرون بالحفر تحت الأرض إلى أن بلغوا سور البلدة ودخلوا تحت دار الشيخ ، فأمر الشيخ أصحابه بشقّ الأرض فوجدوا جماعة من جيش الأمير هناك فأسروهم ، وبقيتْ تلك الحفرة لصالح سيدي محمد الحبيب ، وبعث برسالة إلى الأمير يخبره فيها بما وقع لأصحابه وأنه عفا عنهم وأرجعهم سالمين ، وأن لا فائدة من القتال بيننا ، وخاصة أن تزعم الجهاد في سبيل الله ونحن مؤمنون مسلمون . لكنه بعد هذه الخطاب زاد من تضييق الحصار .
وأما سيدي الحاج علي رضي الله عنه فقد اجتمع لديه الكثير من المطوّعين للجهاد ، فأمر بتحضير مأدبة غداء على شرف الحضور ، وطلب من كبرائهم أن يجمعوهم كلهم بين يديه ليبلغهم الخبر اليقين ، وما هم قادمون عليه ، ثم طلب منهم أن يختاروا له من هذا الجمع ألف فارس فقط من خيرتهم وأقدرهم على الجهاد ، ثم طلب منهم أن يختاروا له مائة من الألف ، ففعلوا ذلك ، ثم قال لهم اختاروا لي عشرة من المائة ، وسرّح الباقين واكتفى بالعشرة وقام خطيبا قائلا : " أنني قد عزمتُ على أمر والآن ظهر لي أمر غيبي عكس ما كنت قادم عليه . فسيقوم ابني سيدي احْمَيْدَهْ مقامي بانضمامه إلى العشرة رجال فيصير عددهم أحد عشرة رجلا ، ومنهم سيدي الطاهر بن عبد الصادق رضي الله عنه ، ثمّ لفّ سنجقا (راية) من حرير ومدّه بيده المباركة إلى ابنه ومعه كتاب إلى سيدنا ، فأخذهما منه ، ثم أوصاهم بإشاعة أنّ سيدي الحاج علي قادم من طريق آخر لنصرة سيدي محمد الحبيب بجيش عرمرم يزيد على مائتيْ ألفٍ ، وقال يجب أن يبلغ هذا الخبرمسامع الصحراء في جميع النواحي ، واعملوا على إفشاء هذا الخبر إلى أن تبلغوا عين ماضي . وعند وصولكم إلى سيدنا بلّغوه الكتاب وأعطوه السنجق ، وبعد أن تثور ثائرته ويلين بلّغوه بالخطة : إمّا أن يخرج سيدي احميْده على رأس العشرة رجال يتقدّمهم السنجق والمحفّة على البغال وبداخلها الكتاب ، وإمّا أن يقوم بذلك سيدنا وحده ومعه المحفّة والكتاب بداخلها حاملا معه السنجق . فاختار سيدي محمد الحبيب الخروج وحده وانتصر بعونٍ من الله ، وانتهت المعركة .
  1. وقائعه مع بني جلاّب

بعد ظهور سيدي الحاج علي كشخصية إسلامية مرموقة في ربوع وادي ريغ ، والصحراء عموما ، ونفوذه الروحي بين أصحابه ، وخضوع الآخرين له ، الأمر الذي سبّب إزعاجا لأسرة بني جلاّب الحاكمة في مدينة تقرت ، وخاصة لبروز الطريقة التجانية على يديه ، الشيء الذي قلّص من نفوذهم ، وأصبحوا يتحيّنون الفرص لمجاهرته بالعداء ، وفعلا قاموا بمحاصرة دار التماسيني رضي الله عنه ، وعزموا على قتاله زأصحابه الأقربين ، ودامت المعارك مدّة طويلة بين كرّ وفرّ . وما يعنينا من هذه المعارك هي عبقرية سيدي الحاج علي رضي الله عنه ، واستراتجيته الحربية في تنظيم الصفوف ، واختيار الرجال لذلك .
    • من هذه العبقرية أن بن جلاّب باليقين أنّ انتصارات التماسيني عليه إنما هي بسبب الفَرَس التي قدِم بها من فاس ، فكتب كتابا إلى سيدي الحاج علي مع أحد خاصته قائلا له : " بلَغَني أن لديك فرسا شهباء ، وقد أُعجِبتُ بها كثيرا ، وها أنا أرجوك وألِحُّ في طلب بيعها إليّ بالثمن الذي تريد " . فردّ عليه سيدي الحاج علي رضي الله عنه قائلا : " فعلاً إن تلك الفرس من جياد الخيل ، وقد أعطانيها شيخي وأستاذي رضي الله عنه وما كانت نفسي تحدّثني بإخراجها من عندي بكلّ وجهٍ ، وأما أ،ت فإني أوثرك بها على نفسي لأنك أمير وطننا ولا تسعك معنا إلاّ الطاعة لله ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم ، غير أني لا آخذ بدلها ثمنا نقديا ، لكن بحوزتنا نخيل لنا ولشيخنا في هذه الناحية ، والعمل المطلوب هو أن تعطي أمرك في تحرير جميع أملاك الشيخ وأملاكنا من جميع المطالب المخزنية ، على أن يكون هذا الإعفاء دائما ومستمرّا عبر العصور والدهور ونعطيك الفرس في مقابلة ذلك " . وفعلا كتب بن جلاّب وثيقة بذلك تتضمّن الإعفاء الكلّي لأملاك الزاوية ، وبقيتْ سارية المفعول إلى أواخر الحكم الفرنسي . وعندما أخذ بن جلاّب الفرس تيقّن أنه سوف ينتصر في المعركة القادمة
    • حادثة طولو :
      بينما كان أهل تماسين على حين غفلة إذ بجيش بن جلاّب يداهمهم فرسانا ورجالا ، وحينما أحاط بتماسين خرج أهلها للدفاع عنها ، وعجز الظالم عن الولوج داخل الدار ، وطار الخبر إلى جهات أخرى كآت سعيد وأولاد السائح وأهالي سوف ، وقام سيدي الطاهر بن عبد الصادق رضي الله عنه خطيبا فيهم ، معبّئا لنصرة سيدي الحاج علي رضي الله عنه ، ضامنا لهم العودة بالسلامة إلى ذويهم . وقام بعده سيدي أحمد بن سعد لإمدادهم بما يحتاجونه من الأموال لاقتناء السيوف والبنادق ، وما يكفيهم من البارود والرصاص المعدّ للدفاع ، وما يحتاجونه من المؤونة لأهلهم وأولادهم منذ خروجهم إلى العودة . وصرّح لهم سيدي الحاج علي رضي الله عنه بالنصر بمجرّد ملاقاته بهم تماما مثل سيدي الطاهر . وتقابلت الصفوف ، وأوشكت المعركة أن تلتحم ، وكان من بين المدافعين ، بقيادة سيدي الحاج علي رضي الله عنه ، أبناؤه سيدي احميْده وسيدي الطاهر وسيدي محمد العيد وسيدي محمد الصغير ، ومعهم سيدي الطاهر بن عبد الصادق ، وسيدي أحمد بن سليمان التغزوتي ، وسيدي عليّ بن احْنِيشْ ، وسيدي عبد الله بدّهْ ، وسيدي لخضر بن حمّانه ، وسيدي أحمد بن محمد ، وسيدي أحمد بن سعد رضي الله عنهم . فوقف سيدي الحاج علي رضي الله عنه وقال لهم : " مُرُّوا أمامي أنظر إليكم واحدا واحدا " ، ولعلّه يريد تحصينهم . ففعلوا ما أمرهم به ما عدا رجل واحد إسمه أحمد بن خالد بن بوخلخال ، أصله من عرش سعيد ، قال : " ما غادرتُ خيمتي إلاّ طلبا في الشهادة " ، وفعلا بعد احتدام المعركة نجا الجميع سوى ذلك الرجل ، وانتصر سيدي الحاج علي رضي الله عنه .

    • واقعة هامّة
      هذه الواقعة تنِمُّ عن عبقرية فذّة في بُعدِ النظر ، وهي التي أرسل فيها بن جلاّب كتابا إلى سيدي الحاج علي رضي الله عنه جاء فيه ما يلي : " شيخنا وأستاذنا العارف بالله تعالى ، القطب سيدي الحاج علي بن سيدي الحاج عيسى التماسيني ، السلام عليك وبعد : فإنّ أهل تماسين قد عصوا أمري ، ولم يرجعوا عن مخالفتي ، أعلمتك أني قادم عليهم بالقوة الحربية لكسر شوكتهم بما معي من الخيل والرجال ، وأنت رجل مرابط منسوب لله ومحسوب سيدنا ، وقدرك عندنا رفيع ، إذا سمعتَ بقدومي إلى أهل تماسين لا تجزعْ ولا تخَفْ من جانبي ، لا أنت ولا من انتسب إليك ، ولا بأس أنك لا تترك المنتسبين إليك يدافعون على أهل تماسين فإنّا ما قاصدين إلاّ تماسين وأهلها وأنت لست من أهل تماسين ...الخ " . وعندما قرأ سيدي الحاج علي رضي الله عنه الرسالة ، أجاب حاملها مشافهة بما يلي : " بلّغ سيدك الذي بعثك إليّ بهذا الكتاب على لساني بأن تقول له إنّك قلتَ في كتابك " الحاج علي التماسيني " ، وقلتَ فيه أيضا " إني قادم إلى تماسين بالقوة الحربية " ، فأهل تماسين أناس ملتهون بأنفسهم ، مشغولون بالخدمة يكدّون من أجل العيش الكريم مع الأبناء والحريم ، وهم أهل عافية ، وجلّهم فقراء مساكين لا عصيان ولا شقاق عندهم ، وأما أنا فأقول لك كتابك حجّة عليك لأنّك قلتَ لي فيه الحاج علي التماسيني ، فأنا إذنْ من تماسين كما قلت في كتابك ، وهي بلادي ومحلّ استقراري ، أنا وحريمي وأولادي ، وفيها أملاكي ، ولا ينبغي لي أن أنسلخ من هذه النسبة ، وقل لسيدك يقول لك الحاج علي : الناس المتقدّمون من العامّة خلّفوا نصيحة عامية جَرَتْ على الألسنة لمن بعدهم وهي قولهم " شَايبْ ويَتْزَلْبَحْ تَكِّي واذبَحْ " (1) ، وأنا شايب والنصيحة لي ، فلا أغترّ بما حلّيتني به ، وما تضمّنه لين الخطاب ، فإن هداك الله فاترك أهل تماسين يخدمون على أنفسهم ، ويشتغلون بأسباب معاشهم ، فإن امتثل فذلك ما نبغي ، وإن أبى فقل له إنّ تماسين يقظانة غير نائمة ، والله تعالى مع المظلوم يؤيّده بنصر من عنده .
      فاستعمل بن جلاّب عنصر المفاجأة وداهم تماسين على حين غفلة بخيله ورجله ، فقال سيدي الحاج علي للمدافعين : " إلتزموا الصبر ، وتضرّعوا لله تعالى بالقلب ، وفوّضوا الأمر لله سبحانه وتعالى " . وضيّق بن جلاّب الحصار على الدار إلى أن توغّلت بنادق جيشه داخل الزاوية ، حتى أن بعض الإماء أسقطن حملهنّ من الهلع وشدّة الخوف ، فحملت الغيرة الإلهية سيدي الزاوي (2) ، وهو رجل مجذوب ، بأن أخذ يدافع بالخوارق ، حيث أخذ بيده شيئا من بعر الماعز اليابس ويرمي به العدوّ فيفعل فيه الأفاعيل حتى سقط من جيش العدو الكثير من القتلى ، فتفطّن سيدي الحاج علي لفعل سيدي الزاوي ، وزجره زجرا قويّا ، ونهاه عن ذلك ، وقال له : " منتُ أمرتكم بالصبر فخالفتم أمري وهلكتم عباد الله بأمر لا يقدرون على دفعه " ، فقال سيدي الزاوي : " نهيتنا ظاهرا فامتثلنا ، وهذا دفاع باطني ألْجاَتْنا إليه الضرورة ، فدعا عليه بكفّ البصر مع أنه من عادته لا يدعو بِشَرٍّ أبدا ، فكفّ بصر ابنه في الحال . واشتدّ الأمر على دار الشيخ ، وضاق الخناق بما لا يطيقه البشر ، فتقدّم رجال من العارفين إلى الشيخ وهُمْ من أهل المراتب ، وكان عددهم عشرة من بينهم سيدي الطاهر بن عبد الصادق ، وسيدي أحمد بن سليمان ، والآخرون من أولاد السائح ومن أهل سُوفْ ، فقال أحدهم لسيدي الحاج علي رضي الله عنه : " لقد نفذ الصبر ، ونحن خدّامك حملتنا الشفقة على الصبيان والنساء ، وعلى ما يمسّ عرضك من العار عبر الأوطان ، وحيث أبيتَ أن تزجّ بأصحابك في المعركة فها نحن بهمّتك وعنايتك نكفيك أنت وأصحابك شرّ القتال ، وأعلمْناك لتسرّحنا بإذنك فإنها كبرت علينا مخالفتك ، وما زالوا يخاطبونه بلينٍ ورفقٍ حتى أفلتَتْ كلمة على لسان أحدهم بأن قال : " نحن عفاريتك يا سيّدي سرّحنا عليهم وسترى " ، فضحك الشيخ في وجه القائل ، وتبسّم تبسّمَ المغضب وقال : " ما كنتُ أحسب أن عندي عفاريت حتى عرّفتموني بأنفسكم " ، ويقال في المثل ( الأسد إذا ضحك أكل ) ، ثم قال لهم : " أنبئوني ما كان عليه السلف الصالح من أصحاب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، القائل في حقّهم : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » ، هل كانوا يدافعون عنه صلّى الله عليه وسلّم ظاهرا مع اشتداد الأمر عليهم وهم أهل عناية وأسرار ومقامات عليّة أو كانوا يقولون نحن عفاريتك ، وندافع عنك بالدفاع الباطني بالسرّ ؟ هذا مع ما هم فيه من المشاق العظام والحروب الكثيرة . أين مقامكم من مقامهم ؟ وهل سرّكم يضاهي أسرارهم ؟ وأيّ شدّة أصابتكم مثل ما أصابهم ؟ وأنتم يا هؤلاء أعطاكم الله تعالى السرّ وما كان إعطاؤه لكم إلاّ لرحمة عباد الله لا لهلاكهم ن والمقاتلة بهذه الطريقة التي تريدون هي مقاتلة خداع وليستْ على الوجه الشرعي ، فأيّ حظّ لكم ؟ فإنّكم أعجز خلق الله وأحوجهم إليه سبحانه وتعالى ، فهو الذي يدافع عنّا وعنكم وعن الصبيان الذين زعمتم أنهم اشتدّ خوفهم " . ووبّخهم على هذا الإندفاع ، ونزل بهم ما لم يكن بالحسبان ، وعوقبوا جميعا في الحال ، وكان عدد المصابين إحدى عشرة رجلا من بينهم سيدي الزاوي وسيدي الطاهر بن عبد الصادق رضي الله عنهما مع أنه لم ينطق بكلمة ولكنه كان معهم . وانتهت المعركة لصالح سيدي الحاج علي رضي الله عنه بأن وقع هجوم على بلد بن جلاّب من جهة أخرى الأمر الذي جعلهم يفكّون الحصار ويعودون للدفاع عن أنفسهم ، وهذا هو التصريف الإلهي
  1. إبراهيم السوداني والكيمياء

هذا الرجل القاطن بمدينة توزر من القطر التونسي طرق مسمعه نبأ الخليفة الأعظم القطب التماسيني رضي الله عنه ومكانته السامية في أوساط المسلمين ، وما يتمتّع به من شهرة بين التجانيين ، وما لديه من خصوصية . فأزمع أن يزوره بزاويته الكبرى بـ" تملاّحتْ " ويطلب منه الإذن في التعامل بعلم الكيمياء الذي يعتقد بعض الناس أنه علم يطوّر المعادن الرديئة إلى معادن نادرة وثمينة ، وأسرّ ذلك في نفسه ولم يُبْده لغيره ، حتى دخل الزاوية وأصبح في ضيافة الشيخ . ومن نورانية هذا الشيخ رضي الله عنه انكشفت له نوايا زيارته ، فخرج به بعد إكرامه بما يليق بمقامه إلى أحد بساتينه ليصوّر له فائدة العمل وزراعة الأرض ، ويقدّم بين يديه طائفة من أنواع التمور ، ثمّ يوقفه فجأة ويقول له : " أنظر جيّدا " ، ويقوم سيدي الحاج علي رضي الله عنه بحفر الأرض من الساقية إلى النخلة قائلا له : " هذا هو علم الكيمياء يا مسكين ، أفلحِ الأرض تعطيك الغلال " .
  1. توقيفه لتصرّفات الزُهْرَة

هي امرأة من ناحية الغرب (3) ، أخذت الطريقة التجانية ، وزارتْ الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه في داره ، وبقيتْ في خدمته مدّة حياته ، غير أنها لم تتخلّق بأخلاق أهل الحق والعرفان من حياءٍ واحتشامٍ ، بل كانت تكشف وجهها وتمشي سافرة بين الناس ، وقد زجرها سيدي محمد بن المشري رضي الله عنه على هذا التصرّف أكثر من مرّة ولم تستجبْ لنصحه ، بل قالت إنّها ليست كالنساء ، وصارت من ذلك الوقت تبغض السيد المذكور ، وتبغض من يحبّه كسيدي الحاج علي ، وسيدي محمود التونسي رضي الله عنهما . وكانت كلّما جاء وفد لزيارة الشيخ تستقبلهم مستفهمة إياهم عن كميّة العطايا والمبالغ التي جلبوها معهم إلى دار الشيخ .
لكن بعد وفاة الشيخ رضي الله عنه ، ورحيل أبنائه إلى عين ماضي ، أصبحت الزهرة تستنقص من قدر الأحباب وخاصة الخلفاء ، وتمسّ سمعتهم بأسوإ الأقوال والترّهات إفكا وبهتانا ، مدّعية أنّها الوحيدة التي أخذتْ أسرار الشيخ كلّها ، وأنّها مستخلَفته على الأحباب . وحلّتْ بتونس ، وتصدّرتْ للمشيخة ، وأصبحت تقدّم الرجال والنساء ، وتبعها الكثير ، وشاع خبرها ، وبلغتْ فعالها سيدي الحاج علي رضي الله عنه فقرّر أن يصدّها عن ذلك ، ويزجرها عن أفعالها ، وقصْدُه في ذلك الدفاع عن حرمة الطريقة من الخزعبلات والأوهام والتدجيل . وكلّف سيدي أحمد بن سليمان السوفي التغزوتي رضي الله عنه بأن يوجّهَ خطابا لأحباب تونس ينصحهم بالإبتعاد عنها وكفّها عن الدعوى . ولم تُجْدِي الكتابة نفعا بل ظلّتْ في طغيانها ، فعاود الكتابة مرّة ثانية من عنده بكتاب مفصّل ، محذّرا إيّاهم من التمادي في صحبتها ، وأنّ ذلك من شأنه إخراجهم من الطريقة كليّة . وكتب أهل تونس إلى سيدي الحاج علي رضي الله عنه قصدهم الإستفسار عن الرسائل التي جاءتْ بشأن الزهرة المرابطة ، وردّ سيدي الحاج علي رضي الله عنه برسالة مماثلة يقول : " إنني لم أمنعكم من تقديم الهدايا لها ولكنني أحذّر من الزيادة والنقصان في أمور الدين ، والكلام في أعراض المسلمين وأصحاب الشيخ ، ومن بقي على حاله فعليه بالتوبة وإلاّ فإنه يخاف على نفسه من الهلاك في الدنيا والآخرة لِمَا سمعنا من شيخنا عن سيد الوجود صلّى الله عليه وسلّم قال له : ( أصحابك أصحابي ، وفقراؤك فقرائي ، وتلاميذك تلاميذي ) ، وكيف بمن يسبّ أصحاب الشيخ أو أصحاب سيّد الوجود صلّى الله عليه وسلّم . وأمّا سيدنا الشيخ رضي الله عنه فمرتبته عالية لا يماثله أحد ، وقد أذن بنفسه في التربية لثلاثة فقط : سيدي ابن المشري ، وسيدي محمود التونسي رحمهما الله ، وآخر غير معروف (4) .
وحيث أن رسائل سيدي أحمد بن سليمان لم تجدي ، ومقابلته لها لم تؤتي ثمارها ، وعاد من عندها بدون طائل ، بعث الشيخُ سيدي الطاهر بن عبد الصادق رضي الله عنه في إثرها ، غير أن سيدي الطاهر لم يقبل هذه المهمّة إلاّ بشرط أن يُؤذن له في التصريف حتى ولو أدّى ذلك إلى إبادتها بالموت ، فقال له الشيخ سيدي الحاج علي رضي الله عنه : " أنت مأذون ، وقد فوّضتُ لك أن تتصرّف بما يقتضيه الحال " . فسافر إلى قفصة وهربت الزهرة إلى القيروان حين علمت بقدومه ، ولحقها هناك فرحلت إلى تونس لتنجو بنفسها ورحل في إثرها . وعندما بلغها ذلك فرّتْ إلى بجاوة وذهبت إلى جبل الجبايلية ، وكتب لها سيدي الطاهر رسالة من تونس مضمونها : " إنّ الهروب لا يجديكِ نفعا يا الزهرة ، فإنّي جادّ فأين المفرّ ، غنّني مدرككِ في برّ أو بحر إلى أن يقضي فيكِ الله أمرا كان مفعولا " ، وأوصل لها الرسالة أحد أحباب بجاوة ، وفهمت الرسالة إجمالا وتفصيلا ، منطوقا ومفهوما ، وتحقّقت أنه سوف يمسك بها ، وعادتْ إلى تونس وتلاقتْ بسيدي الطاهر بن عبد الصادق ، وخيّرها بين أمرين : التوبة والتصريح أمام الجميع بكذبها ، وأن لا تعودي إلى إذاية أهل الطريقة من أصحاب الشيخ ، أو أن يمضي ما قدّره الله لك ، فقالت له :" سمعا وطاعة ، ولكن أمهلني حتى نختلي ونتفاهم فيما جئتَ من أجله " ، فقال لها : " ما جئتُ من أجله هو ما سمعتيه منّي علنا ولا يكون إلاّ علنا نصحا لك ، ورفقا بتلاميذك ، ليهلك من هلك عن بيِّنة ويحيا من حيي عن بيّنة ، ويتوب بإعلانك المغترّون والجاهلون " . فأبَتْ ذلك ، فقال لها : " إن لم يكن ذلك فستموتين على هذه الحالة " ، فقالت : " الموت خير لي " ، ورفضت التوبة وماتت على حالها .
ثالثا ـ التربية عند التماسيني
  1. لأولاده وأهل بيته

من وصاياه لأحد أولاده أنه قال له : " إن كنت في ملإ فاجلس بينهم المجلس الأقلّ ، فإن رفعوك فذلك فضل منهم وإن تركوك فقل هذا محلّي " .
وقال للجميع : " إيّاكم أن ترفعوا مكانتكم عن غيركم حتى الخدم فكلّكم عباد الله . إيّاكم إيّاكم أن تظنّوا أنكم خير من هؤلاء المماليك بل إنكم وإياهم عباد الله على حدّ السواء ، وإيّاكم أن تظنّوا أنّ هذه الدار ـ يعني داره وزاويته التماسينية ـ هي ملك لكم وحدكم ، بل هي ملك للشيخ ومالها كلّه إنما هو مال الشيخ ، وليس لي فيها شيء ، وأقول لكم كلّ من كان منتسبا للشيخ فله حظّ في داري هذه " .
  1. تأديبه لأصحابه الكبار

كان يؤدّب أصحابه المقرّبين ، ويزجرهم ويمنعهم من استعمال الأسرار الربانية في الأغراض الدنيوية ، وقضية حرب بن جلاّب خير دليل على ذلك . ورسالته إلى سيدي محمد الحبيب أيضا من هذا القبيل .
  1. نصحه للأحباب عموما

بقوله : " من كان عارفا فليعرف الشيخ ، ومن كان متحدّثا فليتحدّث عن الشيخ ، ومن كان خادما فليخدم الشيخ " . وقال : " أقول لكم إنّ هذا العصر للتجاني إلى يوم القيامة ، وإن الحكم والتصرّف فيه للتجاني إلى يوم القيامة ، وما بقي لصاحب قفة ولا زنبيل تصرّف في دولة التجاني أبدا " . ، وقال : " لا تخافوا من أحد ، ولا من مخلوق أي كان في دار الدنيا ولو بلغ ما بلغ ، فلا تخافوا إلاّ من الله سبحانه وتعالى وسيد الوجود والشيخ " ، وقال في حقّ وصيفه سعيد : " وصيفي يحفظ الفاتحة وصلاة الفاتح لما أغلق ويحفظ جوهرة الكمال واسمه سعيد ، فلا تعادله في ثمنه الدنيا وما فيها ، ولكن أرسلوه إلى أرض الجريد " ، وقال : " كلّ شفاء يخرج من داري ، وكلّ طبّ يبرز من داري ، وكلّ من سعد فمن داري سعد ، وكلّ من سُلِب فمن داري سلب ، وداري صبغة للأولياء ، وكلّ ما يقع في هذا الوجود فمنبعه من داري إلى النفخ في الصور " . ، وقال : " إذا رأيتم واحدا من أولادي يطير بسجّادته ويخالف الكتاب والسنّة فلا تتّبعوه " .
الخاتمة
ماذا استفدنا من ذكر هذه الوقائع ؟
  1. أنّ التماسيني رضي الله عنه كان رجل علم وعمل وعبادة .
  2. التعامل مع الظواهر بالظاهر .
  3. عدم استعمال الأسرار في غير محلّها .
  4. عدم مقابلة الواقع بالخيال ( كحادثة سيدي محمد الكبير رضي الله عنه ) .
  5. الإستعداد للوقائع الحربية والتخطيط والدراسة .
  6. البعد عن الإرتجال وقلّة التحرّي .
  7. إستعمال الإشاعة كخطّة لإحباط قدرات الخصم ( قضية الأمير ) .
  8. التحليل الدقيق لأقوال الخصوم والغير .
  9. الإستفادة من دهاء الأعداء ( قضية الفرس ورفع الضريبة على الأملاك ) .
  10. التمسّك بمحبّة الشيخ التجاني رضي الله عنه .
  11. البعد عن الدجل والشعوذة وادعاء المشيخة .
  12. التمسّك بالكتاب والسنة المطهّرة .



(1) ـ وترجمتها بالفصحى لمن لا يفهمون مصطلحات العامّة من أهل صحراء الجزائر : أنّ الشيخ (الشايب) الذي تنطلي عليه الحيَل (يتزلبح) يستحقّ أن يُضْجَعَ (تكّي) ويذبح ، وهو تعبير على من لم ينفعه طول عمره وتجربته كي يكتسب رصيدا من الحكمة والبصيرة تنفعه عند تعقّد الأمور لفكّ ألغازها .
(2) ـ سيّدي الزاوي بن سيدي الحاج علي رضي الله عنهما .
(3)ـ والقصد هو الغرب الجزائري .
(4) ـ ذلك الرجل الآخر هو سيدي الحاج علي نفسه رضي الله عنه لكن لاعتبارات أخلاقية راقية لم يصرّح باسمه . المراجع :
ـ مخطوط لسيدي علي بن بلقاسم .
ـ مخطوط غرائب البراهين للسيد محمود بن المطمطية .





بقلم الأستاذ : يوسف نصرات



إن الكلام عن سير الرّجال وتراجم الأفاضل والأبطال يتطلّب مجهودات كبيرة ، وخاصّة إذا تعلّق الأمر برجال سجّل التاريخ فضلهم، وشهد لهم القاصي والداّني بعلوّ الهمّة ، وسداد الرأي وصلاح الحال . وما الشيخ سيدي البشير رضي الله عنه إلاّ أحد أولئك الرّجال الّذين كرّسوا حياتهمم لخدمة الدين والوطن، وذلك مصداقا لقوله تعالى : مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (1) .
المولد والنشأة
ولد الشيخ سيدي البشير رضي الله عنه سنة 1918 م بقمار ـ الوادي الجزائر ـ وسُجِّلَ فيما بعد في الحالة المدنيّة بتماسين .
أبوه الخليفة الشيخ سيدي العيد بن الخليفة الشيخ سيدي البشير ، وأمّه لالّه مباركة بنت سيدي أحمد العروسي التجاني والمدعوّة لالّه باكّه .
كان والده يربّيه دائما على الإعتماد على النفس منذ صغره ، ويكرّر له هذا البيت الشعري :
إنّما رجل الدّنيا وواحدها      من لا يعوّل في الدّنيا على أحد
توفي والده وهو ابن تسع سنين، تاركا وصيّة للشيخ سيدي أحمد بن حمّة . ذلك ما حكاه سيدي العيد بن سالم : أن الشيخ سيّدي العيد أملى عليه الوصيّة ، وقال له : " عندما يرجع سيدي أحمد مكّنها له، وممّا جاء فيها : ( الولد ـ ويعني سيدي البشير ـ في ذمّة الله ، وفي كفالة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وفي كفالة الشيخ سيدي أحمد رضي الله عنه ) ، وكرّرها ثلاثا ثم رمقني وقال لي : وفي كفالة سيدي أحمد بن حمّه " . ولمّا قدم مولانا سيدي أحمد رضي الله عنه من تونس قابله الشيخ سيدي العيد ، وكان في حالة الإحتضار ، صرّح له بالخلافة، ثم كرّر له المقالة التي ذكرت في الوصيّة ثلاث مرّات .
ومن ذلك الحين تولّى الشّيخ سيّدي أحمد بن حمّة تربية سيّدي البشير ، وتكفّل به حسّياً ومعنويّاً . فقد أشرف على تعليمه فحفظ القرآن الكريم حفظاً دقيقاً مع ترتيله ، وتعلّم مختلف العلوم الشّرعيّة على يد مجموعة من فطاحلة العلماء نذكر منهم : الأخوين سيدي أحمد والطّاهر بسّا ، والشيخ اللقّاني ، والشيخ الجديدي ، وسي محمد بن البُرِّيه القماري ، وغيرهم . فكوّن رضي الله عنه ثقافة إسلاميّة عالية جعلته يتفوّق على جميع أقرانه. وهكذا شبّ رضي الله بين أحضان الخليفة الشيخ سيدي أحمد بن حمّه ، فكان ملازماً له حتّى في أسفاره القريبة والبعيدة . ففي أوّل سفر للشّيخ بعد خلافته كان معه سيدي البشير . كما كان يعتمد عليه في حلّ المسائل والنزاعات ، وإصلاح ذات البيْن ، ونفهم من ذلك كلّه بأنّه كان تهيئة للشيخ سيدي البشير لحمل أعباء الخلافة .
تزوج سيدي البشير من لالّه خديجة بنت الشيخ سيدي أحمد الخليفة ، وكانت رضي الله عنها تحفظ القرآن الكريم حفظاً دقيقاً ، وكانت لها ثقافة عامّة عالية جدّاً .
كما تولّى الإمامة في مسجد سيدي الحاج علي بتماسين بعد وفاة سيدي العرابي سنة 1975 م .
أخلاقه
كان الشيخ سيدي البشير على مستوى عالٍ وراقٍ من الأخلاق الزكية ، والشمائل الفاضلة تمثّلت في كونه مسالماً ومتسامحاً في تعامله مع مخلوقات الله . وممّا شهد به الّذين عاصروه خصال كانت ملازمة له :
  • الصّدق : فكان صادقا في دينه ، وفي عمله ، وخدمته لدار الخلافة ، بحيث كان رمزاً للإخلاص والّصدق . رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (2) .
  • العفو: فممّا حكي عنه أنه كان يعفو عمّن ظلمه، ولا يحمل الغلّ والحقد لأحد إلاّ لأعداء الله ورسوله .
  • الإستقامة : كما كان ذا استقامة ، وهي صفة نادرة عند معاصريه ، وذا جدّ وحزم وطهارة . فمما حكي عنه أنه جعل لنفسه ورداً يوميّاً من القرآن من عشرة أحزاب .
خلافته
بعد رحيل الخليفة الشيخ سيدي أحمد بن حمّه رضي الله عنه، تولّى سيدي البشير الخلافة : وكان ذلك يوم الثلاثاء 14 صفر 1398هـ ، الموافق لـ : 24 جانفي 1978م ، وتمّت البيعة بحضور أولاد سيدي الحاج علي ، وتحت إشراف الشيخ سيدي علي بن سيدي محمود التجاني ( عين ماضي ) .
تميزت خلافته رضي الله عنه بالتجديد والبناء . استهلّها بحركة علميّة تجلّت من خلال :
  • قضائه شهر رمضان في زاوية قمار حيث كانت تلقى دروس رمضانية تميّزت بالحضور المكثّف للأحباب من جميع أرجاء الولاية ، فساهم ذلك في التأثير على الحركة العلميّة في سوف .
  • تشجيعه الشباب الأحمديّ على ضرورة التسلّح بالعلم، و كان يدعّم ذلك مادّيا ومعنويّاً .
  • رحلاته المتواصلة داخل الوطن وخارجه : عنابة ، قسنطينة ، بسكرة ، تونس العاصمة ، توزر ... الخ ، متفقّدا أحوال الأحباب ، وممتلكات الزّاوية .
  • قيامه بدور كبير في التعريف بالطّريقة والزّاوية ، وخاصّة الإتصال المباشر بالسّلطات المحلّية والوطنيّة .
الإنجازات
كانت للشيخ سيدي البشير رضي الله عنه إنجازات وأدوار كبيرة يعجز اللّسان عن الإيفاء بها ، ونذكر منها :
  1. الدّور النضالي
    1. قبل الاستقلال

لقد أظهر الشيخ سيدي البشير رضي الله عنه في هذه المرحلة العصيبة الّتي مرّت بها الجزائر مواقف بطوليّة ، وأعمال ثوريّة سجّلها التّاريخ بأحرف من ذهب ، لا ينكرها إلاّ متعصّب جاهل ، وتجلّت هذه المواقف من خلال
      • تحسيس الأحباب وإقناعهم بضرورة الإلتحاق بصفوف المجاهدين .
      • كان الشيخ سيدي البشير وسيدي حمّه المساعديْن المباشريْن للشيخ سيّدي أحمد بن حمّه في أعماله الثّوريّة .
      • كان مكلّفاً بإيواء المجاهدين وإطعامهم ، نذكر منهم نصرات حشّاني وغيره من المجاهدين .
      • كلّف بقضايا سرّية لصالح الثّورة .
      • كان يشتغل أمينا للمال في الخليّة الثوريّة المشكّلة في الزّاوية .
    1. بعد الإستقلال
واصل الشيخ مواقفه النّبيلة ، وآراءه السّديدة الّتي كان لها عظيم الأثر في توجيه الأحباب للمساهمة في بناء الدّولة والوطن . فلما ألمّت بالجزائر محنة الغدر ، وفُرْقةُ الصّف ، وانتشار الفكر المتطرّف ، كانت له مواقف بجانب الدّولة والوطن . فقد كان يدعو في مجالسه ولقاءاته ، سواء مع أبناء الزّاوية والأحباب ، أو مع غيرهم من الأصدقاء الّذين كانوا يتردّدون عليه ، على توحيد الصّف، ونبذ العنف، وعلى محاربة الفكر المتطرّف الهدّام ، واستبداله بالفكر المعتدل البنّاء . كما كان يدعو إلى الوقوف إلى جانب السّلطة الشرعيّة ، وعلى إخماد نار الفتنة ، وإطفاء جمرتها ، وعدم مواجهة الشرّ بالشرّ ، والعنف بالعنف . فكان رضي الله عنه رحيماً يدعو دائماً على الخروج من المآزق بمسلك حسن فيه لين ، وهذا مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من كان آمراً بالمعروف فليكن أمره بمعروف » .
  1. ‌الدور الثقافي والعلمي

كان للتكوين الأوّلي للشيخ رضي الله عنه ، المتمثّل في ثقافته الإسلاميّة الواسعة ، بالغ الأثر في نتاجه الميداني الّذي ظهرت بصماته من خلال :
    • بناء وتجديد الشّطر الأوّل من الزّاوية التي تصدّعت بفعل العوارض المناخيّة . وقد تمّ افتتاحها يوم الخميس 14 ذو القعدة 1413هـ ، الموافق لـ06 ماي 1993 م ، وبعدها واصل بناء زاويتي الوادي وبسكرة . قام رضي الله عنه بإعادة بناء المسجد الجامع ، حيث وضع الحجر الأساسي يوم السبت 03 صفر1416هـ الموافق لـ 01 جويلية 1995 م، ودشن يوم الخميس 19 رجب 1418هـ الموافق لـ20 نوفمبر 1997 م في يوم مشهود . وبهذه المناسبة بعث الشاعر محمد بن صابر الرّياحي قصيدة وممّا جاء فيها :
للـه زاويـة ضـاءت  منائرهـا      بروضها الزاهر اسم الله مذكور
هذا  البشيـر إمـام ردّ بهجتهـا      على يديـه يعـمّ الخير والنّور
ذاك  الهمام الّذي جلّـت محاسنـه      ومن لـه بيننا حـبّ  وتقديـر
كم صان حرمتها والعـزم ديدنـه      حتى  بدت وسلام الله  منشـور
فهو الشّريف العفيف المعتلي رتبا     من  الصّلاح بها الإسعاد  موفور
    • أعاد بناء ضريح الخليفة الأعظم سيدي الحاج علي التماسيني رضي الله عنه ، حيث وضع حجر الأساس يوم الأربعاء 17 شعبان 1418هـ الموافق لـ17 ديسمبر 1997 م ، ودشّنه في يوم تاريخي وهو الخميس 07 شعبان 1419هـ الموافق ل 26 نوفمبر 1998 في حفل كبير . مع العلم أنّ الحفلين الخاصّين بافتتاح المسجد وتدشين الضّريح كانا تحت إشراف الخليفة العام للطريقة سيدي عبد الجبّار .
  1. ‌المدرسة القرآنية

كانت هذه المدرسة ، قبل إعادة بنائها ، تقوم بواجبها في تحفيظ الطّلاب كتاب الله ، وذلك منذ تاريخ تأسيس زاوية تماسين . وقام بتجديدها كلّية الشيخ سيدي البشير رضي الله عنه ، وبعد انتقاله إلى الرّفيق الأعلى دشّنها نجله الخليفة الحالي الشيخ سيدي محمد العيد نصره الله وأيّده ، يوم الثلاثاء 05 رجب 1421 هـ ، الموافق لـ 03 أكتوبر 2000 م .
  1. الدّور الإجتماعيّ
    • كان رضي الله عنه دائم المبادرة في جمع الصّف وتوحيد الكلمة، كلّما سنحت الفرصة لذلك وخاصّة في المناسبات ، كالمولد النّبوي الشريف ، والأعياد ، وغيرها .
    • مبادراته الكبيرة الّتي ظهرت من خلال مشروع الزّواج الجماعي سواء لأولاد سيدي الحاج علي ، أو غيرهم من الأحباب ، حتّى يسهّل وييسّر لهم القيام بهذه السّنة .
    • حثّ الأحباب على الأخذ بأيدي بعضهم البعض ، وبثّ روح التّعاون والألفة والبساطة بين أفراد هذه الطّريقة .
    • مساعدة المحتاجين والمعوزين مادّياً .
وفاته
بعد هذا المشوار العظيم الذي قضاه الشيخ رضي الله عنه حاملاً لراية الخلافة في عصر التجديد بأدواره الثّلاثة : النّضالي والثقافي والإجتماعي ، لبّى الشيخ رضي الله عنه نداء ربّه في يوم الجمعة 01 شوّال 1420 هـ ، الموافق لـ 07 جانفي 2000 م بمستشفى عين النعجة بالجزائر العاصمة . وقبر يوم الأحد 03 شوّال 1420 هـ ، الموافق لـ 09 جانفي 2000 م في موكب جنائزيّ مهيب .
من وصاياه
كان الشيخ سيّدي البشير رضي الله عنه يوصي الأحباب دائما وينصحهم ، ومن أهمّ وصاياه :
  • التسامح بين الأحباب : حتى قال رضي الله عنه : ( يا أيها الأحباب تسامحوا ، فإن لم تستطيعوا فسامحوا لأجل الشّيخ ) . وكان آخر كلامه رضي الله عنه هو تسامح الأحباب مع مخلوقات الله .
  • كان يحثّ الأحباب على احترام وتقدير المقدّمين، وفي الوقت نفسه كان يأمر المقدّمين بتأطير الأحباب ، والسّعي في حلّ نزاعاتهم ومشاكلهم ، ومساعدتهم مادّيّاً ومعنويّاً .
  • كان ينصح الأحباب بالبساطة في كلّ شيء ، وقد ورث منه ذلك الخليفة الحالي ، وهو دائماً يردّد : ( عليكم بالبساطة فإنّ العمل البسيط هو الصّعب ) .
  • كان ينصح الأحباب المتزوّجين بالصّراحة بين الزّوجين .
  • وأحسن ما نختم به ، ما قاله الشيخ سيدي عبد الجبّار رضي الله عنه في حقّ الشيخ سيّدي البشير رضي الله عنه : " لقد خدم الطّريقة حيّاً وميّتاً " ، وذلك أنّ الفضائيات بثّت صور الموكب الجنائزي نقلاً عن التلفزة الجزائريّة ، وتحدّثت بإسهاب عن الطّريقة التجانيّة .

  1. سورة الأحزاب ، الآية 23 .
  2. سورة النور ، الآية 37 .


بقلم الأستاذ : خالد إبراهيم

ما الذي يدفع الخيّر إلى إتيان الخير إلاّ رحمة حُبّبَت في قلبه أنعم عليه بها المنعم سبحانه ، واختاره لها وأهّّله للقيام بها، والله أعلم حيث يجعل فضله ، فهو مدفوع للخير بيد التّوفيق الرّبّاني ، أرسله الرّحمن برسالة مقتبسة من رسالة الّنبوّة المقدّسة رحمةً من الرّحمة ، ونوراً من النّور ، وهدياً من الهدي .
هذه المعاني قصدنا بها رجلاً أفنى حياته خدمة للحق ورسالة الحق وعبادة الحقّ . رجل لم يجعل للّذائذ الفانية ميزاناً لراحة الضّمير ، بل اعتبرها عدماً لأنّه كان من أصحاب المبادئ السّاميَة . إنّه سيّدي الحاج بن عمر التجاني رضي الله عنه .
نسبه الشريف
هو سيّدي الحاج بن عمر بن سيّدي محمد الكبير بن سيّدي محمد البشير بن سيّدي محمد الحبيب بن القطب المكتوم والبرزخ المحمدي المعلوم سيّدنا الشيخ أحمد بن محمد التجاني رضي الله عنه و أرضاه وعنا به آمين .
مولده
ولد رضي الله عنه سنة 1904 ، وتوفي يوم الأحد 25 فيفري 1962 عن عمر يناهز 58 سنة . ولعلّك تلاحظ - أخي العزيز - كيف أن الرّجل لم يكن من المعمّرين ، ولكنّك وبعد الإطّلاع على أعماله الجليلة وصفاته النّبيلة تدرك العناية الإلهيّة لمثل هؤلاء الأشخاص ، فهُمْ يقومون في أعمارهم الوجيزة بأعمال تستغرق السّنين الطّوال لو قسناها بميزان العقل . ولكنّها بركة القطب المكتوم سارية في أبنائه وأحفاده إلى يوم الدّين .
كان رضي الله عنه عالي الهمّة ، طاهراً مطهّراً ، إستولتْ على قلبه الرّحمة ، وأناره الله بنور العرفان ، فسار في النّاس شمسَ فضل لينشر ما أنعم الله عليه من فضله .
بدأ حياته مجاهدا بلسانه وقلمه ، ليست دعوته دعوة التراب للتراب ، وإنما هي دعوة الرّوح للرّوح ، ودعوة العلم إلى العلم ، والرّحمة إلى الرّحمة، ودعوة البرهان إلى اليقين ، غاية اليقين . لذلك استجابت لها القلوب من مختلف الطّوائف والطّبقات والمراتب.اتّخذ من إفريقية مركزاً لهاته الدّعوة لأسباب عدّة .
  • الحالة الدّينيّة والإجتماعيّة
    ولم نفصل بين الحالتين لأنّ المعتقدات الإفريقية تتجاوز الفرد ، فكلّ معتقد يقابل نمطاً مميّزاً من أنماط المجتمع سواء كان المعتقد يخلق هذا النمط أم ينبثق منه . ولأنّ أنماط السّلوك الإجتماعي تتحدّد بالمعتقدات فأوّل ما يشعر به كلّ إنسان الوازع الدّيني: أو الخوف من الخطر ، ثم الثقة في مساندة الجماعة التي ينتمي إليها ، ثم الخضوع للتقاليد التي تفرضها هذه الجماعة ، أو تفرضها الطّقوس والشّعائر الدّينيّة ، وعليه نقول إن الدّيانة التي سادت المجتمع الإفريقي هي الدّيانة الإحيائية ، وهي مجموعة معتقدات يعتنقها مجتمع بدائي تدور في مجملها على اعتقاد أنّ في هذا الكون المنظّم قوّة تتحرّك يتعيّن على المعتقد تحديد مسار حركتها بطقوس دينيّة لمنع الكوارث التي يمكن أن تصيب الإنسان في نفسه أو ماله أو أبنائه ، وهذه القوّة عندهم كائن يعلو فوق الكائنات قام بخلق العالم دفعة واحدة ثم تسامى عن البشر ، وأخلد إلى الرّاحة ، وأناب عنه في إدارة شؤون السّماء الإله " لوا " ، حيث كلّفه بالبرق والرّعد والمطر ، والخير والموت والحياة ...الخ ، وهو منزّه عن الصّفات البشريّة . وأناب عنه في إدارة شؤون الأرض الإله " سو " ، حيث وضع في يده أدوات العمل والسّحر والخير والشّرّ ، ويتوجّه الإحيائيون إلى عبادة الأسلاف ليكونوا وسطاء لهم عند تلك القوّة الخفيّة .
  • العادات والتقاليد السّائدة
    1. وأد الأطفال: وهذا لأتفه الأسباب : إذا نقص إصبع أو زاد ، المهمّ إذا ولد خلاف العادة ، والإعتقاد السّائد أن روحاً شرّيرة أتت به .
    2. الكهانة
    3. السّحر: صرف شيء عن حقيقته
    4. الشعوذة: نظام الطّبقات .
  • الحالة السياسيّة والاقتصادية
    لم تكن أحسن حظّا من سابقتها ، حيث تميّزت السياسة بنظام الملوكيّة : لكلّ قبيلة ملك ومعتقد... أمّا النّاحية الاقتصاديّة فكانت تعتمد أساساً على الزّراعة والتجارة ، ولكنّ مردود هذه الأخيرة ضعيف . وبقيت إفريقية على هذه الحال قرونا إلى أن جاء الفتح الإسلامي بوفود المسلمين إلى الحبشة ، ومنها بدأت تظهر بوادر هذا الدّين وتعاليمه السمحة .
ذكرنا هذه الأحداث حتى نعلم الأصول المكوّنة لهذا المجتمع الّذي سيقتحمه سيّدي الحاج بن عمر رضي الله عنه حيث نلحظ تواجد أقليّات مسلمة ، أغلبيات مسيحيّة ، ثمّ مجوس ووثنيين . وهذا ما أنهض ذلك الرّجل الفذّ سيّدي الحاج بن عمر التجاني ، سليل الشّرفاء ، فترك أهله وداره ومصالحه الخاصّة ليجول هذه الأقطار الشاسعة ، ويقتحم المجاهل والمخاطر ، ليتمّم عمل أسلافه في نشر هذا الدّين القويم . فقام يدعو الضّالَّ إلى الهدى ، ويأخذ بيد المظلوم ، ويمسح الآلام عن الضعفاء والبؤساء والمنكوبين ، يدعو العالم إلى تحقيق العدالة الشّاملة ، العدالة التي تنظم حياة الرّوح مع الجسد .
فانطلق رضي الله عنه إلى مسعاه لأنّه كان دائم التفكير في شؤون العالم الإسلامي ، محبّاً للوقوف على أحوالهم ، يرجو لهم الخير والصّلاح ، وترِدُ إليه المكاتيب من سائر الأقطار حاملة أشواق أصحابها وتطلّعهم لزيارته . ولمّا كانت زيارة هذه الأقطار تتطلّب موافقة الهيئات العليا الحاكمة سألها هل إذا أراد مسلم زيارة إخوانه في مختلف الأقطار الإفريقية أهناك مانع ، فكان الجواب أن لا مانع ، فصرّحوا له بالسّفر ، فتوجّه رضي الله عنه نحو المغرب الأقصى لزيارة جدّه بفاس ومنها إلى الرّباط فالدّار البيضاء ، ومن مطارها أخذ الطّائرة إلى (داكار) رفقة كاتبه أحمد لَعْنَايَهْ وتابعه الخاصّ محمد السّمغوني . وكان في استقباله جملة من الأفاضل وأكابر رؤساء الدّين بالسّينغال ، من بينهم سيّدي إبراهيم نياس ، وأبناء الحاج مالك سي ، وما لا يحصى من الخلائق . ومن داكار ذهب إلى غامبيا ، ثم إلى غينيا ، وعموما فقد زار أغلب بلدان إفريقية الإستوائية والكامرون ، مستعملا في ذلك الوسائل المتاحة حسب تضاريس المنطقة : طائرات ، بواخر ، سيارات ، قطارات ، وخيول .
والملفت للنظر ، أنّ هذا السّيد العظيم كان إذا نزل ببلاد ازدحمت الجماهير حتى إنّه ليجد صعوبة في النّزول محبّة وشوقاً . فيزور مسجد تلك الجهة ، ويحاضر فيه داعياً مرشداً موجّهاً ، وناصحاً أمينا شفوقاً . وهنا سأتبع منهج التقرير في سرد الحوادث والأحداث التي واجهته في جهاده العلمي .
  • كان هدفه الأساسي الأسمى هو الدّعوة إلى الإسلام وبثّ تعاليمه السّمحة الشرعيّة والرّوحيّة ، وألّف في ذلك كتاباً أسماه (المجموع الواضح) يبيّن فيه عوائد الإسلام السّمحة ، مواجهاً بها تلك العوائد القبيحة المنتشرة هناك .
  • بعث إلى سيدي محمد الحافظ التجاني المصري يطلب منه كتبا ً في تعاليم الإسلام بلغات أجنبيّة .
  • كان ينير من اعتنق الإسلام بالعهد الأحمديّ للسّلوك .
  • كان يتصلّ برؤساء كلّ منطقة يحلّ بها ، ويدعو مَنْ لهم تأثير فيها إلى الإسلام ، فأسلم على يديه الكثير من المجوس وغيرهم من الوثنيين .
  • مواجهة الحركات الهدّامة كالقاديانية ، والوهّابية ، التي غزتهم مع الحجيج ، بل كان يعمل على نشر الوعي الديني المدعم بحبّ آل البيت ونصرة الأولياء .
  • حضّ الرّؤساء على الإهتمام بشؤون المسلمين وتقديرهم .
  • الدّعوة إلى فتح مدارس لتعليم العربيّة ، ومبادئ الشّريعة الإسلاميّة .
  • عند تعرّضه لمجموعة من المسلمين تفرقهم حزازات نفسيّة أو فوارق كان رضي الله عنه يبذل قصارى جهده لإصلاح ذات البيْن ، ويعمل لإزالتها ومحو آثارها ، كما وقع في (كنصاصة) ، حيث فوجئ بوجود شقاق مستفحل بين المسلمين منذ سنوات ، فقضى عليه ، ووعظهم وأرشدهم ، حتى صاروا إخوة بعد أن كانوا يعدّون ذلك ضرباً من المستحيل .
  • كان يدعو الحكّام إلى الإحتكاك بالمحكومين تحقيقاً للتواضع والمصالح العامّة ، كما وقع للسلطان (أحمد بن بوبكر) حيث أمره بالصّلاة بالنّاس يوم الجمعة ، فحقّق بذلك رابطة اجتماعيّة قويّة .
  • كانت الإجتماعات الخاصّة بالوظيفة تضمّ ما يزيد عن 1500 شخص في كلّ منطقة يؤمّها .
  • كانت مجالسه الوعظيّة تستغرق السّاعات الطّوال ، وكانت ثمرتها دخول الآلاف إلى الإسلام والتمسّك بالعهد الأحمدي ، تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : « لئن يهدي بك الله رجلا واحداً خير لك ممّا طلعت عليه الشّمس » .
  • لم تقتصر دعوته على الجانب الوعظيّ والإرشاديّ فقط ، بل تعدّتها إلى المساعدات المادّية كما وقع في قبيلة (بني عريان) ، وهم قبيلة اعتادت على العري ، فلمّا مرّ عليهم قطار سيّدي بن عمر رضي الله عنه محمّلاً بالأطنان من الألبسة ، لحقوه بغية الرؤية والتوجيه ، والحصول على ما سترون به عريهم . واستطاع رضي الله عنه أن يؤثر في مسؤولي الجهة بجعل حدّ للتعرّي في تلك الجهة ، وقد كانت له الرّيادة في ذلك .
ولو تتبعنا دقائق ما حصل له في رحلاته وجهاده لما استطعنا الإلمام بها في هذه المحاضرة ، ولكننا أردنا تسليط الضّوء على هذه الشخصية الفذّة ، ولتبيين الجهد الذي يتكبّده رجال الطريقة في نشر الإسلام الدّيانة الخاتمة ، وفي مساعدة الخلق وإسعادهم دينا ودنيا ، حتى تكون هذه المعلومات دعما للمعتقد ، وتبكيتاً للناعق المنتقد ، ولنحرّك في إخواننا الطّلبة جذوة العمل الدّؤوب نصرة لهذا المبدأ وخدمة للحق وأهله . ونحن عندما نذكر هؤلاء العظماء فإننا نودّ بذلك أن نذكر مثلاً يُحتذَى ، وأثراً يُقتفَى في الإستماتة في نصرة الشّريعة والطّريقة ، لأنّه لا يوجد أحد أحقّ بهذه المزيّة من التجانيين .
وإيّاك أن تفشل وتقول : ومن أين لنا أن نقوم بهذا ؟ فإنّ الجود من الموجود ، وما لا يقدر على كلّه لا يترك جلّه.




الأستاذ : دحّه إسماعيل حفظه الله : من أحفاد سيدي أحمد بن سليمان رضي الله عنه ، أستاذ اللغة العربية وآدابها بمتوسطة تغزوت .

سيدي أحمد بن سليمان ، المولود سنة 1178 هـ الموافق لـ 1765 م ، من الأوائل الذين أخذوا لواء الطريقة التجانية سنة 1202 هـ الموافق لـ 1786 م في وفد صغير يجمع أهل سوف (قمار) إلى عين ماضي ، حيث نال الشرف العظيم في خدمة القطب المكتوم رضي الله عنه والمحبة الخاصة . وفي تلك الزيارة أمرهم الشيخ رضي الله عنه ببناء الزاوية ، فبُنِيَتْ في تغزوت . لكن في الموسم الثاني للزيارة أمرهم ببنائها في مكانها المسطر لها من قِبَلِ المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وترْك الزاوية الأخرى التي بتغزوت .
لقد حاز من الشيخ رضي الله عنه الفضل والشرف في خدمته والتربية الروحية ، وقد خصه الله بزيارة الشيخ رضي الله عنه أكثر من ثلاث عشرة مرّة ، وخُصّ بالتقديم المطلق منه رضي الله عنه ، وخُصّ كذلك بإسناد سيّدنا رضي الله عنه على صدره عند وفاته ، ونال شرف تغسيله له ، ودفنه بزاويته الشريفة بفاس من القطر المغربي الشقيق .
وبعدها رجع إلى سوف ، ثمّ دام في خدمة الشيخ سيّدي الحاج علي التماسيني رضي الله عنه ، خليفة القطب المكتوم رضي الله عنه ، ونال منه المحبّة الخاصة ، والتربية الكاملة ، وخدمته الشريفة ، فقد كان من الملازمين في خدمته رضي الله عنه ، وخدمة نجْلَيْ القطب المكتوم رضي الله عنهم حتى وفاته سنة 1254 هـ الموافق لـ 1838 م .
دفِن رضوان الله عليه بزاويته بتغزوت ، ولاية الوادي ، وترك ثلاثة أولاد هم :
  • سيدي الحبيب .
  • وسيدي علي .
  • وسيدي محمّد الملقب بـ " أبّايَ حَمَّهْ " ، والذي خلف والده رحمه الله من بعده .
  • والبنت المصونة الطاهرة العفيفة لالّه فاطمة زوجة الشيخ سيّدي محمد العيد رضي الله عنه .

إضافة بقلم : محمود سلطاني

لا تزال زاوية سيدي أحمد بن سليمان التغزوتي منارة متلألئة في سماء الإسلام ، ونبراسا ومرجعا يحول بين أحباب تغزوت وبين الضياع والتشتّت والتنكّر للمبدإ . وقد تعاقب على الزاوية خيرة أبنائه وأحفاده ، وكان لكلّ واحد منهم بصماته الشريفة ، وإضافاته النورانية لإرث الأجداد المقدّس .
ومنذ أن أُنشِئتْ وإلى يوم الناس هذا ، لم تنقطع تلاوة الوظيفة في الزاوية صباحا ومساء ، ومرّت أجيال معلّمي القرآن تترى ، تحفّظ آي الكتاب الحكيم ، وتخرج الطبقة تلو الطبقة من المتقنين الذين طار صيتهم إلى خارج حدود وادي سوف ، وكان الحاضر الدائم ، والموحّد الأكبر ، وقاسم الجميع المشترك في كلّ عصر هو : مولانا المقدّم المبجّل ، حامل لواء محبّة الشيخ ، ورمز الإخلاص والخدمة ، وباعث روح العقيدة الصحيحة في أوصال أبناء تغزوت .
لقد ثبت بالشواهد الصحيحة ، وأقوال الخلفاء الكرام من أبناء سيدي الحاج علي التماسيني ، أو أبناء القطب المكتوم رضي الله عنهم جميعا ، أن لتغزوت الغرّاء مرتبة خاصة عندهم ، ونصيب من الرضى لم تدركه غيرها من المناطق والأقاليم على جلالة قدرها . نصيب روحه ولحمته وسداه الإخلاص والغيرة وإنكار الذّات في حب الزاوية التجانية ، والإستعداد الصادق للتضحية بكل شيء من أجل الشيخ رضي الله عنه ، وتقديم الأشراف على من عداهم ابتداء من النفس والأهل . وما كان ذلك ليكون لولا زاوية سيدي أحمد بن سليمان ، وأبنائه المقرّبين الأجلاّء ، رضي الله عنهم .
خلفاء سيدي أحمد بن سليمان رضي الله عنه
  1. سيدي محمد ( أبّايَ حمّهْ ) .
  2. سيدي محمد الأخضر .
  3. سيدي محمد .
  4. سيدي بن عمر ( الخليفة الحالي حفظه الله وأطال في عمره لنا ) .
وإذا كان كل الخلفاء آية في العقيدة والخدمة والتقى ، فإن ما تميّز به سيدي محمد الأخضر رضي الله عنه - زيادة على ما ذكرنا - هو غزارة العلم ، والشاعرية الراقية ، ورهافة الحسّ ، وينابيع الذوق الرفيع للأدب والتأليف النافع .
ألّف رضي الله عنه الكثير ، وقد يتيح المولى عزّ وعلا الفرصة لإخراج الأعمال إلى الناس على نطاق واسع ، ولكننا نقدّم نموذجا من إنتاجه المبارك بصفته غيض من فيوضات الله عليه .
من أقوال سيدي أحمد بن سليمان رضي الله عنه
من شدّة حرصه على الأحباب ، وعظيم حبّه لهم واهتمامه بهم ، صرّح بعبارته المشهورة ، التي لا نزال نرددها اليوم ، وإلى الأبد إن شاء الله ، قائلا : " سأجعلكم تفوزون بالقوّة "



العـدد الأوّل : رسائل الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه إلى أهل سوف
  1. رسالة الشيخ رضي الله عنه إلى أهل قمار(1) .
  2. رسالة الشيخ رضي الله عنه إلى أهل قمار(2) .
  3. رسالة الشيخ رضي الله عنه إلى أهل قمار(3) .
  4. رسالة الإمام التماسيني رضي الله عنه إلى أهل سوف .

الرسالة الأولى
بعد حمد الله جلّ جلاله ، يصِلُ الكتاب إلى كافّة أحبابنا ، فقراء قمار من بلاد سوف حفظها الله من كل بأس ، وخوف ، وهمّ ، الأحبّ الأكرم المقدّم السيّد محمّد الساسي وجملة الأحباب ، كلّ واحد باسمه وعينه من غير تخصيص ، ذكورا وإناثا ، كبارا وصغارا . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ورضوانه ، وإكرامه ، وإبراره ، و إنعامه ، وإحسانه ، وإفضاله .
مِنْ سيّدنا وشيخنا ، قطب الأقطاب ، أبي العبّاس مولانا أحمد بن محمّد التجاني ، سقانا الله وإيّاكم من فيض بحاره بأعظم الأواني ، آمين .
وبعد ، نسأل الله جلّتْ عظمته ، وعزّتْ قدرته ، أن ينظر فيكم بعين الرضا والمحبة ، وأن يتولاّكم بعنايته ، وأن يحفظكم بلطفه ، وأن يكتبكم في ديوان أهل محبّته دنيا وأخرى ، إنّه على ما يشاء قدير ، وبالإجابة جدير . وقد بلغنا ما صنعتم من معروف ، وما أنتم عليه من المحبّة و المودّة وحسن العهد . فنسأل الله أن يُتِمّ لكم ما رمّمتموه من خيرات الدنيا والآخرة ، وأن يزيدكم من فضله . والمؤكّد به عليكم المحافظة على مراعاة شروط طريقتكم التي دخلتم فيها ، من تأدية الورد والوظيفة على ما سمعتم ، وتركِ أوراد الغير من الأشياخ رأسا ، وعدم زيارة الأولياء مع مراعاة حرمتهم . فمن داوم على هذا يحصل له ما سمعتم من الخيرات ، من عظيم الثواب ، وكثرة تضاعف الحسنات في الحياة وبعد الممات . وإيّاكم ومخالطة أهل الإنتقاد على القدوة ، الحذر الحذر ، فإنها الداء العضال ، وفساد قلب من خالطهم مجرّب وإن كان لا يشعر حتى يتمكّن . فإنْ تمكّن لم يقدر على الخلاص والرجوع لِمَا كان عليه أوّلا من المحبّة ، وسبب ذلك لمخالفة الشيخ ، لأنّه رضي الله عنه حذّر أصحابه كثيرا فيما مضى . فمن وقع في مخالفته خرج من طريقته إلاّ أنْ يتوب ، نسأل الله أن يحفظكم وإيّانا من صحبة المبغضين من الآن إلى الإستقرار في عليّين ، آمين . والحمد لله رب العالمين ، والسلام عليكم ، مِنْ مُحِبّكم محمّد بن المشري كاتب الحروف عن إذن سيّدنا رضي الله عنه .
وإن سألتم عن سيّدنا ، فهو بخير وعافية ، لله الحمد ، وله المِنّة ، في نفسه وأولاده وأهله ، وأمَرَني أن نكتب لكم ولجميع الفقراء .
وإنّ مَنْ عنده نخلة لسيّدنا ، فليترك ثمرها عند جزازه ، كثيرا أو قليلا ، ثم يخزنه المقدّم حتى نأمره بعد هذا بما يصنع ، وأمرني سيّدنا بالإقامة بعين ماضي حتى يَقْدم علينا في بداية الخريف إن شاء الله بنفسه إنْ يسّر الله له القدوم ، وإنْ سألتم عنّا فنحن بخير ولله الحمد ، والسلام .
في رابع جمادى الثانية عام 1221 هـ ( الموافق لـ يوم الإثنين 18 أوت 1806 م )
الرسالة الثانية
بعد حمد الله جلّ جلاله ، وعزّ كبرياؤه ، وتعالى عزّه ، وتقدّس مجده وكرمه ، يَصِل الكتاب إلى كافّة الأحباب بقمار ، كلّ واحد باسمه وعينه . السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ، وبعد :
فقد بلغَنَا ما سألتم عنه من شأن الورد ، والوظيفة ، والذكر يوم الجمعة ، و الجواب :
إنّ الأمر في هذه الطريقة بَيِّنُ السلوك لِمَن وفّقه الله هيّن ، فإنّها حنيفية سمحة ، وذلك لِخِفَّةِ ما يُطلب مِن الذكر ، وسعة الوقت في الورد .
فورد آخر النهار من صلاة العصر إلى وقت العشاء ، كلّ ذلك وقتٌ مختار ، ومَن فاته ذلك لشغل ، أو مرض ، أو نحوه ، فليتداركه في أيّ وقت أمكنه من الليل .
وورد أوّل النهار ، ووقته المختار بعد صلاة الصبح ويمتدّ إلى وقت الضحى الأعلى ، ومَن شغَلَه عذر صحيح فليتداركه في أيّ وقت من النهار .
وأمّا الوظيفة ، فمَرّة واحدة بين اليوم و الليلة أيّ وقت أمكن الإجتماع فيه إذا كان في المحل جماعة ، و أما الواحد فبأيّ وقت شاء . والإجتماع لها في الجماعة شرط صحّة ، ولا بدّ منه لأهل البلد ، فإن تركوها رأسا بحيث لا يجتمعون أصلا فقد خالفوا وخرجوا عن الطريقة ، وأمّا تخلّف البعض منهم ، فمَن تخلّف لعذر مِن غير قصدٍ للتخلّف فهو كمَنْ حضر ، ويذكرها وحده ، ومَن تخلّف بغير عذر فقد ضيّع نفسه في خيرٍ كثيرٍ لا حدّ له ولا حصر ، ولو عرفه أكابر العارفين وقدروا عليه لما تركوه .
ومثلها في هذا من أحكام الإجتماع ، التخلّف عن الذكر بعد صلاة العصر مِن يوم الجمعة ، أقَلُّه ساعة فلكية .
وأمّا الكلام في الورد والوظيفة ، فكثرته مبطلة ، ومَن صدر منه فليتدارك الذكر من أوله ، وأمّا الكلمة و الكلمتان لعارض موجب فغير مبطل ، والترك أولى .
وأمّا ورد الصبح ، فمَن قدّمه قبل طلوع الفجر ، اغتناما لتلك الساعة ، يجزي ، ومَن طلع عليه الفجر فلا يذكره إلاّ بعد صلاة الصبح .
وأمّا مَن عجز عن حفظ جوهرة الكمال ، فليذكر عشرين مرّة من صلاة الفاتح لما أغلق ، والسلام .
الرسالة الثالثة
الحمد لله ، مِنَ الإمام الهمام ، نجل الكرام ، قدوة الأنام ، وحجّة الإسلام ، العارف بالله ، أبي العبّاس سيّدنا ومولانا أحمد بن محمّد بن سالم التجاني ، الشريف الحسني ، إلى كافّة أحبابنا وأهل مودتنا ، فقراء قمار عموما وخصوصا . السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وتحيّاته ورضوانه ما تقابل العدم بالملكية ، فإنّي أحمد الله إليكم الذي لا إله إلاّ هو .
أما بعد ، فإنّي أستوهب لكم من الله عزّ وجلّ أن يجعلكم في كفايته وكفالته ، وكلأته ووقايته ، وولايته وهدايته ، وعنايته ورعايته ، وحياطته وحراسته ، وخيارته وعزّته ، ومنعته وذمّته ، وهو المستعان وعليه التكلان . وأوصي المقدّم أن يعظ الفقراء ، ويذكّرهم وينصحهم ، ويعود مريضهم ، ويشهد جنائزهم ، ويحفظ عافيهم ، ويسعى في قضاء حوائجهم ، وأنْ يحمل أذاهم ، ويشكر محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم ، ويسعى كلّ السعي في مرضاتهم ، وإصلاح ذات بينهم ، والتأليف لقلوبهم ، وأن لا يرى لنفسه حظّا عليهم ، وأن يعظ جاهلهم ، وأن يذكّر ناسيهم ، وأن ينبّه غافلهم ، وأن لا يشحّ عليهم بشيء ممّا هو في يده .
وأوصي الفقراء أن يتأدّبوا له ، ويعظّموه ، ويحترموه ، ويطيعوه فيما يأمرهم به ، وينهاهم عنه ، وأن يخدموه ، فهو وكيل الشيخ .
وأوصيكم بتقوى الله في السرّ والعلانية ، والرجوع إلى الله في كل قاصية ودانية ، واتّباع السنّة في الأقوال والأفعال ، والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار ، والرضا عن الله في الكثير والقليل ، والجليل والحقير . وحكّموا السنّة على أقوالكم وأفعالكم ، وخطراتكم وسكناتكم ، ولا تتحرّكوا إلاّ ولله فيها نصيب . وأنهاكم عن القيل والقال ، ومخالطة الأراذل ومَن لا خلاق له ، وعمّروا أوقاتكم فيما يعنيكم في عقباتكم ، وتحمدون غبّه في آخرتكم . وأوصيكم بمراعاة أوقاتكم ، والمداومة على أورادكم ، والمراقبة لبارئكم ، والشهداء عليه فيكم ، واقتداره عليكم ، في جميع أحوالكم . وأوصيكم بالتردّد ، والتحبّب ، والتزاور فيما بينكم ، واجعلوا الألفة ربح تجارتكم فإنه صلى الله عليه وسلم يقول ، وهو الصادق والمصدّق : لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أو كما قال عليه السلام . وحافظوا على صلواتكم ، وطيّبوا أوقاتكم ، وصحّحوا معاملتكم ، وتناصحوا ، وتصافحوا ، وتشاوروا ، وتزاوروا ، وتطاعموا ، وتآمروا ، وتناصروا ، وارعوا الحرمة فيما بينكم قياما بحق الآخرة ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وسلّم .
ويسلّم عليكم كاتبه ، عن إذن سيّدنا رضي الله عنه ، أحمد بن عبد السلام الفيلالي ، خديم الحضرة التيجانية ، والسلام .
رسالة الإمام التماسيني رضي الله عنه إلى أهل سوف .
بعد سطر الإفتتاح : "... من كاتبه إليكم العبد الفقير إلى الله علي بن الحاج عيسى خديم التجاني . وبعد نسأل الله عز وجل أن يفيض عليكم بحور المعارف والأسرار وأن يجعل لكم وقفة دايمة في حضرة الله تعالى من أكابر وقفات العارفين الصديقين بجميع أحوالها وأحكامها ومقتضياتها ولوازمها في الدنيا والآخرة . يليه أن الذي أعلمكم به , هونوا عليكم الشأن فإن أمر الله سبحانه في خلقه من ضر ونفع هو منه تعالى , فلا دافع لأمر الله ولا تفيد فيه حيلة . فسلموا الأمر لله فيما يريده سبحانه بخلقه ولا تتعبوا أنفسكم بمعاناته . فليس ينبغي لنا إلا الصبر الجميل . وأما ما يحصل لنفوسكم من الضيق بسبب اختلاف أحوال الناس مطلقا , أي سواء كانوا من أصحاب سيدنا الشيخ أصلا مما هم فيه من كثرة الفتن والتواء الأمور , فإن ذلك هو مراد الله سبحانه منهم . فأريحوا قلوبكم من أمور الناس فما صفا لكم فتمتعوا , وما اضطرب عليكم من أمورهم , فاضربوا به صفحا . فإن مراد الحق جل جلاله في مخلوقاته , هو ما ترونه فيهم . فما ثم قدرة لأحد على دفع أمر الله فيما يريده في خلقه . وإياكم أن تزهدوا في صحبة أصحاب الشيخ أي أهل طريقه كما لا تغفلوا على التحذر من الأعداء , أي أعداء سيدنا . وتلك وصية سيد الوجود صلى الله عليه وسلم لنا بواسطة شيخنا . وكذلك , وأنا العبد علي , فإني أعامل الناس , وأحباب سيدنا كما قال صلى الله عليه وسلم بالصفح عن مساويهم . ولا يزال قلبي منطويا على محبة أحباب سيدنا الشيخ إلا من ترك محبته رضي الله عنه وترك محبتنا , فإنا نمسك عليه من غير بغض فيه . ولهذا , قيل من عرف الله على الحقيقة , لم يلحقه هم . بل أهل الحق رضوان الله عنهم , يجدون للمرارات حلاوة ويتلذذون بها لأجل محبوبهم الأكبر جل وعلا , لكونها من اختياره . فهم يفرحون بجميع بما كان من عنده ضرا كان أو نفعا لأنهم مقبلون على الأشياء كلها بالله , لله , مع الله , لأجل اختيار الله عز وجل لها . ولذلك , كان الكل عندهم , نعمة ورحمة منه سبحانه وتعالى , كيفما كان ذلك , أي سواء من باب النفع أو باب الضر . وفي بعض الكتب المنزلة من عند الله : " يا عبدي تريد وأريد , ولا يكون إلا ما أريد , فاترك ما تريد وكن لي مع ما أريد , فإن فارقت ما تريد وسلمت لما أريد , كفيتك ما تريد وبلغتك لما تريد , وإن لم تترك ما تريد لما أريد , أتعبتك فيما تريد وعذبتك بما أريد لما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد " . انتهى
الرسالة الأولى
بعد حمد الله جلّ جلاله ، يصِلُ الكتاب إلى كافّة أحبابنا ، فقراء قمار من بلاد سوف حفظها الله من كل بأس ، وخوف ، وهمّ ، الأحبّ الأكرم المقدّم السيّد محمّد الساسي وجملة الأحباب ، كلّ واحد باسمه وعينه من غير تخصيص ، ذكورا وإناثا ، كبارا وصغارا . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ورضوانه ، وإكرامه ، وإبراره ، و إنعامه ، وإحسانه ، وإفضاله .
مِنْ سيّدنا وشيخنا ، قطب الأقطاب ، أبي العبّاس مولانا أحمد بن محمّد التجاني ، سقانا الله وإيّاكم من فيض بحاره بأعظم الأواني ، آمين .
وبعد ، نسأل الله جلّتْ عظمته ، وعزّتْ قدرته ، أن ينظر فيكم بعين الرضا والمحبة ، وأن يتولاّكم بعنايته ، وأن يحفظكم بلطفه ، وأن يكتبكم في ديوان أهل محبّته دنيا وأخرى ، إنّه على ما يشاء قدير ، وبالإجابة جدير . وقد بلغنا ما صنعتم من معروف ، وما أنتم عليه من المحبّة و المودّة وحسن العهد . فنسأل الله أن يُتِمّ لكم ما رمّمتموه من خيرات الدنيا والآخرة ، وأن يزيدكم من فضله . والمؤكّد به عليكم المحافظة على مراعاة شروط طريقتكم التي دخلتم فيها ، من تأدية الورد والوظيفة على ما سمعتم ، وتركِ أوراد الغير من الأشياخ رأسا ، وعدم زيارة الأولياء مع مراعاة حرمتهم . فمن داوم على هذا يحصل له ما سمعتم من الخيرات ، من عظيم الثواب ، وكثرة تضاعف الحسنات في الحياة وبعد الممات . وإيّاكم ومخالطة أهل الإنتقاد على القدوة ، الحذر الحذر ، فإنها الداء العضال ، وفساد قلب من خالطهم مجرّب وإن كان لا يشعر حتى يتمكّن . فإنْ تمكّن لم يقدر على الخلاص والرجوع لِمَا كان عليه أوّلا من المحبّة ، وسبب ذلك لمخالفة الشيخ ، لأنّه رضي الله عنه حذّر أصحابه كثيرا فيما مضى . فمن وقع في مخالفته خرج من طريقته إلاّ أنْ يتوب ، نسأل الله أن يحفظكم وإيّانا من صحبة المبغضين من الآن إلى الإستقرار في عليّين ، آمين . والحمد لله رب العالمين ، والسلام عليكم ، مِنْ مُحِبّكم محمّد بن المشري كاتب الحروف عن إذن سيّدنا رضي الله عنه .
وإن سألتم عن سيّدنا ، فهو بخير وعافية ، لله الحمد ، وله المِنّة ، في نفسه وأولاده وأهله ، وأمَرَني أن نكتب لكم ولجميع الفقراء .
وإنّ مَنْ عنده نخلة لسيّدنا ، فليترك ثمرها عند جزازه ، كثيرا أو قليلا ، ثم يخزنه المقدّم حتى نأمره بعد هذا بما يصنع ، وأمرني سيّدنا بالإقامة بعين ماضي حتى يَقْدم علينا في بداية الخريف إن شاء الله بنفسه إنْ يسّر الله له القدوم ، وإنْ سألتم عنّا فنحن بخير ولله الحمد ، والسلام .
في رابع جمادى الثانية عام 1221 هـ ( الموافق لـ يوم الإثنين 18 أوت 1806 م )
الرسالة الثانية
بعد حمد الله جلّ جلاله ، وعزّ كبرياؤه ، وتعالى عزّه ، وتقدّس مجده وكرمه ، يَصِل الكتاب إلى كافّة الأحباب بقمار ، كلّ واحد باسمه وعينه . السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ، وبعد :
فقد بلغَنَا ما سألتم عنه من شأن الورد ، والوظيفة ، والذكر يوم الجمعة ، و الجواب :
إنّ الأمر في هذه الطريقة بَيِّنُ السلوك لِمَن وفّقه الله هيّن ، فإنّها حنيفية سمحة ، وذلك لِخِفَّةِ ما يُطلب مِن الذكر ، وسعة الوقت في الورد .
فورد آخر النهار من صلاة العصر إلى وقت العشاء ، كلّ ذلك وقتٌ مختار ، ومَن فاته ذلك لشغل ، أو مرض ، أو نحوه ، فليتداركه في أيّ وقت أمكنه من الليل .
وورد أوّل النهار ، ووقته المختار بعد صلاة الصبح ويمتدّ إلى وقت الضحى الأعلى ، ومَن شغَلَه عذر صحيح فليتداركه في أيّ وقت من النهار .
وأمّا الوظيفة ، فمَرّة واحدة بين اليوم و الليلة أيّ وقت أمكن الإجتماع فيه إذا كان في المحل جماعة ، و أما الواحد فبأيّ وقت شاء . والإجتماع لها في الجماعة شرط صحّة ، ولا بدّ منه لأهل البلد ، فإن تركوها رأسا بحيث لا يجتمعون أصلا فقد خالفوا وخرجوا عن الطريقة ، وأمّا تخلّف البعض منهم ، فمَن تخلّف لعذر مِن غير قصدٍ للتخلّف فهو كمَنْ حضر ، ويذكرها وحده ، ومَن تخلّف بغير عذر فقد ضيّع نفسه في خيرٍ كثيرٍ لا حدّ له ولا حصر ، ولو عرفه أكابر العارفين وقدروا عليه لما تركوه .
ومثلها في هذا من أحكام الإجتماع ، التخلّف عن الذكر بعد صلاة العصر مِن يوم الجمعة ، أقَلُّه ساعة فلكية .
وأمّا الكلام في الورد والوظيفة ، فكثرته مبطلة ، ومَن صدر منه فليتدارك الذكر من أوله ، وأمّا الكلمة و الكلمتان لعارض موجب فغير مبطل ، والترك أولى .
وأمّا ورد الصبح ، فمَن قدّمه قبل طلوع الفجر ، اغتناما لتلك الساعة ، يجزي ، ومَن طلع عليه الفجر فلا يذكره إلاّ بعد صلاة الصبح .
وأمّا مَن عجز عن حفظ جوهرة الكمال ، فليذكر عشرين مرّة من صلاة الفاتح لما أغلق ، والسلام .
الرسالة الثالثة
الحمد لله ، مِنَ الإمام الهمام ، نجل الكرام ، قدوة الأنام ، وحجّة الإسلام ، العارف بالله ، أبي العبّاس سيّدنا ومولانا أحمد بن محمّد بن سالم التجاني ، الشريف الحسني ، إلى كافّة أحبابنا وأهل مودتنا ، فقراء قمار عموما وخصوصا . السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وتحيّاته ورضوانه ما تقابل العدم بالملكية ، فإنّي أحمد الله إليكم الذي لا إله إلاّ هو .
أما بعد ، فإنّي أستوهب لكم من الله عزّ وجلّ أن يجعلكم في كفايته وكفالته ، وكلأته ووقايته ، وولايته وهدايته ، وعنايته ورعايته ، وحياطته وحراسته ، وخيارته وعزّته ، ومنعته وذمّته ، وهو المستعان وعليه التكلان . وأوصي المقدّم أن يعظ الفقراء ، ويذكّرهم وينصحهم ، ويعود مريضهم ، ويشهد جنائزهم ، ويحفظ عافيهم ، ويسعى في قضاء حوائجهم ، وأنْ يحمل أذاهم ، ويشكر محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم ، ويسعى كلّ السعي في مرضاتهم ، وإصلاح ذات بينهم ، والتأليف لقلوبهم ، وأن لا يرى لنفسه حظّا عليهم ، وأن يعظ جاهلهم ، وأن يذكّر ناسيهم ، وأن ينبّه غافلهم ، وأن لا يشحّ عليهم بشيء ممّا هو في يده .
وأوصي الفقراء أن يتأدّبوا له ، ويعظّموه ، ويحترموه ، ويطيعوه فيما يأمرهم به ، وينهاهم عنه ، وأن يخدموه ، فهو وكيل الشيخ .
وأوصيكم بتقوى الله في السرّ والعلانية ، والرجوع إلى الله في كل قاصية ودانية ، واتّباع السنّة في الأقوال والأفعال ، والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار ، والرضا عن الله في الكثير والقليل ، والجليل والحقير . وحكّموا السنّة على أقوالكم وأفعالكم ، وخطراتكم وسكناتكم ، ولا تتحرّكوا إلاّ ولله فيها نصيب . وأنهاكم عن القيل والقال ، ومخالطة الأراذل ومَن لا خلاق له ، وعمّروا أوقاتكم فيما يعنيكم في عقباتكم ، وتحمدون غبّه في آخرتكم . وأوصيكم بمراعاة أوقاتكم ، والمداومة على أورادكم ، والمراقبة لبارئكم ، والشهداء عليه فيكم ، واقتداره عليكم ، في جميع أحوالكم . وأوصيكم بالتردّد ، والتحبّب ، والتزاور فيما بينكم ، واجعلوا الألفة ربح تجارتكم فإنه صلى الله عليه وسلم يقول ، وهو الصادق والمصدّق : لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أو كما قال عليه السلام . وحافظوا على صلواتكم ، وطيّبوا أوقاتكم ، وصحّحوا معاملتكم ، وتناصحوا ، وتصافحوا ، وتشاوروا ، وتزاوروا ، وتطاعموا ، وتآمروا ، وتناصروا ، وارعوا الحرمة فيما بينكم قياما بحق الآخرة ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وسلّم .
ويسلّم عليكم كاتبه ، عن إذن سيّدنا رضي الله عنه ، أحمد بن عبد السلام الفيلالي ، خديم الحضرة التيجانية ، والسلام .
رسالة الإمام التماسيني رضي الله عنه إلى أهل سوف .
بعد سطر الإفتتاح : "... من كاتبه إليكم العبد الفقير إلى الله علي بن الحاج عيسى خديم التجاني . وبعد نسأل الله عز وجل أن يفيض عليكم بحور المعارف والأسرار وأن يجعل لكم وقفة دايمة في حضرة الله تعالى من أكابر وقفات العارفين الصديقين بجميع أحوالها وأحكامها ومقتضياتها ولوازمها في الدنيا والآخرة . يليه أن الذي أعلمكم به , هونوا عليكم الشأن فإن أمر الله سبحانه في خلقه من ضر ونفع هو منه تعالى , فلا دافع لأمر الله ولا تفيد فيه حيلة . فسلموا الأمر لله فيما يريده سبحانه بخلقه ولا تتعبوا أنفسكم بمعاناته . فليس ينبغي لنا إلا الصبر الجميل . وأما ما يحصل لنفوسكم من الضيق بسبب اختلاف أحوال الناس مطلقا , أي سواء كانوا من أصحاب سيدنا الشيخ أصلا مما هم فيه من كثرة الفتن والتواء الأمور , فإن ذلك هو مراد الله سبحانه منهم . فأريحوا قلوبكم من أمور الناس فما صفا لكم فتمتعوا , وما اضطرب عليكم من أمورهم , فاضربوا به صفحا . فإن مراد الحق جل جلاله في مخلوقاته , هو ما ترونه فيهم . فما ثم قدرة لأحد على دفع أمر الله فيما يريده في خلقه . وإياكم أن تزهدوا في صحبة أصحاب الشيخ أي أهل طريقه كما لا تغفلوا على التحذر من الأعداء , أي أعداء سيدنا . وتلك وصية سيد الوجود صلى الله عليه وسلم لنا بواسطة شيخنا . وكذلك , وأنا العبد علي , فإني أعامل الناس , وأحباب سيدنا كما قال صلى الله عليه وسلم بالصفح عن مساويهم . ولا يزال قلبي منطويا على محبة أحباب سيدنا الشيخ إلا من ترك محبته رضي الله عنه وترك محبتنا , فإنا نمسك عليه من غير بغض فيه . ولهذا , قيل من عرف الله على الحقيقة , لم يلحقه هم . بل أهل الحق رضوان الله عنهم , يجدون للمرارات حلاوة ويتلذذون بها لأجل محبوبهم الأكبر جل وعلا , لكونها من اختياره . فهم يفرحون بجميع بما كان من عنده ضرا كان أو نفعا لأنهم مقبلون على الأشياء كلها بالله , لله , مع الله , لأجل اختيار الله عز وجل لها . ولذلك , كان الكل عندهم , نعمة ورحمة منه سبحانه وتعالى , كيفما كان ذلك , أي سواء من باب النفع أو باب الضر . وفي بعض الكتب المنزلة من عند الله : " يا عبدي تريد وأريد , ولا يكون إلا ما أريد , فاترك ما تريد وكن لي مع ما أريد , فإن فارقت ما تريد وسلمت لما أريد , كفيتك ما تريد وبلغتك لما تريد , وإن لم تترك ما تريد لما أريد , أتعبتك فيما تريد وعذبتك بما أريد لما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد " . انتهى
الرسالة الأولى
بعد حمد الله جلّ جلاله ، يصِلُ الكتاب إلى كافّة أحبابنا ، فقراء قمار من بلاد سوف حفظها الله من كل بأس ، وخوف ، وهمّ ، الأحبّ الأكرم المقدّم السيّد محمّد الساسي وجملة الأحباب ، كلّ واحد باسمه وعينه من غير تخصيص ، ذكورا وإناثا ، كبارا وصغارا . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ورضوانه ، وإكرامه ، وإبراره ، و إنعامه ، وإحسانه ، وإفضاله .
مِنْ سيّدنا وشيخنا ، قطب الأقطاب ، أبي العبّاس مولانا أحمد بن محمّد التجاني ، سقانا الله وإيّاكم من فيض بحاره بأعظم الأواني ، آمين .
وبعد ، نسأل الله جلّتْ عظمته ، وعزّتْ قدرته ، أن ينظر فيكم بعين الرضا والمحبة ، وأن يتولاّكم بعنايته ، وأن يحفظكم بلطفه ، وأن يكتبكم في ديوان أهل محبّته دنيا وأخرى ، إنّه على ما يشاء قدير ، وبالإجابة جدير . وقد بلغنا ما صنعتم من معروف ، وما أنتم عليه من المحبّة و المودّة وحسن العهد . فنسأل الله أن يُتِمّ لكم ما رمّمتموه من خيرات الدنيا والآخرة ، وأن يزيدكم من فضله . والمؤكّد به عليكم المحافظة على مراعاة شروط طريقتكم التي دخلتم فيها ، من تأدية الورد والوظيفة على ما سمعتم ، وتركِ أوراد الغير من الأشياخ رأسا ، وعدم زيارة الأولياء مع مراعاة حرمتهم . فمن داوم على هذا يحصل له ما سمعتم من الخيرات ، من عظيم الثواب ، وكثرة تضاعف الحسنات في الحياة وبعد الممات . وإيّاكم ومخالطة أهل الإنتقاد على القدوة ، الحذر الحذر ، فإنها الداء العضال ، وفساد قلب من خالطهم مجرّب وإن كان لا يشعر حتى يتمكّن . فإنْ تمكّن لم يقدر على الخلاص والرجوع لِمَا كان عليه أوّلا من المحبّة ، وسبب ذلك لمخالفة الشيخ ، لأنّه رضي الله عنه حذّر أصحابه كثيرا فيما مضى . فمن وقع في مخالفته خرج من طريقته إلاّ أنْ يتوب ، نسأل الله أن يحفظكم وإيّانا من صحبة المبغضين من الآن إلى الإستقرار في عليّين ، آمين . والحمد لله رب العالمين ، والسلام عليكم ، مِنْ مُحِبّكم محمّد بن المشري كاتب الحروف عن إذن سيّدنا رضي الله عنه .
وإن سألتم عن سيّدنا ، فهو بخير وعافية ، لله الحمد ، وله المِنّة ، في نفسه وأولاده وأهله ، وأمَرَني أن نكتب لكم ولجميع الفقراء .
وإنّ مَنْ عنده نخلة لسيّدنا ، فليترك ثمرها عند جزازه ، كثيرا أو قليلا ، ثم يخزنه المقدّم حتى نأمره بعد هذا بما يصنع ، وأمرني سيّدنا بالإقامة بعين ماضي حتى يَقْدم علينا في بداية الخريف إن شاء الله بنفسه إنْ يسّر الله له القدوم ، وإنْ سألتم عنّا فنحن بخير ولله الحمد ، والسلام .
في رابع جمادى الثانية عام 1221 هـ ( الموافق لـ يوم الإثنين 18 أوت 1806 م )
الرسالة الثانية
بعد حمد الله جلّ جلاله ، وعزّ كبرياؤه ، وتعالى عزّه ، وتقدّس مجده وكرمه ، يَصِل الكتاب إلى كافّة الأحباب بقمار ، كلّ واحد باسمه وعينه . السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ، وبعد :
فقد بلغَنَا ما سألتم عنه من شأن الورد ، والوظيفة ، والذكر يوم الجمعة ، و الجواب :
إنّ الأمر في هذه الطريقة بَيِّنُ السلوك لِمَن وفّقه الله هيّن ، فإنّها حنيفية سمحة ، وذلك لِخِفَّةِ ما يُطلب مِن الذكر ، وسعة الوقت في الورد .
فورد آخر النهار من صلاة العصر إلى وقت العشاء ، كلّ ذلك وقتٌ مختار ، ومَن فاته ذلك لشغل ، أو مرض ، أو نحوه ، فليتداركه في أيّ وقت أمكنه من الليل .
وورد أوّل النهار ، ووقته المختار بعد صلاة الصبح ويمتدّ إلى وقت الضحى الأعلى ، ومَن شغَلَه عذر صحيح فليتداركه في أيّ وقت من النهار .
وأمّا الوظيفة ، فمَرّة واحدة بين اليوم و الليلة أيّ وقت أمكن الإجتماع فيه إذا كان في المحل جماعة ، و أما الواحد فبأيّ وقت شاء . والإجتماع لها في الجماعة شرط صحّة ، ولا بدّ منه لأهل البلد ، فإن تركوها رأسا بحيث لا يجتمعون أصلا فقد خالفوا وخرجوا عن الطريقة ، وأمّا تخلّف البعض منهم ، فمَن تخلّف لعذر مِن غير قصدٍ للتخلّف فهو كمَنْ حضر ، ويذكرها وحده ، ومَن تخلّف بغير عذر فقد ضيّع نفسه في خيرٍ كثيرٍ لا حدّ له ولا حصر ، ولو عرفه أكابر العارفين وقدروا عليه لما تركوه .
ومثلها في هذا من أحكام الإجتماع ، التخلّف عن الذكر بعد صلاة العصر مِن يوم الجمعة ، أقَلُّه ساعة فلكية .
وأمّا الكلام في الورد والوظيفة ، فكثرته مبطلة ، ومَن صدر منه فليتدارك الذكر من أوله ، وأمّا الكلمة و الكلمتان لعارض موجب فغير مبطل ، والترك أولى .
وأمّا ورد الصبح ، فمَن قدّمه قبل طلوع الفجر ، اغتناما لتلك الساعة ، يجزي ، ومَن طلع عليه الفجر فلا يذكره إلاّ بعد صلاة الصبح .
وأمّا مَن عجز عن حفظ جوهرة الكمال ، فليذكر عشرين مرّة من صلاة الفاتح لما أغلق ، والسلام .
الرسالة الثالثة
الحمد لله ، مِنَ الإمام الهمام ، نجل الكرام ، قدوة الأنام ، وحجّة الإسلام ، العارف بالله ، أبي العبّاس سيّدنا ومولانا أحمد بن محمّد بن سالم التجاني ، الشريف الحسني ، إلى كافّة أحبابنا وأهل مودتنا ، فقراء قمار عموما وخصوصا . السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وتحيّاته ورضوانه ما تقابل العدم بالملكية ، فإنّي أحمد الله إليكم الذي لا إله إلاّ هو .
أما بعد ، فإنّي أستوهب لكم من الله عزّ وجلّ أن يجعلكم في كفايته وكفالته ، وكلأته ووقايته ، وولايته وهدايته ، وعنايته ورعايته ، وحياطته وحراسته ، وخيارته وعزّته ، ومنعته وذمّته ، وهو المستعان وعليه التكلان . وأوصي المقدّم أن يعظ الفقراء ، ويذكّرهم وينصحهم ، ويعود مريضهم ، ويشهد جنائزهم ، ويحفظ عافيهم ، ويسعى في قضاء حوائجهم ، وأنْ يحمل أذاهم ، ويشكر محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم ، ويسعى كلّ السعي في مرضاتهم ، وإصلاح ذات بينهم ، والتأليف لقلوبهم ، وأن لا يرى لنفسه حظّا عليهم ، وأن يعظ جاهلهم ، وأن يذكّر ناسيهم ، وأن ينبّه غافلهم ، وأن لا يشحّ عليهم بشيء ممّا هو في يده .
وأوصي الفقراء أن يتأدّبوا له ، ويعظّموه ، ويحترموه ، ويطيعوه فيما يأمرهم به ، وينهاهم عنه ، وأن يخدموه ، فهو وكيل الشيخ .
وأوصيكم بتقوى الله في السرّ والعلانية ، والرجوع إلى الله في كل قاصية ودانية ، واتّباع السنّة في الأقوال والأفعال ، والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار ، والرضا عن الله في الكثير والقليل ، والجليل والحقير . وحكّموا السنّة على أقوالكم وأفعالكم ، وخطراتكم وسكناتكم ، ولا تتحرّكوا إلاّ ولله فيها نصيب . وأنهاكم عن القيل والقال ، ومخالطة الأراذل ومَن لا خلاق له ، وعمّروا أوقاتكم فيما يعنيكم في عقباتكم ، وتحمدون غبّه في آخرتكم . وأوصيكم بمراعاة أوقاتكم ، والمداومة على أورادكم ، والمراقبة لبارئكم ، والشهداء عليه فيكم ، واقتداره عليكم ، في جميع أحوالكم . وأوصيكم بالتردّد ، والتحبّب ، والتزاور فيما بينكم ، واجعلوا الألفة ربح تجارتكم فإنه صلى الله عليه وسلم يقول ، وهو الصادق والمصدّق : لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أو كما قال عليه السلام . وحافظوا على صلواتكم ، وطيّبوا أوقاتكم ، وصحّحوا معاملتكم ، وتناصحوا ، وتصافحوا ، وتشاوروا ، وتزاوروا ، وتطاعموا ، وتآمروا ، وتناصروا ، وارعوا الحرمة فيما بينكم قياما بحق الآخرة ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وسلّم .
ويسلّم عليكم كاتبه ، عن إذن سيّدنا رضي الله عنه ، أحمد بن عبد السلام الفيلالي ، خديم الحضرة التيجانية ، والسلام .
رسالة الإمام التماسيني رضي الله عنه إلى أهل سوف .
بعد سطر الإفتتاح : "... من كاتبه إليكم العبد الفقير إلى الله علي بن الحاج عيسى خديم التجاني . وبعد نسأل الله عز وجل أن يفيض عليكم بحور المعارف والأسرار وأن يجعل لكم وقفة دايمة في حضرة الله تعالى من أكابر وقفات العارفين الصديقين بجميع أحوالها وأحكامها ومقتضياتها ولوازمها في الدنيا والآخرة . يليه أن الذي أعلمكم به , هونوا عليكم الشأن فإن أمر الله سبحانه في خلقه من ضر ونفع هو منه تعالى , فلا دافع لأمر الله ولا تفيد فيه حيلة . فسلموا الأمر لله فيما يريده سبحانه بخلقه ولا تتعبوا أنفسكم بمعاناته . فليس ينبغي لنا إلا الصبر الجميل . وأما ما يحصل لنفوسكم من الضيق بسبب اختلاف أحوال الناس مطلقا , أي سواء كانوا من أصحاب سيدنا الشيخ أصلا مما هم فيه من كثرة الفتن والتواء الأمور , فإن ذلك هو مراد الله سبحانه منهم . فأريحوا قلوبكم من أمور الناس فما صفا لكم فتمتعوا , وما اضطرب عليكم من أمورهم , فاضربوا به صفحا . فإن مراد الحق جل جلاله في مخلوقاته , هو ما ترونه فيهم . فما ثم قدرة لأحد على دفع أمر الله فيما يريده في خلقه . وإياكم أن تزهدوا في صحبة أصحاب الشيخ أي أهل طريقه كما لا تغفلوا على التحذر من الأعداء , أي أعداء سيدنا . وتلك وصية سيد الوجود صلى الله عليه وسلم لنا بواسطة شيخنا . وكذلك , وأنا العبد علي , فإني أعامل الناس , وأحباب سيدنا كما قال صلى الله عليه وسلم بالصفح عن مساويهم . ولا يزال قلبي منطويا على محبة أحباب سيدنا الشيخ إلا من ترك محبته رضي الله عنه وترك محبتنا , فإنا نمسك عليه من غير بغض فيه . ولهذا , قيل من عرف الله على الحقيقة , لم يلحقه هم . بل أهل الحق رضوان الله عنهم , يجدون للمرارات حلاوة ويتلذذون بها لأجل محبوبهم الأكبر جل وعلا , لكونها من اختياره . فهم يفرحون بجميع بما كان من عنده ضرا كان أو نفعا لأنهم مقبلون على الأشياء كلها بالله , لله , مع الله , لأجل اختيار الله عز وجل لها . ولذلك , كان الكل عندهم , نعمة ورحمة منه سبحانه وتعالى , كيفما كان ذلك , أي سواء من باب النفع أو باب الضر . وفي بعض الكتب المنزلة من عند الله : " يا عبدي تريد وأريد , ولا يكون إلا ما أريد , فاترك ما تريد وكن لي مع ما أريد , فإن فارقت ما تريد وسلمت لما أريد , كفيتك ما تريد وبلغتك لما تريد , وإن لم تترك ما تريد لما أريد , أتعبتك فيما تريد وعذبتك بما أريد لما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد " . انتهى
الرسالة الأولى
بعد حمد الله جلّ جلاله ، يصِلُ الكتاب إلى كافّة أحبابنا ، فقراء قمار من بلاد سوف حفظها الله من كل بأس ، وخوف ، وهمّ ، الأحبّ الأكرم المقدّم السيّد محمّد الساسي وجملة الأحباب ، كلّ واحد باسمه وعينه من غير تخصيص ، ذكورا وإناثا ، كبارا وصغارا . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ورضوانه ، وإكرامه ، وإبراره ، و إنعامه ، وإحسانه ، وإفضاله .
مِنْ سيّدنا وشيخنا ، قطب الأقطاب ، أبي العبّاس مولانا أحمد بن محمّد التجاني ، سقانا الله وإيّاكم من فيض بحاره بأعظم الأواني ، آمين .
وبعد ، نسأل الله جلّتْ عظمته ، وعزّتْ قدرته ، أن ينظر فيكم بعين الرضا والمحبة ، وأن يتولاّكم بعنايته ، وأن يحفظكم بلطفه ، وأن يكتبكم في ديوان أهل محبّته دنيا وأخرى ، إنّه على ما يشاء قدير ، وبالإجابة جدير . وقد بلغنا ما صنعتم من معروف ، وما أنتم عليه من المحبّة و المودّة وحسن العهد . فنسأل الله أن يُتِمّ لكم ما رمّمتموه من خيرات الدنيا والآخرة ، وأن يزيدكم من فضله . والمؤكّد به عليكم المحافظة على مراعاة شروط طريقتكم التي دخلتم فيها ، من تأدية الورد والوظيفة على ما سمعتم ، وتركِ أوراد الغير من الأشياخ رأسا ، وعدم زيارة الأولياء مع مراعاة حرمتهم . فمن داوم على هذا يحصل له ما سمعتم من الخيرات ، من عظيم الثواب ، وكثرة تضاعف الحسنات في الحياة وبعد الممات . وإيّاكم ومخالطة أهل الإنتقاد على القدوة ، الحذر الحذر ، فإنها الداء العضال ، وفساد قلب من خالطهم مجرّب وإن كان لا يشعر حتى يتمكّن . فإنْ تمكّن لم يقدر على الخلاص والرجوع لِمَا كان عليه أوّلا من المحبّة ، وسبب ذلك لمخالفة الشيخ ، لأنّه رضي الله عنه حذّر أصحابه كثيرا فيما مضى . فمن وقع في مخالفته خرج من طريقته إلاّ أنْ يتوب ، نسأل الله أن يحفظكم وإيّانا من صحبة المبغضين من الآن إلى الإستقرار في عليّين ، آمين . والحمد لله رب العالمين ، والسلام عليكم ، مِنْ مُحِبّكم محمّد بن المشري كاتب الحروف عن إذن سيّدنا رضي الله عنه .
وإن سألتم عن سيّدنا ، فهو بخير وعافية ، لله الحمد ، وله المِنّة ، في نفسه وأولاده وأهله ، وأمَرَني أن نكتب لكم ولجميع الفقراء .
وإنّ مَنْ عنده نخلة لسيّدنا ، فليترك ثمرها عند جزازه ، كثيرا أو قليلا ، ثم يخزنه المقدّم حتى نأمره بعد هذا بما يصنع ، وأمرني سيّدنا بالإقامة بعين ماضي حتى يَقْدم علينا في بداية الخريف إن شاء الله بنفسه إنْ يسّر الله له القدوم ، وإنْ سألتم عنّا فنحن بخير ولله الحمد ، والسلام .
في رابع جمادى الثانية عام 1221 هـ ( الموافق لـ يوم الإثنين 18 أوت 1806 م )
الرسالة الثانية
بعد حمد الله جلّ جلاله ، وعزّ كبرياؤه ، وتعالى عزّه ، وتقدّس مجده وكرمه ، يَصِل الكتاب إلى كافّة الأحباب بقمار ، كلّ واحد باسمه وعينه . السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ، وبعد :
فقد بلغَنَا ما سألتم عنه من شأن الورد ، والوظيفة ، والذكر يوم الجمعة ، و الجواب :
إنّ الأمر في هذه الطريقة بَيِّنُ السلوك لِمَن وفّقه الله هيّن ، فإنّها حنيفية سمحة ، وذلك لِخِفَّةِ ما يُطلب مِن الذكر ، وسعة الوقت في الورد .
فورد آخر النهار من صلاة العصر إلى وقت العشاء ، كلّ ذلك وقتٌ مختار ، ومَن فاته ذلك لشغل ، أو مرض ، أو نحوه ، فليتداركه في أيّ وقت أمكنه من الليل .
وورد أوّل النهار ، ووقته المختار بعد صلاة الصبح ويمتدّ إلى وقت الضحى الأعلى ، ومَن شغَلَه عذر صحيح فليتداركه في أيّ وقت من النهار .
وأمّا الوظيفة ، فمَرّة واحدة بين اليوم و الليلة أيّ وقت أمكن الإجتماع فيه إذا كان في المحل جماعة ، و أما الواحد فبأيّ وقت شاء . والإجتماع لها في الجماعة شرط صحّة ، ولا بدّ منه لأهل البلد ، فإن تركوها رأسا بحيث لا يجتمعون أصلا فقد خالفوا وخرجوا عن الطريقة ، وأمّا تخلّف البعض منهم ، فمَن تخلّف لعذر مِن غير قصدٍ للتخلّف فهو كمَنْ حضر ، ويذكرها وحده ، ومَن تخلّف بغير عذر فقد ضيّع نفسه في خيرٍ كثيرٍ لا حدّ له ولا حصر ، ولو عرفه أكابر العارفين وقدروا عليه لما تركوه .
ومثلها في هذا من أحكام الإجتماع ، التخلّف عن الذكر بعد صلاة العصر مِن يوم الجمعة ، أقَلُّه ساعة فلكية .
وأمّا الكلام في الورد والوظيفة ، فكثرته مبطلة ، ومَن صدر منه فليتدارك الذكر من أوله ، وأمّا الكلمة و الكلمتان لعارض موجب فغير مبطل ، والترك أولى .
وأمّا ورد الصبح ، فمَن قدّمه قبل طلوع الفجر ، اغتناما لتلك الساعة ، يجزي ، ومَن طلع عليه الفجر فلا يذكره إلاّ بعد صلاة الصبح .
وأمّا مَن عجز عن حفظ جوهرة الكمال ، فليذكر عشرين مرّة من صلاة الفاتح لما أغلق ، والسلام .
الرسالة الثالثة
الحمد لله ، مِنَ الإمام الهمام ، نجل الكرام ، قدوة الأنام ، وحجّة الإسلام ، العارف بالله ، أبي العبّاس سيّدنا ومولانا أحمد بن محمّد بن سالم التجاني ، الشريف الحسني ، إلى كافّة أحبابنا وأهل مودتنا ، فقراء قمار عموما وخصوصا . السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وتحيّاته ورضوانه ما تقابل العدم بالملكية ، فإنّي أحمد الله إليكم الذي لا إله إلاّ هو .
أما بعد ، فإنّي أستوهب لكم من الله عزّ وجلّ أن يجعلكم في كفايته وكفالته ، وكلأته ووقايته ، وولايته وهدايته ، وعنايته ورعايته ، وحياطته وحراسته ، وخيارته وعزّته ، ومنعته وذمّته ، وهو المستعان وعليه التكلان . وأوصي المقدّم أن يعظ الفقراء ، ويذكّرهم وينصحهم ، ويعود مريضهم ، ويشهد جنائزهم ، ويحفظ عافيهم ، ويسعى في قضاء حوائجهم ، وأنْ يحمل أذاهم ، ويشكر محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم ، ويسعى كلّ السعي في مرضاتهم ، وإصلاح ذات بينهم ، والتأليف لقلوبهم ، وأن لا يرى لنفسه حظّا عليهم ، وأن يعظ جاهلهم ، وأن يذكّر ناسيهم ، وأن ينبّه غافلهم ، وأن لا يشحّ عليهم بشيء ممّا هو في يده .
وأوصي الفقراء أن يتأدّبوا له ، ويعظّموه ، ويحترموه ، ويطيعوه فيما يأمرهم به ، وينهاهم عنه ، وأن يخدموه ، فهو وكيل الشيخ .
وأوصيكم بتقوى الله في السرّ والعلانية ، والرجوع إلى الله في كل قاصية ودانية ، واتّباع السنّة في الأقوال والأفعال ، والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار ، والرضا عن الله في الكثير والقليل ، والجليل والحقير . وحكّموا السنّة على أقوالكم وأفعالكم ، وخطراتكم وسكناتكم ، ولا تتحرّكوا إلاّ ولله فيها نصيب . وأنهاكم عن القيل والقال ، ومخالطة الأراذل ومَن لا خلاق له ، وعمّروا أوقاتكم فيما يعنيكم في عقباتكم ، وتحمدون غبّه في آخرتكم . وأوصيكم بمراعاة أوقاتكم ، والمداومة على أورادكم ، والمراقبة لبارئكم ، والشهداء عليه فيكم ، واقتداره عليكم ، في جميع أحوالكم . وأوصيكم بالتردّد ، والتحبّب ، والتزاور فيما بينكم ، واجعلوا الألفة ربح تجارتكم فإنه صلى الله عليه وسلم يقول ، وهو الصادق والمصدّق : لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أو كما قال عليه السلام . وحافظوا على صلواتكم ، وطيّبوا أوقاتكم ، وصحّحوا معاملتكم ، وتناصحوا ، وتصافحوا ، وتشاوروا ، وتزاوروا ، وتطاعموا ، وتآمروا ، وتناصروا ، وارعوا الحرمة فيما بينكم قياما بحق الآخرة ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وسلّم .
ويسلّم عليكم كاتبه ، عن إذن سيّدنا رضي الله عنه ، أحمد بن عبد السلام الفيلالي ، خديم الحضرة التيجانية ، والسلام .
رسالة الإمام التماسيني رضي الله عنه إلى أهل سوف .
بعد سطر الإفتتاح : "... من كاتبه إليكم العبد الفقير إلى الله علي بن الحاج عيسى خديم التجاني . وبعد نسأل الله عز وجل أن يفيض عليكم بحور المعارف والأسرار وأن يجعل لكم وقفة دايمة في حضرة الله تعالى من أكابر وقفات العارفين الصديقين بجميع أحوالها وأحكامها ومقتضياتها ولوازمها في الدنيا والآخرة . يليه أن الذي أعلمكم به , هونوا عليكم الشأن فإن أمر الله سبحانه في خلقه من ضر ونفع هو منه تعالى , فلا دافع لأمر الله ولا تفيد فيه حيلة . فسلموا الأمر لله فيما يريده سبحانه بخلقه ولا تتعبوا أنفسكم بمعاناته . فليس ينبغي لنا إلا الصبر الجميل . وأما ما يحصل لنفوسكم من الضيق بسبب اختلاف أحوال الناس مطلقا , أي سواء كانوا من أصحاب سيدنا الشيخ أصلا مما هم فيه من كثرة الفتن والتواء الأمور , فإن ذلك هو مراد الله سبحانه منهم . فأريحوا قلوبكم من أمور الناس فما صفا لكم فتمتعوا , وما اضطرب عليكم من أمورهم , فاضربوا به صفحا . فإن مراد الحق جل جلاله في مخلوقاته , هو ما ترونه فيهم . فما ثم قدرة لأحد على دفع أمر الله فيما يريده في خلقه . وإياكم أن تزهدوا في صحبة أصحاب الشيخ أي أهل طريقه كما لا تغفلوا على التحذر من الأعداء , أي أعداء سيدنا . وتلك وصية سيد الوجود صلى الله عليه وسلم لنا بواسطة شيخنا . وكذلك , وأنا العبد علي , فإني أعامل الناس , وأحباب سيدنا كما قال صلى الله عليه وسلم بالصفح عن مساويهم . ولا يزال قلبي منطويا على محبة أحباب سيدنا الشيخ إلا من ترك محبته رضي الله عنه وترك محبتنا , فإنا نمسك عليه من غير بغض فيه . ولهذا , قيل من عرف الله على الحقيقة , لم يلحقه هم . بل أهل الحق رضوان الله عنهم , يجدون للمرارات حلاوة ويتلذذون بها لأجل محبوبهم الأكبر جل وعلا , لكونها من اختياره . فهم يفرحون بجميع بما كان من عنده ضرا كان أو نفعا لأنهم مقبلون على الأشياء كلها بالله , لله , مع الله , لأجل اختيار الله عز وجل لها . ولذلك , كان الكل عندهم , نعمة ورحمة منه سبحانه وتعالى , كيفما كان ذلك , أي سواء من باب النفع أو باب الضر . وفي بعض الكتب المنزلة من عند الله : " يا عبدي تريد وأريد , ولا يكون إلا ما أريد , فاترك ما تريد وكن لي مع ما أريد , فإن فارقت ما تريد وسلمت لما أريد , كفيتك ما تريد وبلغتك لما تريد , وإن لم تترك ما تريد لما أريد , أتعبتك فيما تريد وعذبتك بما أريد لما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد " . انتهى
العـدد الثاني : رسائل الشيخ سيدي الحاج علي التماسيني وخلفائه رضي الله عنهم إلى أهل تونس
رسائل الإمام التماسيني وخلفائه رضي الله عنهم في توطيد أواصر الأخوة والمحبّة بيـن الشعبيـن الشقيقيـن الجزائري والتونسي .
أوت 2007
مقدّمة معِدّ الرسائل

الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد آله وصحبه وسلم تسليما .
لقد ساهمت الطريقة التجانية في ربط العلاقات بين الشعوب والدول ، ومن ذلك ما حصل من ترابط وثيق بين الشعبين الشقيقين الجزائري والتونسي ، الذي برز منذ ظهور الطريقة على يد الشيخ الأكبر سيدي أحمد التجاني ثم استمر في خلافة سيدي الحاج علي التماسيني حيث أرسل سيدي الطاهر بن عبد الصادق سفيرا ونائبا له في القطر التونسي ، هذا الأخير هو الذي وطدّ روابط الأخوة والمحبة بين علماء وملوك تونس من جهة والإمام التماسيني وخلفائه الميامين من جهة أخرى .
كما لا ننسى الزيارة التاريخية التي قام بها شيخ الإسلام سيدي إبراهيم الرياحي إلى زاوية تماسين سنة 1822 ، والإقبال الذي حُظِيَ به من قِبَلِ الإمام التماسيني . وبعد هذه الزيارة صرّح الإمام الرياحي قائلا: " إنّ الإمام التماسيني وضع يده على صدري أولا فحصلتُ على خير الدنيا ووضعها ثانيا فوجدتُ خير الدنيا والأخرى " ، فجادت قريحته بالأبيات التالية:
إذا ما وضعتَ الأرض في فلك العلا    ونزّلتَ سكـانَ  السمـا  بحبال
وسقـتَ شمـالَ الدار نحـو يمينها    و أهـل  يمين في مكان  شمال
و طـوّعتَ من أقطـارها كل جانب    وبينـتَ  منها ما  بـدا  بجمال
فأنتَ حكيـم الوقت صـاحب سـرّه    فدونـك  أقفـال بلغـز مقـال
وفي آخر حياته قام سيدي إبراهيم الرياحي باحتفال باهر ومأدبة فاخرة، ولما سئل عن ذلك أجاب: " جميع ما وعدني به الإمام التماسيني حصل لي والحمد لله .
ومما تجدر الإشارة له في هذه العجالة ، ذكر مواقف ملوك الدولة التونسية في استقبال خلفاء الإمام التماسيني عند أدائهم مناسك الحج وذلك في سنوات 1845، 1854، 1856، 1859، 1866، 1883 و1885، والتي كانت فرصة للقاء بين الخلفاء وعلماء تونس منهم : سيدي إبراهيم الرياحي، سيدي مُحمد النيفر، سيدي صالح النيفر، العلامة محمد بيرم، العلامة محمد الشريف، سيدي علي بلقاسم، سيدي محمد الرياحي، سيدي حمدة شوشان، سيدي إبراهيم معلا، سيدي إبراهيم السوداني، سيدي حمودة الجلولي الخ...
وهذه نماذج من رسائل الخليفة الأعظم سيدي الحاج علي اتماسيني وخلفائه للقطر التونسي إرساءً لأواصر المحبة والأخوة بين الشعبين الشقيقين، منقولة من مخطوطات العلامة الحجوجي الفاسي وبعض كنانيش رجال الطريقة بمنطقة سوف.


رسالة الإمام التماسيني رضي الله عنه (1)
الحمد لله وحده لا شريك له بحمد لله جل جلاله يصل الكتاب إلى سيدنا الحاج علي بن سليمان الشريف الحسني ، وأما قولك على تونس فإني قابلته صلى الله عليه وسلم وطلبته أن يضمنها لي صلى الله عليه وسلم فضمنها لي ضمانة لا تنقطع فهي مسمية عليّ هي وسكانها لا مدخل إلى أحد فيها بالاستحقاق . عليك بهذا الدعاء المبارك وهو أن تقوم نصف الليل وتتوضأ وضوءا جديدا وتصلي ركعتين وتسلم فإذا فرغت فارفع إلى الله الدعاء وقل: يا عالم الغيب ... وتتم بعد ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبع مرات اهـ


رسائل الخليفة الشيخ سيدي محمد العيد الأول

الرسالة الأولى (2)
الحمد لله ، وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله . فمن سيدنا الأسنى ، وذخيرتنا الحسنى ، محبّ الأحباب الحقّاني ، أبي عبد الله الشيخ سيدنا محمد العيد بن الحاج علي التجاني ، إلى كافة الأحباب الصادقين ، عموما وخصوصا ، كل منهم باسمه ، وخصوصا الأجَلّ السيد الحاج إبراهيم التجاني نجل السوداني ، والفاضل سيدي إبراهيم معلى ، أمّنهما الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : فإني أحمد إليكم الله الذي جلّت أياديه ، ولا يفلح محاربه ومعاديه ، نسأله لنا ولكم العافية ودوامها ، والنعمة وتمامها ، بمنّه وكرمه ، وقد ورد علينا مصدوركم الأعزّ ، مبشرا بسلامتكم التي هي عندنا من أقصى المراد ، ومنبّئا على ما أنتم عليه من رسوخ القدم في خالص المحبة وصادق الوداد ، فحمدنا الله تعالى لكم على ما أولاكم وخصّكم به من برّه وامتنانه ، وسألناه لكم المزيد من سوابغ نعمه بمحض فضله وكرمه وإحسانه ، الذي منّ علينا وعليكم بهذه الطريقة الأحمدية الإبراهيمية الحنيفية التجانية ، في هذا الزمان ، لمّا فسد الأوان ، ومدّ الزمان لها يد الحدثان ، وكثر الفساد والحرمان . أوصيكم وإيّاي بتقوى الله العظيم ، في السر والعلانية ، والتمسك بهذه الطريقة المحمدية والتحفظ عليها ، ومن مجالسة المبغضين والمنكرين السفهاء ، لأنه قال الشيخ رضي الله عنه : إنّه سمّ يسري، يضل صحبه في خسر، حتى قال: لا تصلِّ خلف منكر الخ من باب أحرى مجالستهم ، وأصلحوا ذات بينكم ، ولا تباغضوا ولا تنازعوا وكونوا إخوانا ، ولا تؤذوا بعضكم بعضا ، لأنّ ذلك من أعظم الكبائر عند أهل هذه الطريقة ، لِما نهانا عنه سيّد البشر ، لأنه إذاية له صلى الله عليه وسلم ولشيخنا رضي الله عنه ، واقرءوا على الأحباب هذه الرسالة ، ويقف كل أحد منهم عند ما حدّ له ، ومن لم يقف عند ما حدّ له فلا يلوم إلا نفسه ، وقولوا لمحبنا سيدي أحمد شوشان يدم على عهده ، وصادق حبه ،لأنه مقدم من المقدمين ، ويحمد الله ويشكره ، ومن لم يشكر الله فقد تعرض لزاول النعمة ..... فإن مقاديم الطريقة التجانية شتى في مشارق الأرض ومغاربها والسودان والشنجيط ، إلاّ أنّ لكل واحد منهم أرض يتصرف فيها ، وأما أرض افريقية حرسها الله بعينه التي لا تنام كان ضَمَنَها والدنا وحُسِبتْ عليه ظاهرا وباطنا ، ونحن على أثره مقتفين فلا يتصرف فيها غيرنا ، لاسيما في هذه الدولة الحسينية ، فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر ... والأمر لله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .



الرسالة الثانية (3)
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وسلم.
بعد حمد الله جلّ جلاله ، وعزّ كماله ، وتعالى مجده وكرمه ، يَصِلُ الكتاب إلى الأحبّ الأكمل ، الصدوق الأفضل ، من نرجو له مراتب الكمال ، ومبلغ الرجال ، سيدي علي بن بلقاسم الرزقي وكافة من يلوذ به ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أما بعد :
فإني أحمد إليكم الذي لا اله إلا هو ، والذي هو ذو بال أنّ سيدنا أمرني أن أخبركم بأمر بديع ، قوي شنيع ، لا يكاد ردّه ، ولا يأتي ضدّه ، وذلك ثمرة الفؤاد ، وسدّ عين الرقاد ، مولانا سيدي محمد الحبيب بن مولانا التجاني انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم . لقد تقطعت الأكباد مصيبته ورزيته ، وجلّ عن الصبر ، فالله يعظم أجرنا وأجركم ، ويحسن عزاءنا وعزاءكم . إلا أنّنا نسلّي النفوس ، ولأنه لا بدّ من اللحوق ، وأنّ محلّه الذي سار إليه هو المحلّ الأصلي الذي إليه المرجع ، كما منه البدء والمنبع ، أصلح الله لنا ولكم الأحوال ، ووقاكم جميع الأهوال ، والأمر لله ولا حول ولا قوة إلا بالله . . .
من مولانا سيدي محمد العيد بن مولانا سيدي علي رضي الله عنهما وعنا بهما عن إذنه .
رسالة الشيخ سيدي محمد الصغير إلى سيدي علي بن بلقاسم الرزقي (4)
الحمد لله وحده ، وصلّى الله على سيّدنا ومولانا محمّد وسلّم . عرّف الله محبّنا ومحبوبنا أسرار يواقيت جواهر الفتوحات ، وألهمه إدراك علوم جواهر المعاني وما فيه من البركات ، وحقّقه بدقائق منية المريد ، وأحاطه بغوامض حجّة الله البالغة بما فيها من القول السديد ، وأذاقه سرّ مواقع النجوم ولواقح الأنوار ، وملّّكه سوابغ درر العلوم وما لها من التعظيم والإكبار ، وفتح له من بحور الفاتح لما أغلق ما يستغني به عن سائر الأذكار ، أعني الجليل الذي لم يشغله عن ذكر الله شاغل ، المتشبث بما ينفعه من أعظم الوسائل ، الهمام النافع ، الكهف المانع ، الأمير المشير ، القائم بأمر الله ، أبو الحسن سيّدنا علي أدام الله سروره ، ووقايته وحبوره ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ورضوانه وتحياته . أما بعد ، فإنّ الذاكر سيّدي محمّد نجل صنونا سيّدنا محمّد العيد تأهّب للحج وصُحْبته بعض ذرية الشيخ ، ورام المرور بأيالتكم ، فوافقْنا على حسب العادة ، وفّق الله الجميع ، ودمتم في أمان وعافية ، والسلام من الداعي لكم بالخير الشيخ سيدي محمد الصغير بن أبو الحسن الحسني سيّدي الحاج علي التجاني ، كان الله له .
في 25 رجب الفرد سنة 1304 .


رسائل علامة أفريقيا سيدي إبراهيم الرياحي إلى سيدي الطاهر بن عبد الصادق القماري .
الرسالة الأولى
ألا قل لسكان  وادي العقيـق    هنيئا لكم في الجنان الخلود
أفيضوا علينا من الماء فيضا    فنحن عطـاش وأنتم  ورود
لو كانت لي قوة أسافر إليك ما بقيت في ألم الحيرة ، أفلا تعطيني حق محبتي لك وصحة اعتقادي فيك يا من إذا تذكرته انشرح صدري وكبر طمعي ، وأنت تعرف من زمان شدة عطشي ، وما حصل لي الإذن فيما علمت إلا على يديك ، لكن وراء ذلك تحيرت حيرة شديدة في كيفية الذكر وكيفية التصرف بها ، فقد حصل لي القلق العظيم ، إرحمني بما يشفي علّتي ويبرّد غلّتي ، على وجه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وعلى وجه الشيخ سيدي أحمد ، ووجه الشيخ سيدي الحاج علي ، وأعظم من ذلك أن تتوجه لي في رؤية وجه النبي صلى الله عليه وسلم بسهولة ،...هل يستوي الأعمى والبصير ، أم هل تستوي الظلمات والنور .
والمرجو من فضلك الجواب عاجلا ، فقد خلق الإنسان من عجل ، والسلام من المتعلق بأذيالكم ، إبراهيم بن عبد القادر الرياحي .
أواسط ذي الحجة الحرام عام 1260 هـ .
الرسالة الثانية
بحمد الله جلّ جلاله وعزّ كبرياؤه ، يَصِل الكتاب إلى حبيب الأحباب ، سيدي الطاهر بن عبد الصادق ، الذي طابق اسمه مسمّاه ، وكشف له الزمن عن معماه ، السلام عليكم ورحمة الله ، وبعد :
فالقلب إليكم شائق ، والحبّ في جنابكم العليّ الصادق ، ومورد الطمع في فضلكم رائق ، والبعد عنكم عائق وأي عائق ، لكنه وإن كان فاتقا فخلّكم الكريم راتق لذلك الفاتق ، هذا وحالنا كما لا يخفى عليكم في غمّة الجهل والضمأ من كثافة الحجاب ، والشوق إلى ما يبرئ من العلة ، ويبرّد الغلّة ، علما وعملا ، والخوف التام من الموت دون نيل شيء من ما نلت أنت وغيرك ممّا به صار الإنسان رجلا . نَعَمْ ، ما تقول إذا سألك الله عن تعلّقي بك وإلغائك لي ؟ فإن قلتَ إني لست أهلا لذلك فنعم ، لكنّك أنت تقول في كتبك التي ترسلها لي: " إلى سيدي ومولاي شيخ العارفين ، خليفة قطب الواصلين ، نخبة الصالحين ، العارف ا لكامل ، القدوة الواصل " ، وخذ لك من هذه الأوصاف التي أنا خليّ عنها . وإن قلتَ إني أهل أو لست بأهل ، ولكن غطّى كرمُك عدم تأهّلي ، فلِمَ لا توفي لنا بوعدك ، حتى وعدك الذي وعدتني في العام الماضي وأنا معانقك صدري على صدرك ، وقلبي على قلبك ، ويداي محضنة لك تحضينا شديدا ، وفي حالة الضم أقول وأنا في حالة غير معهودة: يا سيدي أحمد ، يا سيدي الحاج علي ، وأنا في نهاية الفرح والسرور بذلك ، ثم قلتَ لي : " نمشي إلى موضع نقعد أنا وأنت فيه وحدنا ، وإذا الباب دقّ في البيت الذي أنا نائم فيه ، فلما دقّ الباب استيقظتُ في حالة حسنة ، فحمدتُ الله على ذلك ، ورجوتُ لذلك خيرا ، والسلام التام والإكرام من مُحِبِّكم الراجي ، وليلكم الداجي ، إبراهيم بن عبد القادر الرياحي ، ومن أولاده الطيب وعلي ، وسائر الأحباب عموما، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
رسالة سيدي محمد الرياحي إلى أبناء سيدي الحاج علي التماسيني
الحمد لله ، وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم . إلى سادتنا الأجلاّء الفضلاء ، الكمّل الأزكياء الأتقياء ، الفقهاء النجباء ، السيّد حميدة والسيد معمر والسيد الأخضر ، أبناء سيدنا وشيخنا القطب خليفة سيدنا وشيخنا ومن منّته وفضله على رقابنا ، الغوث الجامع أبي العباس سيدنا أحمد التجاني القطب المكتوم ، ومَن مقامه بين أكابر الأولياء معلوم أبي الحسن سيدنا الحاج علي التماسيني ، أقدم إليكم بين يديكم إهداء سلام من السلام إلى أهل السلام ، يعطّر شذاه ناديكم ، ويبوء نشره بين أيديكم ، يليق بمقامكم العالي ، ويروّح نوره روضكم المتوالي ، من كافة أحبابكم ، وخَدَمَةِ جنابكم ، أهل الطريقة التجانية الاحمدية من أهل المدينة بالحضرة التونسية ، دفع الله عنها كل أزمة وبليّة ، بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، وكل ولي وتقي وتقيّة ، آمين .
أما بعد ، جعل الله مَقْدَمَكم مَقْدَمَ خير وبركة ، وتفريج كرب ، وزوال محن وشدة على قطرنا ومصرنا ، نرجو ذلك من فضل الله تعالى ، ومن بركات رجال هذا الطريق السعيد ، اللهم حقّق ذلك وأتْمِمْهُ لنا من فضلك .
وقد هيّأناا لكم منزلا رحْبا في وسط المدينة يليق بالمقام ، بحيث أن المسجد الجامع بقربكم ، ولا يشقّ عليكم شيئا تريدوه ، لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وهمّة أسيادنا وزاويتكم التجانية الإبراهيمية التي أسست من أول يوم على تقوى من الله تعالى ...... والنظر الأعلى لكم ، والسلام الأكمل مِن مُحِبّكم ، وخديم جنابكم ، المتطفّل على أعتابكم ، الفقير إلى ربّه الباري ، عبده محمد بن محمد ستاري ، والشيخ الأكمل الفاضل الحسيني السيد محمود محسن ، والسيد محمد بن الشيخ سيدي إبراهيم الرياحي ، وكاتب الحروف محمد ستاري ، أصلح الله أحوالنا ، وبلّغ من الخير آمالنا ، آمين .
وكتب يوم الأحد 12 من رجب الاصب سنة 1270 سبعين ومئتين وألف .


  1. هذه الرسالة يُسميها إخواننا التونسيون بالضمانة ، وهي منقولة من خط المقدم محمد الامزالي الرباطي الذي نقلها من خط المقدم سيدي علي شوشان .
  2. هذه الرسالة بخط أخيه الشيخ سيدي أمعمر .
  3. هذه الرسالة بخط أخيه الشيخ سيدي محمد الصغير .
  4. هذه الرسالة بخط كاتب الشيخ سيدي محمد الصغير.
رسائل الإمام التماسيني وخلفائه رضي الله عنهم في توطيد أواصر الأخوة والمحبّة بيـن الشعبيـن الشقيقيـن الجزائري والتونسي .
أوت 2007
مقدّمة معِدّ الرسائل

الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد آله وصحبه وسلم تسليما .
لقد ساهمت الطريقة التجانية في ربط العلاقات بين الشعوب والدول ، ومن ذلك ما حصل من ترابط وثيق بين الشعبين الشقيقين الجزائري والتونسي ، الذي برز منذ ظهور الطريقة على يد الشيخ الأكبر سيدي أحمد التجاني ثم استمر في خلافة سيدي الحاج علي التماسيني حيث أرسل سيدي الطاهر بن عبد الصادق سفيرا ونائبا له في القطر التونسي ، هذا الأخير هو الذي وطدّ روابط الأخوة والمحبة بين علماء وملوك تونس من جهة والإمام التماسيني وخلفائه الميامين من جهة أخرى .
كما لا ننسى الزيارة التاريخية التي قام بها شيخ الإسلام سيدي إبراهيم الرياحي إلى زاوية تماسين سنة 1822 ، والإقبال الذي حُظِيَ به من قِبَلِ الإمام التماسيني . وبعد هذه الزيارة صرّح الإمام الرياحي قائلا: " إنّ الإمام التماسيني وضع يده على صدري أولا فحصلتُ على خير الدنيا ووضعها ثانيا فوجدتُ خير الدنيا والأخرى " ، فجادت قريحته بالأبيات التالية:
إذا ما وضعتَ الأرض في فلك العلا    ونزّلتَ سكـانَ  السمـا  بحبال
وسقـتَ شمـالَ الدار نحـو يمينها    و أهـل  يمين في مكان  شمال
و طـوّعتَ من أقطـارها كل جانب    وبينـتَ  منها ما  بـدا  بجمال
فأنتَ حكيـم الوقت صـاحب سـرّه    فدونـك  أقفـال بلغـز مقـال
وفي آخر حياته قام سيدي إبراهيم الرياحي باحتفال باهر ومأدبة فاخرة، ولما سئل عن ذلك أجاب: " جميع ما وعدني به الإمام التماسيني حصل لي والحمد لله .
ومما تجدر الإشارة له في هذه العجالة ، ذكر مواقف ملوك الدولة التونسية في استقبال خلفاء الإمام التماسيني عند أدائهم مناسك الحج وذلك في سنوات 1845، 1854، 1856، 1859، 1866، 1883 و1885، والتي كانت فرصة للقاء بين الخلفاء وعلماء تونس منهم : سيدي إبراهيم الرياحي، سيدي مُحمد النيفر، سيدي صالح النيفر، العلامة محمد بيرم، العلامة محمد الشريف، سيدي علي بلقاسم، سيدي محمد الرياحي، سيدي حمدة شوشان، سيدي إبراهيم معلا، سيدي إبراهيم السوداني، سيدي حمودة الجلولي الخ...
وهذه نماذج من رسائل الخليفة الأعظم سيدي الحاج علي اتماسيني وخلفائه للقطر التونسي إرساءً لأواصر المحبة والأخوة بين الشعبين الشقيقين، منقولة من مخطوطات العلامة الحجوجي الفاسي وبعض كنانيش رجال الطريقة بمنطقة سوف.


رسالة الإمام التماسيني رضي الله عنه (1)
الحمد لله وحده لا شريك له بحمد لله جل جلاله يصل الكتاب إلى سيدنا الحاج علي بن سليمان الشريف الحسني ، وأما قولك على تونس فإني قابلته صلى الله عليه وسلم وطلبته أن يضمنها لي صلى الله عليه وسلم فضمنها لي ضمانة لا تنقطع فهي مسمية عليّ هي وسكانها لا مدخل إلى أحد فيها بالاستحقاق . عليك بهذا الدعاء المبارك وهو أن تقوم نصف الليل وتتوضأ وضوءا جديدا وتصلي ركعتين وتسلم فإذا فرغت فارفع إلى الله الدعاء وقل: يا عالم الغيب ... وتتم بعد ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبع مرات اهـ


رسائل الخليفة الشيخ سيدي محمد العيد الأول

الرسالة الأولى (2)
الحمد لله ، وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله . فمن سيدنا الأسنى ، وذخيرتنا الحسنى ، محبّ الأحباب الحقّاني ، أبي عبد الله الشيخ سيدنا محمد العيد بن الحاج علي التجاني ، إلى كافة الأحباب الصادقين ، عموما وخصوصا ، كل منهم باسمه ، وخصوصا الأجَلّ السيد الحاج إبراهيم التجاني نجل السوداني ، والفاضل سيدي إبراهيم معلى ، أمّنهما الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : فإني أحمد إليكم الله الذي جلّت أياديه ، ولا يفلح محاربه ومعاديه ، نسأله لنا ولكم العافية ودوامها ، والنعمة وتمامها ، بمنّه وكرمه ، وقد ورد علينا مصدوركم الأعزّ ، مبشرا بسلامتكم التي هي عندنا من أقصى المراد ، ومنبّئا على ما أنتم عليه من رسوخ القدم في خالص المحبة وصادق الوداد ، فحمدنا الله تعالى لكم على ما أولاكم وخصّكم به من برّه وامتنانه ، وسألناه لكم المزيد من سوابغ نعمه بمحض فضله وكرمه وإحسانه ، الذي منّ علينا وعليكم بهذه الطريقة الأحمدية الإبراهيمية الحنيفية التجانية ، في هذا الزمان ، لمّا فسد الأوان ، ومدّ الزمان لها يد الحدثان ، وكثر الفساد والحرمان . أوصيكم وإيّاي بتقوى الله العظيم ، في السر والعلانية ، والتمسك بهذه الطريقة المحمدية والتحفظ عليها ، ومن مجالسة المبغضين والمنكرين السفهاء ، لأنه قال الشيخ رضي الله عنه : إنّه سمّ يسري، يضل صحبه في خسر، حتى قال: لا تصلِّ خلف منكر الخ من باب أحرى مجالستهم ، وأصلحوا ذات بينكم ، ولا تباغضوا ولا تنازعوا وكونوا إخوانا ، ولا تؤذوا بعضكم بعضا ، لأنّ ذلك من أعظم الكبائر عند أهل هذه الطريقة ، لِما نهانا عنه سيّد البشر ، لأنه إذاية له صلى الله عليه وسلم ولشيخنا رضي الله عنه ، واقرءوا على الأحباب هذه الرسالة ، ويقف كل أحد منهم عند ما حدّ له ، ومن لم يقف عند ما حدّ له فلا يلوم إلا نفسه ، وقولوا لمحبنا سيدي أحمد شوشان يدم على عهده ، وصادق حبه ،لأنه مقدم من المقدمين ، ويحمد الله ويشكره ، ومن لم يشكر الله فقد تعرض لزاول النعمة ..... فإن مقاديم الطريقة التجانية شتى في مشارق الأرض ومغاربها والسودان والشنجيط ، إلاّ أنّ لكل واحد منهم أرض يتصرف فيها ، وأما أرض افريقية حرسها الله بعينه التي لا تنام كان ضَمَنَها والدنا وحُسِبتْ عليه ظاهرا وباطنا ، ونحن على أثره مقتفين فلا يتصرف فيها غيرنا ، لاسيما في هذه الدولة الحسينية ، فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر ... والأمر لله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .



الرسالة الثانية (3)
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وسلم.
بعد حمد الله جلّ جلاله ، وعزّ كماله ، وتعالى مجده وكرمه ، يَصِلُ الكتاب إلى الأحبّ الأكمل ، الصدوق الأفضل ، من نرجو له مراتب الكمال ، ومبلغ الرجال ، سيدي علي بن بلقاسم الرزقي وكافة من يلوذ به ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أما بعد :
فإني أحمد إليكم الذي لا اله إلا هو ، والذي هو ذو بال أنّ سيدنا أمرني أن أخبركم بأمر بديع ، قوي شنيع ، لا يكاد ردّه ، ولا يأتي ضدّه ، وذلك ثمرة الفؤاد ، وسدّ عين الرقاد ، مولانا سيدي محمد الحبيب بن مولانا التجاني انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم . لقد تقطعت الأكباد مصيبته ورزيته ، وجلّ عن الصبر ، فالله يعظم أجرنا وأجركم ، ويحسن عزاءنا وعزاءكم . إلا أنّنا نسلّي النفوس ، ولأنه لا بدّ من اللحوق ، وأنّ محلّه الذي سار إليه هو المحلّ الأصلي الذي إليه المرجع ، كما منه البدء والمنبع ، أصلح الله لنا ولكم الأحوال ، ووقاكم جميع الأهوال ، والأمر لله ولا حول ولا قوة إلا بالله . . .
من مولانا سيدي محمد العيد بن مولانا سيدي علي رضي الله عنهما وعنا بهما عن إذنه .
رسالة الشيخ سيدي محمد الصغير إلى سيدي علي بن بلقاسم الرزقي (4)
الحمد لله وحده ، وصلّى الله على سيّدنا ومولانا محمّد وسلّم . عرّف الله محبّنا ومحبوبنا أسرار يواقيت جواهر الفتوحات ، وألهمه إدراك علوم جواهر المعاني وما فيه من البركات ، وحقّقه بدقائق منية المريد ، وأحاطه بغوامض حجّة الله البالغة بما فيها من القول السديد ، وأذاقه سرّ مواقع النجوم ولواقح الأنوار ، وملّّكه سوابغ درر العلوم وما لها من التعظيم والإكبار ، وفتح له من بحور الفاتح لما أغلق ما يستغني به عن سائر الأذكار ، أعني الجليل الذي لم يشغله عن ذكر الله شاغل ، المتشبث بما ينفعه من أعظم الوسائل ، الهمام النافع ، الكهف المانع ، الأمير المشير ، القائم بأمر الله ، أبو الحسن سيّدنا علي أدام الله سروره ، ووقايته وحبوره ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ورضوانه وتحياته . أما بعد ، فإنّ الذاكر سيّدي محمّد نجل صنونا سيّدنا محمّد العيد تأهّب للحج وصُحْبته بعض ذرية الشيخ ، ورام المرور بأيالتكم ، فوافقْنا على حسب العادة ، وفّق الله الجميع ، ودمتم في أمان وعافية ، والسلام من الداعي لكم بالخير الشيخ سيدي محمد الصغير بن أبو الحسن الحسني سيّدي الحاج علي التجاني ، كان الله له .
في 25 رجب الفرد سنة 1304 .


رسائل علامة أفريقيا سيدي إبراهيم الرياحي إلى سيدي الطاهر بن عبد الصادق القماري .
الرسالة الأولى
ألا قل لسكان  وادي العقيـق    هنيئا لكم في الجنان الخلود
أفيضوا علينا من الماء فيضا    فنحن عطـاش وأنتم  ورود
لو كانت لي قوة أسافر إليك ما بقيت في ألم الحيرة ، أفلا تعطيني حق محبتي لك وصحة اعتقادي فيك يا من إذا تذكرته انشرح صدري وكبر طمعي ، وأنت تعرف من زمان شدة عطشي ، وما حصل لي الإذن فيما علمت إلا على يديك ، لكن وراء ذلك تحيرت حيرة شديدة في كيفية الذكر وكيفية التصرف بها ، فقد حصل لي القلق العظيم ، إرحمني بما يشفي علّتي ويبرّد غلّتي ، على وجه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وعلى وجه الشيخ سيدي أحمد ، ووجه الشيخ سيدي الحاج علي ، وأعظم من ذلك أن تتوجه لي في رؤية وجه النبي صلى الله عليه وسلم بسهولة ،...هل يستوي الأعمى والبصير ، أم هل تستوي الظلمات والنور .
والمرجو من فضلك الجواب عاجلا ، فقد خلق الإنسان من عجل ، والسلام من المتعلق بأذيالكم ، إبراهيم بن عبد القادر الرياحي .
أواسط ذي الحجة الحرام عام 1260 هـ .
الرسالة الثانية
بحمد الله جلّ جلاله وعزّ كبرياؤه ، يَصِل الكتاب إلى حبيب الأحباب ، سيدي الطاهر بن عبد الصادق ، الذي طابق اسمه مسمّاه ، وكشف له الزمن عن معماه ، السلام عليكم ورحمة الله ، وبعد :
فالقلب إليكم شائق ، والحبّ في جنابكم العليّ الصادق ، ومورد الطمع في فضلكم رائق ، والبعد عنكم عائق وأي عائق ، لكنه وإن كان فاتقا فخلّكم الكريم راتق لذلك الفاتق ، هذا وحالنا كما لا يخفى عليكم في غمّة الجهل والضمأ من كثافة الحجاب ، والشوق إلى ما يبرئ من العلة ، ويبرّد الغلّة ، علما وعملا ، والخوف التام من الموت دون نيل شيء من ما نلت أنت وغيرك ممّا به صار الإنسان رجلا . نَعَمْ ، ما تقول إذا سألك الله عن تعلّقي بك وإلغائك لي ؟ فإن قلتَ إني لست أهلا لذلك فنعم ، لكنّك أنت تقول في كتبك التي ترسلها لي: " إلى سيدي ومولاي شيخ العارفين ، خليفة قطب الواصلين ، نخبة الصالحين ، العارف ا لكامل ، القدوة الواصل " ، وخذ لك من هذه الأوصاف التي أنا خليّ عنها . وإن قلتَ إني أهل أو لست بأهل ، ولكن غطّى كرمُك عدم تأهّلي ، فلِمَ لا توفي لنا بوعدك ، حتى وعدك الذي وعدتني في العام الماضي وأنا معانقك صدري على صدرك ، وقلبي على قلبك ، ويداي محضنة لك تحضينا شديدا ، وفي حالة الضم أقول وأنا في حالة غير معهودة: يا سيدي أحمد ، يا سيدي الحاج علي ، وأنا في نهاية الفرح والسرور بذلك ، ثم قلتَ لي : " نمشي إلى موضع نقعد أنا وأنت فيه وحدنا ، وإذا الباب دقّ في البيت الذي أنا نائم فيه ، فلما دقّ الباب استيقظتُ في حالة حسنة ، فحمدتُ الله على ذلك ، ورجوتُ لذلك خيرا ، والسلام التام والإكرام من مُحِبِّكم الراجي ، وليلكم الداجي ، إبراهيم بن عبد القادر الرياحي ، ومن أولاده الطيب وعلي ، وسائر الأحباب عموما، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
رسالة سيدي محمد الرياحي إلى أبناء سيدي الحاج علي التماسيني
الحمد لله ، وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم . إلى سادتنا الأجلاّء الفضلاء ، الكمّل الأزكياء الأتقياء ، الفقهاء النجباء ، السيّد حميدة والسيد معمر والسيد الأخضر ، أبناء سيدنا وشيخنا القطب خليفة سيدنا وشيخنا ومن منّته وفضله على رقابنا ، الغوث الجامع أبي العباس سيدنا أحمد التجاني القطب المكتوم ، ومَن مقامه بين أكابر الأولياء معلوم أبي الحسن سيدنا الحاج علي التماسيني ، أقدم إليكم بين يديكم إهداء سلام من السلام إلى أهل السلام ، يعطّر شذاه ناديكم ، ويبوء نشره بين أيديكم ، يليق بمقامكم العالي ، ويروّح نوره روضكم المتوالي ، من كافة أحبابكم ، وخَدَمَةِ جنابكم ، أهل الطريقة التجانية الاحمدية من أهل المدينة بالحضرة التونسية ، دفع الله عنها كل أزمة وبليّة ، بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، وكل ولي وتقي وتقيّة ، آمين .
أما بعد ، جعل الله مَقْدَمَكم مَقْدَمَ خير وبركة ، وتفريج كرب ، وزوال محن وشدة على قطرنا ومصرنا ، نرجو ذلك من فضل الله تعالى ، ومن بركات رجال هذا الطريق السعيد ، اللهم حقّق ذلك وأتْمِمْهُ لنا من فضلك .
وقد هيّأناا لكم منزلا رحْبا في وسط المدينة يليق بالمقام ، بحيث أن المسجد الجامع بقربكم ، ولا يشقّ عليكم شيئا تريدوه ، لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وهمّة أسيادنا وزاويتكم التجانية الإبراهيمية التي أسست من أول يوم على تقوى من الله تعالى ...... والنظر الأعلى لكم ، والسلام الأكمل مِن مُحِبّكم ، وخديم جنابكم ، المتطفّل على أعتابكم ، الفقير إلى ربّه الباري ، عبده محمد بن محمد ستاري ، والشيخ الأكمل الفاضل الحسيني السيد محمود محسن ، والسيد محمد بن الشيخ سيدي إبراهيم الرياحي ، وكاتب الحروف محمد ستاري ، أصلح الله أحوالنا ، وبلّغ من الخير آمالنا ، آمين .
وكتب يوم الأحد 12 من رجب الاصب سنة 1270 سبعين ومئتين وألف .


  1. هذه الرسالة يُسميها إخواننا التونسيون بالضمانة ، وهي منقولة من خط المقدم محمد الامزالي الرباطي الذي نقلها من خط المقدم سيدي علي شوشان .
  2. هذه الرسالة بخط أخيه الشيخ سيدي أمعمر .
  3. هذه الرسالة بخط أخيه الشيخ سيدي محمد الصغير .
  4. هذه الرسالة بخط كاتب الشيخ سيدي محمد الصغير.
رسائل الإمام التماسيني وخلفائه رضي الله عنهم في توطيد أواصر الأخوة والمحبّة بيـن الشعبيـن الشقيقيـن الجزائري والتونسي .
أوت 2007
مقدّمة معِدّ الرسائل

الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد آله وصحبه وسلم تسليما .
لقد ساهمت الطريقة التجانية في ربط العلاقات بين الشعوب والدول ، ومن ذلك ما حصل من ترابط وثيق بين الشعبين الشقيقين الجزائري والتونسي ، الذي برز منذ ظهور الطريقة على يد الشيخ الأكبر سيدي أحمد التجاني ثم استمر في خلافة سيدي الحاج علي التماسيني حيث أرسل سيدي الطاهر بن عبد الصادق سفيرا ونائبا له في القطر التونسي ، هذا الأخير هو الذي وطدّ روابط الأخوة والمحبة بين علماء وملوك تونس من جهة والإمام التماسيني وخلفائه الميامين من جهة أخرى .
كما لا ننسى الزيارة التاريخية التي قام بها شيخ الإسلام سيدي إبراهيم الرياحي إلى زاوية تماسين سنة 1822 ، والإقبال الذي حُظِيَ به من قِبَلِ الإمام التماسيني . وبعد هذه الزيارة صرّح الإمام الرياحي قائلا: " إنّ الإمام التماسيني وضع يده على صدري أولا فحصلتُ على خير الدنيا ووضعها ثانيا فوجدتُ خير الدنيا والأخرى " ، فجادت قريحته بالأبيات التالية:
إذا ما وضعتَ الأرض في فلك العلا    ونزّلتَ سكـانَ  السمـا  بحبال
وسقـتَ شمـالَ الدار نحـو يمينها    و أهـل  يمين في مكان  شمال
و طـوّعتَ من أقطـارها كل جانب    وبينـتَ  منها ما  بـدا  بجمال
فأنتَ حكيـم الوقت صـاحب سـرّه    فدونـك  أقفـال بلغـز مقـال
وفي آخر حياته قام سيدي إبراهيم الرياحي باحتفال باهر ومأدبة فاخرة، ولما سئل عن ذلك أجاب: " جميع ما وعدني به الإمام التماسيني حصل لي والحمد لله .
ومما تجدر الإشارة له في هذه العجالة ، ذكر مواقف ملوك الدولة التونسية في استقبال خلفاء الإمام التماسيني عند أدائهم مناسك الحج وذلك في سنوات 1845، 1854، 1856، 1859، 1866، 1883 و1885، والتي كانت فرصة للقاء بين الخلفاء وعلماء تونس منهم : سيدي إبراهيم الرياحي، سيدي مُحمد النيفر، سيدي صالح النيفر، العلامة محمد بيرم، العلامة محمد الشريف، سيدي علي بلقاسم، سيدي محمد الرياحي، سيدي حمدة شوشان، سيدي إبراهيم معلا، سيدي إبراهيم السوداني، سيدي حمودة الجلولي الخ...
وهذه نماذج من رسائل الخليفة الأعظم سيدي الحاج علي اتماسيني وخلفائه للقطر التونسي إرساءً لأواصر المحبة والأخوة بين الشعبين الشقيقين، منقولة من مخطوطات العلامة الحجوجي الفاسي وبعض كنانيش رجال الطريقة بمنطقة سوف.


رسالة الإمام التماسيني رضي الله عنه (1)
الحمد لله وحده لا شريك له بحمد لله جل جلاله يصل الكتاب إلى سيدنا الحاج علي بن سليمان الشريف الحسني ، وأما قولك على تونس فإني قابلته صلى الله عليه وسلم وطلبته أن يضمنها لي صلى الله عليه وسلم فضمنها لي ضمانة لا تنقطع فهي مسمية عليّ هي وسكانها لا مدخل إلى أحد فيها بالاستحقاق . عليك بهذا الدعاء المبارك وهو أن تقوم نصف الليل وتتوضأ وضوءا جديدا وتصلي ركعتين وتسلم فإذا فرغت فارفع إلى الله الدعاء وقل: يا عالم الغيب ... وتتم بعد ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبع مرات اهـ


رسائل الخليفة الشيخ سيدي محمد العيد الأول

الرسالة الأولى (2)
الحمد لله ، وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله . فمن سيدنا الأسنى ، وذخيرتنا الحسنى ، محبّ الأحباب الحقّاني ، أبي عبد الله الشيخ سيدنا محمد العيد بن الحاج علي التجاني ، إلى كافة الأحباب الصادقين ، عموما وخصوصا ، كل منهم باسمه ، وخصوصا الأجَلّ السيد الحاج إبراهيم التجاني نجل السوداني ، والفاضل سيدي إبراهيم معلى ، أمّنهما الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : فإني أحمد إليكم الله الذي جلّت أياديه ، ولا يفلح محاربه ومعاديه ، نسأله لنا ولكم العافية ودوامها ، والنعمة وتمامها ، بمنّه وكرمه ، وقد ورد علينا مصدوركم الأعزّ ، مبشرا بسلامتكم التي هي عندنا من أقصى المراد ، ومنبّئا على ما أنتم عليه من رسوخ القدم في خالص المحبة وصادق الوداد ، فحمدنا الله تعالى لكم على ما أولاكم وخصّكم به من برّه وامتنانه ، وسألناه لكم المزيد من سوابغ نعمه بمحض فضله وكرمه وإحسانه ، الذي منّ علينا وعليكم بهذه الطريقة الأحمدية الإبراهيمية الحنيفية التجانية ، في هذا الزمان ، لمّا فسد الأوان ، ومدّ الزمان لها يد الحدثان ، وكثر الفساد والحرمان . أوصيكم وإيّاي بتقوى الله العظيم ، في السر والعلانية ، والتمسك بهذه الطريقة المحمدية والتحفظ عليها ، ومن مجالسة المبغضين والمنكرين السفهاء ، لأنه قال الشيخ رضي الله عنه : إنّه سمّ يسري، يضل صحبه في خسر، حتى قال: لا تصلِّ خلف منكر الخ من باب أحرى مجالستهم ، وأصلحوا ذات بينكم ، ولا تباغضوا ولا تنازعوا وكونوا إخوانا ، ولا تؤذوا بعضكم بعضا ، لأنّ ذلك من أعظم الكبائر عند أهل هذه الطريقة ، لِما نهانا عنه سيّد البشر ، لأنه إذاية له صلى الله عليه وسلم ولشيخنا رضي الله عنه ، واقرءوا على الأحباب هذه الرسالة ، ويقف كل أحد منهم عند ما حدّ له ، ومن لم يقف عند ما حدّ له فلا يلوم إلا نفسه ، وقولوا لمحبنا سيدي أحمد شوشان يدم على عهده ، وصادق حبه ،لأنه مقدم من المقدمين ، ويحمد الله ويشكره ، ومن لم يشكر الله فقد تعرض لزاول النعمة ..... فإن مقاديم الطريقة التجانية شتى في مشارق الأرض ومغاربها والسودان والشنجيط ، إلاّ أنّ لكل واحد منهم أرض يتصرف فيها ، وأما أرض افريقية حرسها الله بعينه التي لا تنام كان ضَمَنَها والدنا وحُسِبتْ عليه ظاهرا وباطنا ، ونحن على أثره مقتفين فلا يتصرف فيها غيرنا ، لاسيما في هذه الدولة الحسينية ، فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر ... والأمر لله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .



الرسالة الثانية (3)
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وسلم.
بعد حمد الله جلّ جلاله ، وعزّ كماله ، وتعالى مجده وكرمه ، يَصِلُ الكتاب إلى الأحبّ الأكمل ، الصدوق الأفضل ، من نرجو له مراتب الكمال ، ومبلغ الرجال ، سيدي علي بن بلقاسم الرزقي وكافة من يلوذ به ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أما بعد :
فإني أحمد إليكم الذي لا اله إلا هو ، والذي هو ذو بال أنّ سيدنا أمرني أن أخبركم بأمر بديع ، قوي شنيع ، لا يكاد ردّه ، ولا يأتي ضدّه ، وذلك ثمرة الفؤاد ، وسدّ عين الرقاد ، مولانا سيدي محمد الحبيب بن مولانا التجاني انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم . لقد تقطعت الأكباد مصيبته ورزيته ، وجلّ عن الصبر ، فالله يعظم أجرنا وأجركم ، ويحسن عزاءنا وعزاءكم . إلا أنّنا نسلّي النفوس ، ولأنه لا بدّ من اللحوق ، وأنّ محلّه الذي سار إليه هو المحلّ الأصلي الذي إليه المرجع ، كما منه البدء والمنبع ، أصلح الله لنا ولكم الأحوال ، ووقاكم جميع الأهوال ، والأمر لله ولا حول ولا قوة إلا بالله . . .
من مولانا سيدي محمد العيد بن مولانا سيدي علي رضي الله عنهما وعنا بهما عن إذنه .
رسالة الشيخ سيدي محمد الصغير إلى سيدي علي بن بلقاسم الرزقي (4)
الحمد لله وحده ، وصلّى الله على سيّدنا ومولانا محمّد وسلّم . عرّف الله محبّنا ومحبوبنا أسرار يواقيت جواهر الفتوحات ، وألهمه إدراك علوم جواهر المعاني وما فيه من البركات ، وحقّقه بدقائق منية المريد ، وأحاطه بغوامض حجّة الله البالغة بما فيها من القول السديد ، وأذاقه سرّ مواقع النجوم ولواقح الأنوار ، وملّّكه سوابغ درر العلوم وما لها من التعظيم والإكبار ، وفتح له من بحور الفاتح لما أغلق ما يستغني به عن سائر الأذكار ، أعني الجليل الذي لم يشغله عن ذكر الله شاغل ، المتشبث بما ينفعه من أعظم الوسائل ، الهمام النافع ، الكهف المانع ، الأمير المشير ، القائم بأمر الله ، أبو الحسن سيّدنا علي أدام الله سروره ، ووقايته وحبوره ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ورضوانه وتحياته . أما بعد ، فإنّ الذاكر سيّدي محمّد نجل صنونا سيّدنا محمّد العيد تأهّب للحج وصُحْبته بعض ذرية الشيخ ، ورام المرور بأيالتكم ، فوافقْنا على حسب العادة ، وفّق الله الجميع ، ودمتم في أمان وعافية ، والسلام من الداعي لكم بالخير الشيخ سيدي محمد الصغير بن أبو الحسن الحسني سيّدي الحاج علي التجاني ، كان الله له .
في 25 رجب الفرد سنة 1304 .


رسائل علامة أفريقيا سيدي إبراهيم الرياحي إلى سيدي الطاهر بن عبد الصادق القماري .
الرسالة الأولى
ألا قل لسكان  وادي العقيـق    هنيئا لكم في الجنان الخلود
أفيضوا علينا من الماء فيضا    فنحن عطـاش وأنتم  ورود
لو كانت لي قوة أسافر إليك ما بقيت في ألم الحيرة ، أفلا تعطيني حق محبتي لك وصحة اعتقادي فيك يا من إذا تذكرته انشرح صدري وكبر طمعي ، وأنت تعرف من زمان شدة عطشي ، وما حصل لي الإذن فيما علمت إلا على يديك ، لكن وراء ذلك تحيرت حيرة شديدة في كيفية الذكر وكيفية التصرف بها ، فقد حصل لي القلق العظيم ، إرحمني بما يشفي علّتي ويبرّد غلّتي ، على وجه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وعلى وجه الشيخ سيدي أحمد ، ووجه الشيخ سيدي الحاج علي ، وأعظم من ذلك أن تتوجه لي في رؤية وجه النبي صلى الله عليه وسلم بسهولة ،...هل يستوي الأعمى والبصير ، أم هل تستوي الظلمات والنور .
والمرجو من فضلك الجواب عاجلا ، فقد خلق الإنسان من عجل ، والسلام من المتعلق بأذيالكم ، إبراهيم بن عبد القادر الرياحي .
أواسط ذي الحجة الحرام عام 1260 هـ .
الرسالة الثانية
بحمد الله جلّ جلاله وعزّ كبرياؤه ، يَصِل الكتاب إلى حبيب الأحباب ، سيدي الطاهر بن عبد الصادق ، الذي طابق اسمه مسمّاه ، وكشف له الزمن عن معماه ، السلام عليكم ورحمة الله ، وبعد :
فالقلب إليكم شائق ، والحبّ في جنابكم العليّ الصادق ، ومورد الطمع في فضلكم رائق ، والبعد عنكم عائق وأي عائق ، لكنه وإن كان فاتقا فخلّكم الكريم راتق لذلك الفاتق ، هذا وحالنا كما لا يخفى عليكم في غمّة الجهل والضمأ من كثافة الحجاب ، والشوق إلى ما يبرئ من العلة ، ويبرّد الغلّة ، علما وعملا ، والخوف التام من الموت دون نيل شيء من ما نلت أنت وغيرك ممّا به صار الإنسان رجلا . نَعَمْ ، ما تقول إذا سألك الله عن تعلّقي بك وإلغائك لي ؟ فإن قلتَ إني لست أهلا لذلك فنعم ، لكنّك أنت تقول في كتبك التي ترسلها لي: " إلى سيدي ومولاي شيخ العارفين ، خليفة قطب الواصلين ، نخبة الصالحين ، العارف ا لكامل ، القدوة الواصل " ، وخذ لك من هذه الأوصاف التي أنا خليّ عنها . وإن قلتَ إني أهل أو لست بأهل ، ولكن غطّى كرمُك عدم تأهّلي ، فلِمَ لا توفي لنا بوعدك ، حتى وعدك الذي وعدتني في العام الماضي وأنا معانقك صدري على صدرك ، وقلبي على قلبك ، ويداي محضنة لك تحضينا شديدا ، وفي حالة الضم أقول وأنا في حالة غير معهودة: يا سيدي أحمد ، يا سيدي الحاج علي ، وأنا في نهاية الفرح والسرور بذلك ، ثم قلتَ لي : " نمشي إلى موضع نقعد أنا وأنت فيه وحدنا ، وإذا الباب دقّ في البيت الذي أنا نائم فيه ، فلما دقّ الباب استيقظتُ في حالة حسنة ، فحمدتُ الله على ذلك ، ورجوتُ لذلك خيرا ، والسلام التام والإكرام من مُحِبِّكم الراجي ، وليلكم الداجي ، إبراهيم بن عبد القادر الرياحي ، ومن أولاده الطيب وعلي ، وسائر الأحباب عموما، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
رسالة سيدي محمد الرياحي إلى أبناء سيدي الحاج علي التماسيني
الحمد لله ، وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم . إلى سادتنا الأجلاّء الفضلاء ، الكمّل الأزكياء الأتقياء ، الفقهاء النجباء ، السيّد حميدة والسيد معمر والسيد الأخضر ، أبناء سيدنا وشيخنا القطب خليفة سيدنا وشيخنا ومن منّته وفضله على رقابنا ، الغوث الجامع أبي العباس سيدنا أحمد التجاني القطب المكتوم ، ومَن مقامه بين أكابر الأولياء معلوم أبي الحسن سيدنا الحاج علي التماسيني ، أقدم إليكم بين يديكم إهداء سلام من السلام إلى أهل السلام ، يعطّر شذاه ناديكم ، ويبوء نشره بين أيديكم ، يليق بمقامكم العالي ، ويروّح نوره روضكم المتوالي ، من كافة أحبابكم ، وخَدَمَةِ جنابكم ، أهل الطريقة التجانية الاحمدية من أهل المدينة بالحضرة التونسية ، دفع الله عنها كل أزمة وبليّة ، بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، وكل ولي وتقي وتقيّة ، آمين .
أما بعد ، جعل الله مَقْدَمَكم مَقْدَمَ خير وبركة ، وتفريج كرب ، وزوال محن وشدة على قطرنا ومصرنا ، نرجو ذلك من فضل الله تعالى ، ومن بركات رجال هذا الطريق السعيد ، اللهم حقّق ذلك وأتْمِمْهُ لنا من فضلك .
وقد هيّأناا لكم منزلا رحْبا في وسط المدينة يليق بالمقام ، بحيث أن المسجد الجامع بقربكم ، ولا يشقّ عليكم شيئا تريدوه ، لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وهمّة أسيادنا وزاويتكم التجانية الإبراهيمية التي أسست من أول يوم على تقوى من الله تعالى ...... والنظر الأعلى لكم ، والسلام الأكمل مِن مُحِبّكم ، وخديم جنابكم ، المتطفّل على أعتابكم ، الفقير إلى ربّه الباري ، عبده محمد بن محمد ستاري ، والشيخ الأكمل الفاضل الحسيني السيد محمود محسن ، والسيد محمد بن الشيخ سيدي إبراهيم الرياحي ، وكاتب الحروف محمد ستاري ، أصلح الله أحوالنا ، وبلّغ من الخير آمالنا ، آمين .
وكتب يوم الأحد 12 من رجب الاصب سنة 1270 سبعين ومئتين وألف .


  1. هذه الرسالة يُسميها إخواننا التونسيون بالضمانة ، وهي منقولة من خط المقدم محمد الامزالي الرباطي الذي نقلها من خط المقدم سيدي علي شوشان .
  2. هذه الرسالة بخط أخيه الشيخ سيدي أمعمر .
  3. هذه الرسالة بخط أخيه الشيخ سيدي محمد الصغير .
  4. هذه الرسالة بخط كاتب الشيخ سيدي محمد الصغير.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar