يَا رَبَّنَا بِجَاهِ تَاجِ الْعَارِفِيْنَ ï وَجَاهِ حَامِلِ لِوَاءِ الْوَاصِلِيْنَ

Ya Allah, Ya Tuhan kami dengan pangkat kebesaran pemilik mahkota ahli ma'rifah dan pangkat pemegang bendera kelompok manusia yang telah wushul (sampai ke puncak keyakinan)


قُدْوَتِنَا وَشَيْخِنَا التِّجَانِي ï قَائِدِنَا لِمَنْهَجِ الْعَدْنَانِي

Panutan dan guru kami yakni Syekh Ahmad Tijani, seorang pemandu yang menyampaikan kami kepada tuntunan Nabi Muhammad

يَا رَبِّ ثَبِّتْنَا عَلَى اْلإِيْمَانِ ï وَاحْفَظْ قُلُوْبَنَا مِنَ الْكُفْرَانِ

Ya Tuhanku tetapkan kami atas iman dan jaga hati kami dari segala bentuk kekufuran

وَاحْمِ جَمِيْعَنَا مِنَ الشَّيْطَانِ ï وَحِزْبِهِ مِنْ إِنْسٍ أَوْ مِنْ جَانِّ

Lindungi kami dari kejahatan syetan dan kelompoknya dari bangsa manusia dan jin


نَسْأَلُكَ التَّوْبَةَ وَالتَّوْفِيْقَ ï وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ وَالتَّحْقِيْقَ

Kami mohon kepada-Mu taubat dan mendapat kekuatan untuk melakukan kebaikan, ilmu dan pengamalan serta ketepatan dalam segala hal


وَالصَّبْرَ وَالنَّصْرَ عَلَى اْلأَعْدَاءِ ï وَالْجَمْعَ فِي الذِّكْرِ عَلَى الْوِلاَءِ

Berikan kami kesabaran dan kemenangan atas musuh-musuh. Dan jadikan kami selalu berkumpul bersama dalam melakukan dzikir


وَالْفَوْزَ بِالنَّعِيْمِ فِي الْجِنَانِ ï مَعَ النَّبِيّ وَشَيْخِنَا التِّجَانِي

Mendapat kesuksesan dengan mendapat ni'mat di surga bersama Nabi Muhammad dan guru kami Syekh Ahmad Tijani


مَا لَنَا فِي الْكَوْنِ سِوَى الرَّحْمَانِ ï وَالْمُصْطَفَى وَشَيْخِنَا التِّجَانِي

Kami tidak memiliki harapan apa-apa di alam ini melainkan kepada-Mu Ya Allah (Yang Maha Pengasih), manusia terpilih Nabi Muhammad dan guru kami Syekh Ahmad Tijani

هَذِي هَدِيَّةٌ بِفَضْلِ اللهِ ï مِنَّا إِلَيْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ

Dzikir ini merupakan hadiah untukmu Ya Rasulullah dari kami yang semata-mata merupakan pemberian Allah


هَدِيَّةً لِلْمُصْطَفَى الْعَدْنَانِي ï نِيَابَةً عَنْ شَيْخِنَا التِّجَانِي

Hadiah penghormatan buat manusia terpilih Nabi Muhammad keturunan Adnan juga sebagai mandate dari guru kami syekh Ahmad Tijani

آميْنَ آميْنَ اسْتَجِبْ دُعَانَا ï وَلاَ تُخَيِّبْ سَيِّدِي رَجَانَا

Terimalah, terimalah dan kabulkan Ya Allah, doa-doa kami. Jangan Kau kecewakan segala harapan kami

Doa ini merupakan Qashidah tawassul kepada Syekh Ahmad Tijani Radhiyallahu Anhu. qashidah ini biasanya dibaca setelah selesai membaca wirid lazimah dan wazhifah.

Dikutip dari kitab Ghayatul Muna Wal Murad Fima Littijaniy Minal Aurad halaman 27.

Kamis, 17 April 2014

GHOYATUL AMANI BAG 1



بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي أحمد بن سليمان رضي الله عنه

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله وآله وصحبه وسلم تسليما.
الحمد لله الذي منّ علينا بمنة الإسلام وجعلنا من أتباع طريق سيد الأنام صلوات الله وسلامه عليه،وأكرمنا بطريقة سليله سيدنا ومولانا خاتم الأولياء والصالحين أحمد بن محمد التجاني رضي الله عنه طريقة السعادة والافتخار التي بثها في صدور أصحابه الأخيار فكان لهم الفضل كل الفضل في إظهار هذه الطريقة الحنيفة ،وعملوا جهدهم في المحافظة عليها سليمة طاهرة نقية من الشوائب بعيدة عن كل الشبهات،وإرشاد محبيها للعمل بها للوصول إلى السعادة في الدّارين جزاهم الله على ذلك أحسن الجزاء في دار النعيم والخلود. آمين.
ومن خلفائه الميامين الذين حازوا قصب السبق بمولانا الشيخ رضي الله عنه. القطب سيدنا الحاج علي التماسيني رضي الله عنه حامل راية التربية والترقية،فهو من خاصة الخاصة من أصحاب سيدنا وشهد له بالفتح الأكبر في حياته رضي الله عنه. وممن كان تحت لوائه قبل وبعد وفات سيدنا الشيخ رضي الله عنه. سيدنا احمد بن سليمان الرابحي التجاني والـذي خصه المولى العلي القدير بزيارة مولانا
وكان من الرعيل الأول الذي زار سيدنا احمد التجاني رضي الله عنه من أهل سوفسنة1202هـ الموافق لـ1787م،وخص كذلك بإسناد سيدنا رضي الله عنه على صدره عند وفاته، وقام بتغسيله مع أصحابه رضي الله عنه. توفي رضي الله عنه سنة 1254هـ الموافق لـ1839م وقبر بآثار الزاويةالأولى بتغزوت من وادي سوف.بعد رحيل الوالد الأعظم إلى دار البقاء كان القائم بشؤون الزاوية الرّابحية التجانية ابنه المقدم سيدي محمد "ابايـة حمـة" فهو من عظماء الطريقة التجانية نشأ تحت رعايته،وقعت في أيامه معركة بن جلاب الشهيرة حيث قام هذا الحاكم الجائر آنذاك بتحطيم سور الزاوية وقام بتخريبها،وهاجر سيدي محمد "ابايـة حمـة" بعد هذه الواقعة إلى شيخ الطريقة التجانية بزاوية تماسين سيدي ومولاي الحاج علي التماسيني رضي الله عنه، وكان تحت لوائه، وبقي هناك زمنا حتى أشار عليه بالرجوع إلى بلده وضمّ شمل الإخوان هناك،فقال له:"كيف ياسيدي ناي نبني والرجال تجي تكسر،ما نروحش إلا بضمانة"،فقال له سيدي الحاج علي التماسيني رضي الله عنه : [روح ابني الزاوية ...]ووعده بأنها لا تتكسر وان انكسرت لا تبق زاوية على وجه الأرض. وعين له المكان الـــــذي تبنى فيه هذه الزاوية المباركة،ورجع سيدي محمد"ابايـة حمـة" رضي الله عنه إلى بلده تغزوت فوجد الإخوان واضعين الجبس والحجارة والبئر محفور للماء في المكان الذي عينه الخليفة المعظم رضي الله عنه. سأل المقدم سيدي محمد"ابايـة حمـة" الأحباب من أمرهم بهذا، قالوا له:" انتظرناك زمنا طويلا ولم تأت فأردنا أن نقيم زاوية لقراءة الوظيفة ...". فقال لهم:"هنا امرني سيدي الحاج علي رضي الله عنه ببناء الزاوية"،وبنيت على بركة الله تعالى في مكانها الحالي وكذا مسجدها الذي بني في ذلك الزمان مازال موجودا.وبقربه دفن سنة(1304هـ الموافق لـ1887م).
وبعد انتقاله للرفيق الأعلىابنه البركة المقدم العالم الهمام العارف بالله سيدي محمد لخضر رضي الله عنه تقلـد سيدي محمد لخضر رضي الله عنه زمام أمور الزاوية والأحباب. ولد رضي الله عنه ببلدة تغزوت من وادي سوف – الجزائر- سنة 1858م1270هـ،تربى وترعرع بها بين أحضان والديه الشريفين المتمسكين بطريقة الإمام التجاني رضي الله عنه السمحاء. حفظ القرآن العظيم في صباه على ....، كان عصامياًله جاه عظيم في بلدته وغـيرها من القرى المجاورة،كان حبراً عالما حيث قام ببث العلم والطريقة التجانية في زمنه،كان يعمل على حل مشكلات الأمة من زواج، طلاق،بيع ،شراء وميراث. توفي رحمه الله تعالى ليلة الأحد على الساعة العاشرة 28رجب 1346هـ الموافق لـ24اكتوبر1927م.وقبر مع جدّه سيدي احمد بن سلمان رضي الله عنهما.
ومن آثاره مخطوطات عديدة أشهرها"منهج النجاة "في الأحكام الشرعية. وديوان يظم عدّة قصائد يمدح فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم وشيخنا أبي العباس التجاني رضي الله عنه وغيرها من الأعمال التي مازالت مغمورة تحتاج إلى من ينفض عنها الغبار. وهذه مساهمة متواضعة للتعريف ببعض هذه الإنجازات.
والله تعالى أسأل التوفيق لما فيه هدينا وإصلاحنا إنه لما يشاء قدير، وبالإجابة جدير،وإليه المرجع والمصير.

المقدم سيدي محمد بن العباس السمغوني

المقدم ، البركة الأجل ، سيدي محمد بن العباس السمغوني أحد الخاصة من المقدين لتلقين أوراد هذه الطريقة المحمدية في زمن سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه .
كان يلحظ عند سيدنا رضي الله عنه بعين التعظيم ، لما فيه من صدق المحبة و الوداد و رسوخ القدم في هذه الطريقة التي فيها رشاد العباد.

فهو أحد الأفاضل الذين زاحمت مرتبتهم رتبة العارف بالله سيدي محمد ابن المشري رضي الله عنه.
و حصل لكل واحد منهما غيرة مفرطة و منافسة كبيرة حتى أدّى الحال بين الإخوان في أبي سمغون أن انقسموا فرقتين.
و لما بلغ الخبر لسيدنا رضي الله عنه سألهم عن سبب ذلك ، فقالوا له :" إن صاحب الترجمة يغار من ابن مشري و ابن مشري يغار منه. فسرت الغيرة لأصحاب كليهما."
فقال لهم سيدنا رضي الله عنه:
" أصحابي كلهم واحد ، و من يعرفني يعرفني وحدي."
فحينئذ صار الإخوان على قلب رجل واحد و انتفت هذه الغيرة عنهم .

وهذا ونحوه وإن كان في الظاهر فيه شيء من حظ النفوس ولكن في الباطن ما فيه إلا ظهور سر التربية و التقلد بوشاح الخلافة السرية فاليحذر المشفق على نفسه من سوء الظنون فيهم .

و اعلم أنّ أهل أبي سمغون كلهم ، وقاهم الله في الدارين ، لهم شديد محبة في جانب سيدنا رضي الله عنه ، حتى أنه رضي الله عنه لما سافر من ناحيتهم ، أرادوا كلهم أن يسافروا معه و أن يتركوا موطنهم من أجله و أن لا يعمروا إلا المحل الذي يحل فيه.
فقال لهم سيدنا رضي الله عنه في ما معناه :"
اعلموا أنّ كل ولي لا يخرج من محل إلا إذا تغيّر قلبه على أهل ذلك المحل.
و أنتم و إن خرجت من عندكم فليس لهذا المعنى و إنما هو لأمر آخر.
فإنكم بكبيركم و صغيركم محبوبون لي و أنتم عندي محبوبون.
فلو أنكم كلكم كنتم في قفة بلا عروتين لرفعتكم بين يدي و جزت بكم على الصراط . "
ثم أمرهم بالإقامة في محلهم فامتثلوا لأمره قدس الله سرهم و أسبل عليهم و على أمثالهم ستره إنّه ولي ذلك.

سيدي محمود التونسي رضي الله عنه

هو الولي الكامل و العارف الواصل ذو الفتح الكبير و الفضل الشهير سيدي محمود التونسي رضي الله عنه ، من خاصة الخاصة من أصحاب سيدنا رضي الله عنه المقربين إليه و الملحوظين بعين العناية لديه. وهو من المشهود لهم بالولاية و الفتح الأكبر.
كان شديد المحبة في جناب سيدنا رضي الله عنه ، مع شدة إعتنائه بالإمتثال إلى أمره رضي الله عنه .

و قد حدث المقدم البركة سيدي الطيب سفياني أن صاحب الترجمة كانت له دنيا واسعة ، و لما سمع بسيدنا رضي الله عنه في بعض البلدان التي كان فيها نازلاً قصده و اجتمع به رضي الله عنه .
فطلب منه الدعاء فدعا له ، ثم سأله أن يعلمه علم الكيميا . ولما سمع منه سيدنا رضي الله عنه ذلك زجره، و قال له:" أخرج من هذا البلد الساعة و إيّاك و المبيت به ، و إلا يحل بك كذا ! و كذا!"
فقام و هو يعثر في ذيل الخجل و خرج إمتثالا لأمره .
و في الغد رجع إليه ، و صار يتملق بين يديه ، و تبرأ من جميع ما يملك ، و طرح نفسه بين يديه كالميت بين يدي غاسله ، فحينئذ أقبل عليه سيدنا رضي الله عنه و لقنه الطريقة المحمدية .

أخبر بعض الخاصة من أصحاب سيدنا رضي الله عنه إنّ صاحب الترجمة يعد من ورثة بعض أسرار الشيخ رضي الله عنه وقد نزل به عند وفاة الشيخ رضي الله عنه حال عظيم ، أثار في ذاته حرارة خارقة للعادة. كانوا يرون أن ذلك من جراء ما يحمله من الأسرار. و بقي على تلك الحالة إلى أن لحق بالشيخ رضي الله عنه بنحو شهر و ثمانية عشر يوم.



و كان ممن شهد له الشيخ رضي الله عنه بالأمانة، و ذلك في قضية قال فيها رضي الله عنه:" كل من تصرف لي في شيء من المال ظهرت عليه خيانة أو ريبة إلا سيدي محمود.".

وكان ذلك من الشيخ رضي الله عنه في معرض تحذير المريد من خيانة شيخه إذ أنه من أعظم الذنوب .

و كانت وفاته في اليوم الخامس من ذي الحجة سنة ثلاثين و مائتين و ألف . ودفن بمقبرة باب الفتوح ؛ أحد أبواب فاس و هي معروفة و قبره معروف يتبرك به .

وهذا نص رسالة بعثها سيدنا رضي الله عنه لصاحب الترجمة رضي الله عنه :"


بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً.

بعد حمد الله جل جلاله و عز كبرياؤه و تعالى عزه و تقدس حمده و كرمه .

يصل الكتاب إلى يد حبيبنا و صفينا سيدي محمود التونسي.

السلام عليك و رحمة الله و بركاته و بعد

فاسمع جواب ما سألت عنه من السؤالات:

أما الوظيفة: فأحذرك تحذيراً شديداً من تركها و تاركها من أصحابنا يفوته خير عظيم لا ينجبر له فوات ذلك الخير أصلاً ، إلا أنك إن وجدت ذكرها مع الفقراء فهو أفضل و أعلا .
و إن لم تجد الفقراء فاذكرها وحدك و لا تتركها حتى يوماً.
و اذكرها مرة بين الليل والنهار، و من وجد ذكرها مع الفقراء و ذكرها وحده أخطأ الصواب.

و أما ما سألت عنه من أمر الشفع و الوتر: إن لم يفق النائم مثلاً حتى طلعت الشمس ترك الشفع و الوتر و الفجر و صلى الفرض فقط ، ثم يصلي صلاة الفجر قبل الزوال ، و أما الشفع و الوتر إذا طلعت الشمس فقد فاتا و لم تمكن إعادتهما و تداركهما .

و تدارك الصلاة المعلقة بين السماء و الأرض لأجل تركهما يكون بصلاة النافلة أربع ركعات يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة و هي الركعات المعدة لكل فائت من الفرض و النفل من أول العمر إلى اليوم الذي صلى فيه الركعات الأربع يوم الجمعة فذلك كفارة الجميع ، و الركعات مشهورة فلا نطيل بكتابتها.

و أما المريض: إذا حصل له غيبة العقل بغير نوم كإغماء أو غيره... فكلما مضى من الصلاة حتى خرج وقتها في حال غيبة العقل بغير نوم فلا قضاء عليه ،أي المريض، بعد الإفاقة ؛ لا فرضاً ،و لا نفلاً، و لا يقضي إلا ما تركه و معه طرف من عقله فرضا،ً لا نفلاً ؛ إلا ما أدركه وقته من النافلة بعد غيبة عقله فيصليه و السلام .

و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً. "

وقد نص سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه في موضع آخر أنه لا بد من قضاء الفرائض.
و على هذا فهذه الركعات كفارة للفوائت ، و الكفارة غير القضاء ، و الفرض لا تبرأ الذمة إلا بقضائه.



سيدي الطيب السفياني رحمه الله

هو العارف الأكبر و الولي الأشهر ذو المحاسن والأنوار والمعارف والأسرار ، الفقيه الجليل الشريف الأصيل المقدم سيدنا الطيب الحسني الشهير بالسفياني رضي الله عنه.
هذا السيد الجليل من خاصة الخاصة من أصحاب سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه ، وهو مؤلف كتاب "الإفادة الأحمدية" التي جمع فيها بعض كلام سيدنا رضي الله عنه، ورتبها على ما تيسر له جمعه من حروف المعجم.
لقد كان رضي الله عنه ذا همة عالية المقدار خائضا لجة المعارف والأسرار، عالما جليلا فقيها نبيلا وليا كاملا له أتم معرفة بعلم التجويد.
ومما حدث به بعض أصحاب سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه ، أنه رأى صاحب الترجمة بعد وفاته ، فسأله عما فعل الله به ، فذكر له كرامة عظيمة وأنه ما فعل به إلا الخير، وأنه لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، أسلم إليه صلى الله عليه وسلم بستانا عظيما في الجنات، ليعلم فيه القرآن الكريم للصبيان.
يرجع سبب أخذه للطريقة التجانية ذات المعارف الربانية ، أنه لما ذهب للحج ومر بمصر اجتمع هناك به المقدم البركة ذي الجناب المحترم أبي عبد الله سيدي الحاج محمد بن عبد الواحد بناني المصري ، ودخل عنده لمحله ، فاتفق أن وقع نظر صاحب الترجمة على كتاب جواهر المعاني عنده، فأخذه وصار يقرآه ويستحسنه ويتعجب مما اشتمل عليه من المعارف واللطائف ، ويتأسف كثيرا من عدم اجتماعه بسيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه مع كونه في بلده.
ولما رجع من الحج ذهب ليجتمع بسيدنا رضي الله عنه فذكر له عدة مناقب قوت يقينه في طريقة سيدنا رضي الله عنه وأزالت عنه الريب والشك, فمن ذلك أنه قال له:
" ما هذا التوان الذي فيك يا فلان ، حتى انك لم تسارع إلى الدخول في طريقتنا من أول وهلة، مع أني مربيك وكفيلك قبل أن تلدك أمك ، ولقد كانت أمك حاملة بك فسقطت يوما على شيء كاد أن يثقب جنبها ويؤذيك في جسدك فتلقيتها برفق ولين فلم يؤثر ذلك في جسمك تأثيرا يؤدي إلى فساد الخلقة وتشويه الصورة بإذن الله تعالى وإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما أصابك بعض ضرر في رأسك ، ودليل ذلك وجود أثر فيه."
وكان في رأس صاحب الترجمة حفرة ولم يدر ما سببها وقد ازداد بها. ثم انه سأل بعد ذلك والداته عنها ، فأخبرته بأنه ولد بها وسببها ما أخبره سيدنا رضي الله عنه.
فحينئذ علم يقينا أن ما أخبر به سيدنا رضي الله عنه من جملة كراماته التي لا تحصى، وأن الفتح له لا يكون إلا على يده من غير شك ولا ريب فازداد فيه محبة وأسلم إليه الانقياد في حالتي الحضور والغيبة.
واتفق له مرة أنه كان ذاهبا للزاوية المباركة لأداء إحدى الصلوات الخمس، فبينما هو مار في الطريق إذ تلاقى مع بعض أصحابه من أهل وزان فحبسه ذلك الوزاني بالكلام فمر عليهم البركة الأجل الشريف سيدي موسى بن معزوز رضي الله عنه، فأخذ بيد صاحب الترجمة بعنف وقال له : "فات وقت إدراك الصلاة مع سيدنا رضي الله عنه.", ومضى به للزاوية للصلاة فوجد سيدنا رضي الله عنه في الصلاة.
ولما فرغ رضي الله عنه من صلاته التفت لصاحب الترجمة وقال له قبل أن يذكر شيئا:"اترك عنك أهل وزان فانه لا يأتيك منهم إلا الضرر." وكررها حتى قال:" أنا تائب لله." وهذا كله تربية منه رضي الله عنه خوفا على سيدنا الطيب من أن يقع في عين القطع المؤدي لهلاك المريد بسبب التفاته عن نظر شيخه.
وأراد سيدنا رضي الله عنه بقوله له:" فانه لا يأتيك منهم إلا الضرر" بيان وجهة الأمر بعدم الاجتماع مع غير الشيخ من الشيوخ لتكمل له التربية ، وهذا معروف عند أهل التربية.
ولما استغرق صاحب الترجمة في خدمة سيدنا رضي الله عنه وترك الاجتماع مع أهل الطريقة الأولى التي كان عليها صار بعض أدعيائها من أصحابه يبحثون عن سبب ذلك ويأتون إليه فيرحب بهم وربما يذهب معهم إلى مواضعهم وهو كاتم لسره لا يبوح لهم بأمره فاتفق أن سيدنا رضي الله عنه بعثه يوما لوزان لأمر من الأمور فلما قدم من سفره تغيب أياما عن حضرة سيدنا رضي الله عنه ولما اجتمع به سأله عن سبب تأخير مجيئه، وأراد بذلك ظهور سر التربية إليه، فقال له:" يا سيدي لي أعذار منعتني من ذلك ." فسأله هلا وقع له شيء بسبب ذهابه لوزان فقال:" حاشا لله", فقال له سيدنا رضي الله عنه :"سل قلبك." فحينئذ رجع ليقينه ولام نفسه على ما صدر منه من التفريط وتاب إلى الله مما جنى بشماله ويمينه.
وكان سيدنا رضي الله عنه يحب صاحب الترجمة محبة خالصة ويثني عليه بين العامة من أصحابه والخاصة وشهد له بالشرف وكفاه بهذا شرفا وقد قام إليه مرارا تعظيما له واحتراما . وكانت عادة سيدنا رضي الله عنه إذا أراد أحد الاجتماع به وأتى إليه فان كان شريفا يقوم إليه سيدنا رضي الله عنه وإلا بقى على حالته حتى انه صار عند أصحاب سيدنا رضي الله عنه من العلامة على تحقيق شرف من أراد الاجتماع به قيامه رضي الله عنه إليه وربما يخرج من داره إلى بابها لملاقاته، وإلا يأمر بدخوله. وذلك كله زيادة في تعظيمه للبضعة المحمدية عليها السلام، ولا يعرف الفضل لذوي الفضل إلا ذووه.
وكانت عادة سيدنا رضي الله عنه لا يمكن يده لأحد يقبلها خصوصا ساداتنا الشرفاء، واتفق يوما لصاحب الترجمة أن قبل يدي سيدنا رضي الله عنه على حين غفلة فأمره سيدنا رضي الله عنه أن يمكنه من يده ليقبلها، كلما قبل يده. فقال لسيدنا رضي الله عنه:" والله يا سيدي إن قطع يدي لأهون علي من أن تقبلها." فقال له رضي الله عنه:" والله حتى تمكنني من يدك." وقبلها رضي الله عنه. وانظر رحمك الله إلى أدب سيدنا رضي عنه مع ساداتنا آل البيت عليهم السلام.
وكان رضي الله عنه كثيرا ما يوصى على احترامهم واحترام الأولياء الأحياء والأموات مع شدة الأدب معهم رضي الله عن الجميع.
وحدث أن سيدي الطيب السفياني رضي الله عنه, سكن غرفة مقابلة لضريح مولاي إدريس رضي الله عنه. فسأله سيدنا رضي الله عنه عن هذا المنزل الذي سكن فيه كيف هو وهل هو صالح له ، فمدحه له صاحب الترجمة بكونه مقابلا للقبة الشريفة الادريسية فقال له سيدنا رضي الله عنه:" لا تعطه برجلك تعظيما لجنابه رضي الله عنه".
ومن عجيب ما وقع له مع سيدنا رضي الله عنه أنه طلب من سيدنا رضي الله عنه أن يدعو له أن يتوفاه الله على محبته فدعا له بذلك وقال له :"استعد للفقر جلبابا." قال فمن ذلك الوقت صارت الدنيا تنقص من يده شيئا فشيئا وقلبه مطمئن بمحبة سيدنا رضي الله عنه عامرا بها أكثر مما كانت الدنيا بيده إلى أن توفي رضي الله عنه.

السيد الحاج عبد الوهاب بن الأحمر

ومنهم المقدم الذي حاز فى الولاية أرفع مقام والبركة الذي انتفع به الجم الغفير من الأنام الذي ما ذاق طعم المنام منذ فارق الشيخ رضي الله عنه إلى أن توفي. السيد عبد الوهاب بن التاودي المعروف بابن الأحمر.
هذا السيد رحمه الله من خاصة أصحاب سيدنا رضي الله عنه الذين لازموه حضرا وسفرا حتى ظفروا بغاية الأماني بين السادة الفقراء، وهو أحد العشرة الذين ضمن لهم النبي صلى الله عليه وسلم الفتح الكبير كما أخبر بذلك سيدنا رضي الله عنه لما سئل عنهم حيث ذهبوا لقضاء أمر مهم أمرهم به رضي الله عنه وفعلوه ، فقيل له رضي الله عنه:" هل لهم في ذلك ثواب ؟ " فقال رضي الله عنه : " قد ضمن لهم النبي صلى الله عليه وسلم الفتح الأكبر." .
وكان رحمه الله خزانة لأسرار سيدنا رضي الله عنه ، وخزانة سر الخليفة المعظم سيدنا الحاج علي حرازم براده رضي الله عنه وقد أمره سيدنا رضي الله عنه بالسفر مع الخليفة الأعظم حين ذهب للحجاز فذهب معه ولازمه إلى أن توفي رضي الله عنه ببدر محل الفتح الأكبر لسيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حدود سنة 1218 هـ ودفنه صاحب الترجمة هناك ثم رجع إلى فاس وهو عنه راض .
وكان رحمه الله ذا قلب سليم سالكا فى الدين على النهج القويم ، وكان يسارع في حلبات السبق للخيرات حتى بلغ غاية ما نوى، يحب الخير لكل أحد لسلامة صدره من داء الهوى، ومن جملة ما كان يوصي بفعله صلاة التسبيح ويقول: "وددت لو أن جميع الأصحاب يصلونها" .
وقد انفرد رحمه الله بمزايا خصصه بها سيدنا رضي الله عنه ، وله كرامات عديدة منها أنه كان كثيرا ما يرى النبي صلى الله عليه وسلم فى المنام.
فمن ذلك ما أخبربه بعض أقاربه حين سأله عما خص به من أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، ولما اجتمع في تلك الرؤيا بالنبي صلى الله عليه وسلم التفت صلى الله عليه وسلم للشيخين رضي الله عنهما وقال لهما :" أكتبا هذا فى ديوانكما " وأشار لصاحب الترجمة.
وهذه منقبة عظيمة لهذا السيد رضي الله عنه ، وفيها إشارة إلى قول سيدنا رضي الله عنه:" قال لي سيد الوجود صلى الله عليه وسلم:" أصحابك أصحابي وفقراؤك فقرائي".".
ومنها أنه كان يجلس فى الصف الأول من الزاوية المباركة قرب المحراب الشريف ، وكان كثيرا ما يذكر في ذلك الموضع بعد وفاة سيدنا رضي الله عنه فبينما هو يذكر يوما إذ رأى سيدنا رضي الله عنه خرج من قبره وأتى إليه وقال له: " قم " فقام معه وخطا به خطوتين أو ثلاث فإذا هو بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم قال له سيدنا رضي الله عنه:" ها أنت ونبيك" فصار يقبل يديه صلى الله عليه وسلم ويبكي بين يديه ، ثم أفاق من غيبته فوجد نفسه جالسا بموضعه.
ومن كراماته الدالة على تصريفه التام أنه كان مع قافلة يحملون أمتعة سيدنا رضي الله عنه فبينما هم فى الطريق إذ خرج عليهم اللصوص ونهبوا جميع القافلة فصار صاحب الترجمة يقول للصوص:" اتقوا الله يا أناس فإن القافلة لولي الله أحمد التجاني" , فقالوا له:" ما لنا وللتجاني ، لا نعرفه ولا نرجع عن فعلنا البتة إلا إذا تركتكم أرواحكم أو تركنا أرواحنا"، فبينما هم كذلك بعد أن ألقوا لهم السلاح وصاروا ينهبون الأمتعة إذ أحس اللصوص بثقل أعضائهم وضيق أرواحهم فى أشباحهم وخدرت جوارحهم حتى إنهم لا يقدرون على المشى وكأن الأرض تبتلعهم فصار اللصوص يصيحون, و ينادون :" يا أيها الناس اقبلوا علينا وخذوا أمتعتكم وخلصونا من هذه الورطة التى وقعنا فيها" ، فقال لهم صاحب الترجمة بعد أن أشرفوا على الهلاك :" قد قلنا لكم إن الأمتعة لسيدى أحمد التجاني والآن توبوا إلى الله من هذا الأمر الذي أنتم عليه وإلا حصل لكم الهلاك" ، فتابوا إلى الله من ذلك الوقت وردوا لهم جميع ما أخذوه ، ورافقوا القافلة حتى بلغوا إلى سيدنا رضي الله عنه وتبركوا به وأخذوا الطريقة المحمدية، ورجعوا إلى بلادهم تائبين متمسكين بحبل الرشاد بعد أن كانوا فى قبيلتهم مركز للفساد، وما ذلك إلا ببركة صاحب الترجمة وهمة سيدنا رضي الله عنه.

مولاي محمد بن أبي النصر العلوي

هو الولي الكبير والعارف الشهير، صاحب الكرامات المأثورة في الأقطار والمقامات العالية المقدار، المشهور بالصلاح الكامل عند كل عالم وجاهل، الشريف الجليل سيدنا ومولانا محمد بن أبي النصر العلوي الفاسي منشأ وقرارا، العلوي السجلماسي أصلا.
هذا السيد رضي الله عنه كان من أكابر العارفين وخاصة الخاصة المقربين، وهو أحد العشرة الذين ضمن لهم النبي صلى الله عليه وسلم المعرفة بالله والفتح الكبير، كما أخبر بذلك سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه.
وهو أحد الخاصة الذين طالت صحبتهم لسيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه، ومع طول صحبته له لم يفارقه لا ليلا ولا نهارا إلا في بعض الأوقات الضرورية. ما فاتته فريضة قط خلف مولانا الشيخ رضي الله عنه نحو ستة عشر عاما، وشاهد من كراماته التي أجراها الله عليه يده ما لا يحصى.
ويروي مولاي محمد بأنه في أول أمره لم يصاحب سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه إلا على كرشه، يعني ما صاحبه إلا لكثرة الطعام عنده، وكان هو في ذلك الوقت يحب ذلك فكان سيدنا رضي الله عنه يعطيه فوق ما يظن من ذلك إلى أن تمكن حبه في قلبه وفتح الله عليه في الطريق بالمحبة في سيدنا رضي الله عنه، فحينئذ قوى اعتقاده في جناب سيدنا رضي الله عنه، فنال ما نال وبلغ في الطريق ما بلغ من الخلافة والتصريف التام.
وكان رضي الله عنه تأخذه أحوال عجيبة يعرفها فيه الخاص والعام على طريقة الملامتية، تسترا لأسراره رضي الله عنه. وهكذا غالبا أحوال كل من فتح عليه من أصحاب هذه الطريقة.
ومن أحوال صاحب الترجمة أنه كان خارجا مع العلامة سيدي محمد إكنسوس لوادي فاس، فمرا على أحد أبواب فاس فوقفا بباب حانوت إنسان يبيع الفاكهة، فقال صاحب الترجمة لصاحب الحانوت: "بكم ذاك الجوز وذاك التمر؟" وأشار إلى شيء وراءه فالتفت ليرى ليناوله منه، فصار صاحب الترجمة يأخذ مما يليه من غير علم صاحب الحانوت ويجعل منه في جيبه، وكاد الفقيه المذكور معه أن يذوب حياء، مع علمه أنه لا يفعل ذلك إلا لأمر رباني.
ثم ترك صاحب الترجمة صاحب الحانوت بعد أن أظهر له انه لم يصلح له ما أشار إليه، فلما خرجا عن الباب سأله الفقيه سيدي محمد اكنسوس عن ذلك الفعل.
فقال له: يقول الله تعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم" الآية. قال الفقيه المذكور: "فعلمت أن صاحب الحانوت لم يكن يخرج الزكاة، أو أخذ منه ذلك لدفع بلاء كان نازلا به، كما يفعل كثير من الأولياء رضي الله عنهم، أو غير ذلك مما يقتضيه حال هذا العارف رضي الله عنه".
ويروي سيدنا العارف بربه مولانا الطاهر أنه رأى يوما والده صاحب الترجمة رضي الله عنه، جاعلا يده في سنداس مطهرة ينقيها. فقال له: يا أبت ما هذا؟ فقال له يا بني: إن نفسي كادت أن تهلكني بما تسوله لي وذلك أنها قالت: "أنت ابن بيت كبير من بيوت المملكة ولك أملاك وأصول وتلاقيت مع القطب المكتوم فأنت كذا وكذا"
ففعلت هذا الأمر لأقهرها بهذا وأقابلها بنقيض قصدها.
ومما رواه أيضا عن والده رضي الله عنه، أنه سأل سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه عن حال العارف بالله ومعرفته.
فأجابه: "بأن العارف مثل البهيمة التي لا جلد لها كل ما نزل بها يؤلمها وتحس به"
ومما حدث به سيدي أحمد العبدلاوي رضي الله عنه، أنه لما كان عازما على زيارة سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه بفاس انطلاقا من عين ماضي سنة 1259هـ، وفي هذه السنة طمع العدو في الاستيلاء على عين ماضي ونواحيها.
قال: (أي سيدي أحمد العبدلاوي) فحصل لي اهتمام بهذا الأمر وضاق لي منه الصدر"
ولما كان عازما على السفر أوصاه ابن سيدنا رضي الله عنه سيدي محمد الحبيب رضي الله عنه بوصيته، وقال له من جملتها: "إذا وصلت إلى مدينة فاس، فسأل من رأيته فيها من أهل الكشف عن هذا البلاء الملم، فإن فاس لا تخلو من الأولياء أبدا".
قال سيدي أحمد العبدلاوي: "فلما وصلت لفاس واجتمعت فيها ببعض الإخوان في الطريقة سألتهم هل يعرفون أحدا صحيح الكشف من المفتوح عليهم في هذا البلد." قال:" فقال لي الفقيه السيد العباس الشرابي أحد الخاصة من أصحاب سيدنا رضي الله عنه إننا نسمع بفلان وسمى لي بعض أهل نوات ممن يشار له بذلك في ذلك الوقت. "
قال فقلت له:" اذهب بنا إليه لنعلم حاله ويخبرنا بشيء أمرني سيدنا الحبيب رضي الله عنه بالسؤال عنه".
فقال (أي الفقيه العباس الشرابي): "كيف نذهب إليه ونحن تجانيون؟" فقلت:" لا بأس بهذا لأننا لم نقصد الزيارة وإنما قصدنا ما ذكر."
قال: فذهبنا إليه واجتمعنا به، وبمجرد وصولنا إليه قال لي ذلك التواتي:" اشتر لبهيمتي علفا" فقلت له:" على الرأس والعين"، ودفعت لبعض الخدام شيئا من الدراهم ليشتري له ذلك، ثم إني سألته عما في باطني فلم يفصح لي عن المقصود، وعلمت أن ذلك الرجل ما عنده شيء من مطلبي، فخرجت من عنده ونفسي تكاد أن تنفطر من شدة ما حصل لي من الاهتمام بذلك.
قال:" فذهبت إلى ضريح سيدنا رضي الله عنه وسألت الله بجاهه أن يهب لي من يكشف عن هذا الكرب الذي شغل به قلبي."
قال: "وكان اليوم يوم خميس فذهبت إلى السوق لأفرج عني، وعند رجوعي وجدت بباب البلد الشريف الجليل مولاي محمد بن ابي النصر (يعني صاحب الترجمة). "
قال:" ولم أكن أعرفه في ذلك الوقت ولا اجتمعت معه. "
فلما رآني أتى إلي وأخذ بيدي وصار يسألني عن سيدي محمد الحبيب رضي الله عنه، وعن أحواله وأحوال دار سيدنا رضي الله عنه بعين ماضي، وحينئذ عرفته وتوسعت معه في الكلام وسألته هل يعرف أحدا من أهل الكشف الصريح لأسأله عما في باطني مما حملته من سيدنا الحبيب رضي الله عنه.
فقال لي: "إني أعرف واحدا وسأجمعك به وأنت ضيفي الليلة"، قال: "فذهبت معه لداره وبت عنده تلك الليلة، ورأيت من أحواله أمورا خارقة للعادة، وعند خروجي من داره قال لي رضي الله عنه :"لابد أن تأتي مرة أخرى حتى أجمعك مع من تريد. "."
قال:" ثم إني أتيت بعد ذلك وعزمت على أن أطلب منه تعجيل الاجتماع مع ذلك المكاشف، لما يتلجلج في خاطري من ذلك الأمر. "
فلما دخلت لبيته قابلني بمزيد ترحيب وإكرام وبادرني بالكلام في ذلك. وقال لي: "ما مقصودك بالاجتماع بصاحب الكشف".
فقلت: "لا أخبرك بذلك إلا بعد أن اجتمع به ويخبرنا هو بحقيقة الأمر، ليطمئن بالي ولا يتشوش خاطري ولا يدخلني ريب فيما يخبرني به. "
فقال لي: "وهل تقنع إذا أخبرتك أنا بذلك".
فقلت له: " هذا عندي من أحسن ما يكون وهو عندي غاية المنى والسول".
قال لي: "تسألني عن دار الشيخ من أمر العدو".
فقلت له: "نعم، وبقي لي شيء آخر".
فقال لي: "تسألني عن سيدنا الحبيب رضي الله عنه يكون له ولد ذكر أولا؟".
فقلت له: "نعم".
فأجابني رضي الله عنه أما دار سيدنا رضي الله عنه فلا بأس عليها بل تبقى معظمة لا تنتهك لها حرمة، وأما سيدنا الحبيب فلا يخرج من هذه الدنيا حتى يكون له أولاد يكون من أمرهم ما يكون، وهذا جواب ما سألت عنه".
فلما رأيته أخبرني بما أضمرته حقا وصدقا، أضمرت في نفسي شيئين آخرين، وقلت له: يا سيدي بقي لي شيء آخر".
فقال لي رضي الله عنه: "تسألني عن بنات أولاد الشيخ رضي الله عنه".
فقلت له: "نعم" وذلك أني قلت في نفسي إن سيدنا الحبيب رضي الله عنه لا يحب مصاهرة أهل عين ماضي، والبنات قد كبرن، فيا ترى ما يكون من شأنهن، ويا ترى كيف حالتي مع ابن سيدنا رضي الله عنه، وكيف أخرج معه في هذه الدنيا.
فأجابني رضي الله عنه: "إنهن سيتزوجن عن قريب"، ثم قال: "وتسألني عن حالك مع ولد الشيخ رضي الله عنه". قلت له:" نعم وهي الأخيرة. "
فقال لي رضي الله عنه: "إنك ستخرج معه على خير ولا بأس عليك" فحمدت الله تعالى على هذه البشارة من هذا السيد الجليل رضي الله عنه وشكرت الله على أن قيض لي من خاصة أوليائه من يخبرني عما كنت مشوشا من جهته.
ثم قال لي بعد ذلك: "اكتم سرك ولا تترك مجيئك إلي وإذا رجعت بالسلامة لعين ماضي فسلم مني على ابن سيدنا رضي الله عنه".
ثم إني صرت أتردد إليه ولازمته رضي الله عنه ورأيت من كراماته ما يبهر العقول إلى أن توفي رضي الله عنه.
ومما وقع لصاحب الترجمة مع سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه من المناقب ما هو مشهور بين الخاصة نذكر هذه:
في أحد الأيام مولاي محمد بن أبي النصر العلوي رضي الله عنه، قدم للزاوية المباركة على عادته للاجتماع بسيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه: ولم يجده فيها، فسأل عنه أين هو فقيل له: "إنه خرج لواد سبو، وأوصى ألا يخرج معه أحد" وقال في نفسه: "والله لابد أن أذهب إليه". وخرج على باب البلد حتى لحق بسيدنا رضي الله عنه بقنطرة الوادي المالح، فلما رآه سيدنا رضي الله عنه قال له: "ألم يقل لك أحد إني نهيت عن الخروج معي في هذه الساعة؟" فقال له: "يا سيدي إن الشوق أزعجني إلى الاجتماع بك ولم أطق صبرا حتى رأيتك" فصار مع سيدنا رضي الله عنه وحصل له انبساط لم يعهد مثله منه، وقال صاحب الترجمة في نفسه: "لابد أن أسأل الشيخ في هذا الوقت عن الاسم الأعظم لكوني مختليا معه ولانبساطه معي." ثم إنه لم يشعر بنفسه حتى سأله من سيدنا رضي الله عنه، فلما طلبه منه تغيرت أحوال سيدنا رضي الله عنه معه ونهض فيه وصار يوبخه على سؤاله له، فلما رأى صاحب الترجمة أنه أساء الأدب مع سيدنا رضي الله عنه ندم غاية الندم، وصار يعتذر إليه وأنه لم يقصد بطلب معرفته إلا وجه الله تعالى لا لغرض من الأغراض وحصل له من الحياء ما الله أعلم به.
فبينما هو على هذه الحالة ذاهب معه إذ نظر إلى فرس سيدنا رضي الله عنه كلما رفعت رجلا تركت حافرها صفيحة من الذهب على الأرض وهي سائرة فتعجب من ذلك، وأخذ صفيحة وصار يتأملها ثم طرحها بعد أن تيقن أنها ذهب، وقال في نفسه إن الشيخ أراد اختباري فتشبث بركاب فرسه وصار يتملق بين يديه ويقول له: "يا سيدي لا جعل الله حظي منك الدنيا، فبالله عليك لا تؤاخذني بقولي".
فحين إذ رجع سيدنا رضي الله عنه معه إلى حالته الأولى ودعا له بالخير، وصار ملحوظا عنده ولقنه الاسم الشريف.
وكان صاحب الترجمة كثير الانبساط مع سيدنا رضي الله عنه، وقد آتاه مرة وقال: "يا سيدي إن علي ديونا وقد حل أجلها وأخاف على نفسي إذا رفعت إلى الحاكم أن أسجن، فنطلب منك يا سيدي أن تفك رقبتي". وقد كان الدين الذي عليه نحو مائة مثقال وعشرة مثاقيل، فلقنه سيدنا رضي الله عنه ذكرا يذكره عددا محصورا، وقال له: "إن الخديم سيأتيك بما فيه الكفاية ولا تعد إلى مثل هذا". فلما لقنه الشيخ رضي الله عنه ذلك الذكر بذلك الإذن الخاص أحس بحرارة عظيمة مع التهاب شديد في حلقه من شدة العطش لاسيما عند الذكر، إلى أن أداه الحال أن صار يشرب ماء خارجا عن المعتاد في حالة ذكره، فلما فرغ من ذكره وجد تحت السجادة التي يذكر عليها ألف مثقال وزيادة، فأخذ ذلك وخلص ديونه وفرج الله عنه شجونه ببركة سيدنا رضي الله عنه.
وكان استغراق محبة صاحب الترجمة في سيدنا رضي الله عنه يضرب بها المثل، ويذكر أنه قال: "والله ما تحقق الشرف عندي (أي أن نسبه متصل إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم) إلا بإخبار سيدنا رضي الله عنه". وذلك أنه كان مارا معه على الروضة التي دفن فيها والده رحمه الله، فقال لسيدنا رضي الله عنه: "يا سيدي ادع الله لوالدي فإنه بهذه الروضة، فالتفت إليه سيدنا رضي الله عنه وقال له أبوك شريف لا بأس عليه".
وكان الخاصة من أصحاب سيدنا رضي الله عنه يصفون صاحب الترجمة بالخلافة الكبرى والوساطة العظمى، في وصول الممد للمريدين من حضرة سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه، بعد وفاة الخليفة الأعظم سيدي الحاج علي حرازم برادة رضي الله عنه.
وحدث أنه دخل يوما للزاوية المباركة فوجد فيها جماعة من أصحاب سيدنا رضي الله عنه يتكلمون في وراثة الشيخ رضي الله عنه، وفي مرتبة بعض الأكابر من أصحابه رضي الله عنهم، فقال لهم متحدثا بنعمة الله عليه بعد أن حصل له حال من الأحوال التي تعتريه: "مشى سيدي الحاج علي وخلاني ندكدك في البساط وحدي".
إن فضائل صاحب الترجمة ومناقبه التي خص بها لا يفي بها استقصاء، ولقد تلقى عن سيدنا رضي الله عنه من الأسرار والمعارف ما لا يحصى، وفي كناش العلامة سيدي محمد الحبيب الداودي أسرار عظيمة تلقاها صاحب الترجمة عن سيدنا رضي الله عنه، وبعض هذه الأسرار مدرجة كذلك في كتاب "نيل الأماني في الطب الروحاني والجسماني" المروي عن الشيخ التجاني رضي الله عنه وصحبه ذوي القرب والتداني.
توفي سيدي محمد بن أبي النصر العلوي في شوال سنة 1273، ودفن بروضة سيدي التواتي المجاورة لروضة الجلالية من طالعة فاس.
وقد ورثه في بعض أحواله ولده المبارك الجليل مولانا الطاهر رضي الله عنه. ومن عجيب أحواله أنه تحصل له غيبة في كل شهر تزيد على الجمعة والجمعتين، ويبقى نائما في هذه المدة ولا يأكل ولا يشرب، ثم يستيقظ وعليه حال كبير، ثم يرجع شيئا فشيئا إلى أن يغيب مرة أخرى.
ولو تتبعنا كراماته لأدى بنا الحال للطول وفي هذا كفاية، وحسبنا الله ونعم الوكيل.


السلطان سليمان

كان رحمه الله إماما عادلا و عالما عاملا و قد أخذ الطريقة عن سيدنا رضي الله عنه بإذن من النبى صلى الله عليه و سلم، و شهد له بأنّه من أولاده الحقيقيين، و قد شهد من كرامات سيدنا رضي الله عنه ما ثبّت الله به اعتقاده فيه بحيث لم يؤثر فيه قول المعاندين المتكبرين على سيدنا رضي الله عنه على كثرتهم في ذلك الوقت.
كان كثيرا ما يطلب من الشيخ رضي الله عنه أن يريه النبى صلى الله عليه و سلم في اليقظة ، و سيدنا رضي الله عنه يقول له أخاف عليك أن لا تقدر على ذلك ، و هو حريص على ذلك ، فلمّا اشتد طلبه لذلك من سيدنا رضي الله عنه و لم تفد في رده عن هذا المطلب حيلة ، أجا به سيدنا رضي الله عنه لبغيته و أوصاه أن يكتم سرّه عن كل أحد، و ليجعل محلا طاهرا طيبا فارغا عن جميع الأمور من فرش و غيره يعده مخصوصا لذلك و أن يكون وحده في ذلك الموضع ، فأعد ذلك كله و لما أراد الدخول إلى ذلك المحل حصلت له هيبة عظيمة و لم يقدرعلى الجلوس به وحده لذكر ما لقنه من الأذكار الخصوصية . فطلب من سيدنا رضي الله عنه الحضور معه ، فأجابه لمرغوبه و حضر معه في ذلك المحل ،وبينما هما يذكران إذ أشرق المحل الذي هما فيه ، و امتلأ بالأنوار المحمديّة ، فحصل الدّهش لصاحب الترجمة لمّا رأى ذلك و غاب عن نفسه ، و بعد ساعة أفاق من غيبته فوجد يد سيّدنا رضي الله عنه على صدره ، فلما فتح عينيه قال له سيدنا رضي الله عنه لا بأس عليك و أنّه صلى الله عليه و سلم ضمن لك كذا و كذا. فقال له صاحب التّرجمة جزاك الله عنّا خير الجزاء و لقد قلت لي لا أقدر على ذلك و أنا أتهم نفسي حتّى رأيت ذلك بالعيان.

و هذه رسالة من سيدنا اليه نصّها
بعد البسملة و الصلاة و السلام على النبي صلى الله عليه و سلم المقام الذي يجب تعظيمه و احترامه ، و السيد الذي هو غاية المجد و الكرم و تمامه و السيد الذي هو ذروة العز و سنامه.
اما بعد، سيدنا الشريف الأصيل ذي الشرف, الثابت الأصل ، حلو الشمائل كريم الأخلاق و الفضائل, بدر التّمام حامي حمى الإسلام, رافع راية الخلافة الإسلامية الإلهية ,المتحلي بحلية الملّة المحمديّة, ملاذ الحاضر و البادى, أعني بذلك سيدنا و مولانا أمير المؤمنين سيّدنا سليمان بن محمد نصره الله نصرا عزيزا, و أعلى في أوج السّعادة الأبديّة شمسه ، و أدام فى روض نزهات المواهب الإلهيّة أنسه، سيدنا نسأل الله عز و جل أن يكتبك فى ديوان أهل السعادة الأبدية فى الدنيا و الآخرة و ان يجعل سبحانه نظره فيك بعين عنايته بك و محبته لك و اختصاصه لك بمواهبه و نصرته لك و تأييده لك بعزه و حمايته لك فى الدنيا و الآخرة و نسأل منه سبحانه و تعالى أن يجعل يوم قدومك عليه و لقائك له يوم عيد و فرح و سرور و تكريم و حبور ، و نسأل منه سبحانه و تعالى أن يعاملك بفضله و رضاه عنك فى الدنيا والآخرة ، و نسأل الله سبحانه و تعالى أن يجعل جنوده نصرة لك حافة بك من كل جهاتك أينما توجهت ، و أن يصلح بك العباد والبلاد و أن يشدّ بك أركان الإيمان و الدين و أن يفيض بك الخير و الأمان على جماعة المسلمين و أن يكون لك وليا و نصيرا و معينا و حافظا. و نسأل منه سبحانه و تعالى أن يقلب قلبك في مراقبته حتى تصير جوارحك متصرفة فى أغلب أوقاتها فى خدمته و أوصي سيّدنا بامتثال أوامر الله و اجتناب نواهيه ،وأعظه بما وعظه اللّه به قال سبحانه و تعالى (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله و لتنظر نفس ما قدمت لغد) إلى قوله( الفائزون )، و قوله تعالى( يا أيهاالذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولا سديدا) الى (عظيما ) و قوله تعالى (و اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) إلى قوله( يظلمون) و قوله تعالى ( و لقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و إياكم أن اتقوا الله ) و قوله تعالى ( يأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما ) إلى قوله (الغرور) .
و لك فى تدبير آيات الله واعظ و اعتبار و هداية و استبصار ، فأطعم نفسك من أدويته بالثبات والاصطبار ، فإنه من الأدوية على من أدمن متابعة هواه بالتوالي و الإدبار. و أقول السلام على سيدنا و رحمة الله و على من انتظم فى سلك عقده من أهل و خادم و رفيق و صاحب و حميم صديق من كاتبه إليك العبد الفقير إلى الله أحمد ابن محمد التجاني عامله الله بفضله دنيا و أخرى
إنه ورد عليّ أمر عازم من سيد الوجود ذي الكرم و الجود سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم قال لي ما هذا قوله : اكتب كتابا لولدنا سليمان بن محمد أمير المؤمنين و قل له ليس على وجه الارض أكبر قدرا و لا أعظم خطرا من وردي الذي أمليته عليك فقل له يتلوه ، فبذكره إيّاه يصلح الله له عاقبة أمره فى دنياه و أخراه . و قل له ليس على وجه الأرض أعظم قدرا و لا أعظم خطرا من دعائي الذى أمليته على علي بن أبي طالب المسمى السيفي ، فبقراءته يدفع الله عنه البلايا الظاهرة و الباطنة ، و يجلب له به خيردنياه و أخراه و علمه الإستخارة التي علمتها لك ، و كذلك قراءة الفاتحة سبعا بنية الاسم دبر الصلوات و لا يخل نفسه من الصلاة عليّ بصلاة الفاتح لما أغلق قدر طاقته ، فإن المداوم على هذا يصلح الله له أموره الظاهرة و الباطنة وعلمه بعض فضل الفاتح لما أغلق قدر الطاقة إلى هذا .
انتهى نص قوله صلى الله عليه و سلم الذي أمرت بتبليغه إليك.

و ليكن في كريم علمك أن حالتي معه صلى الله عليه و سلم بمنزلة خادم الملك جالس في حضرته بالصمت و الأدب ، و لا يطلب أمرا و لا يتكلم عند الملك بشيءِ و إنما هو إذا أمر الملك بأمر بادر و امتثل ، و إلا فهو جالس في حضرة الملك بالأدب و الصمت ، و لا أقدر ان أطلب منه شيئا و لا أن أسأله عن شىءٍ و لا أتوجه إليه في شىءٍ إلا إذا أمرني بفعل شىءٍ امتثلت . و قد زجرني و أدبني عن الطلب و السؤال منذ سنين.

و أما الورد الذي أملاه عليّ صلى الله عليه و سلم و أمرني أن ألقنه الناس فهو
استغفر الله مائة ، و صلاة الفاتح لما أغلق مائة ، و لا إله إلا الله مائة ، تذكرها مرة صباحا و مرة مساء.
فالصباح من صلاة الصبح إلى الضحى ، و المساء من صلاة العصر إلى العشاء .
و أخبرني أن من داوم على ورده هذا أدخله الله الجنة و أبويه و أزواجه و أولاده بلا حساب و لا عقاب و لا يحل به غذاب من ساعة موته إلى المستقر في الجنة.

و أما الكلام على الفاتح لما أغلق و على الفاتحة بنية الاسم و السيفي و الاستخارة فسأ جرده لك وحده في كتاب آخر. و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم تسليما. انتهى.



و قد ذكر في البغية أنه لما اجتمع به رحب به و سهل و نوه بقدره و أنفذ له الدار المعروفة بالحضرة الفاسية بدار المراية فامتنع سيدنا رضي الله عنه من قبولها لأمر حاك في صدره ففطن السلطان لذلك فكلمه بما أزاح عنه وجه الإشكال في أمره ثم بعد أيام من سكناه أخبر الخاصة من أصحابه بأنه إنما يسكنها بإذن من النبي صلى الله عليه و سلم و أنه عليه الصلاة و السلام أمره أن يتصدق بمقدار كرائها على المساكين و كان يتصدق بذلك خبزا عند انقضاء كل شهر من أشهر المدة التي سكن بها إلى أن توفي رضي الله عنه.

.و لما أذن لسيدنا رضي الله عنه في بناء الزاوية المباركة بفاس بعث له مولانا سليمان صرتين في كل واحدة ألف ريال و قال له استعن بهما على بنائها فردهما الشيخ رضي الله عنه و قال له أمرها قائم بالله . فألح عليه في قبولها فامتنع سيدنا رضي الله عنه من صرفها في شؤونها بل أمر بالصدقة بهما على الفقراء و الضعفاء .

وتوفي مولانا سليمان رحمه الله بمدينة مراكش يوم الخميس 13 ربيع الأول عام 1238 و قبره هناك مشهور رحمه الله.

العلامة سيدي إبراهيم الرياحي رضي الله عنه


هو علامة زمانه على الإطلاق و فريد الأوان بلا شقاق خاتمة المحققين و فاتحة أهل اليقين الولي الكامل و الحجة الواصل أبو إسحاق سيدي إبراهيم إبن عبد القادر الرياحي التونسي رضي الله عنه من أفاضل أصحاب سيدنا رضي الله عنه الذين حصلت لهم العناية الدائمة و نالوا الخلافة بعده في الهادية و الإرشاد ، و هومن الذين حصل لهم الفتح على يدي سيدنا رضي الله عنه ، فجمع بين العلم و الولاية الكبرى .
و كان صاحب الترجمة رضي الله عنه أولا على الطريقة الشاذلية. و لما قدم الخليفة سيدي الحاج علي حرازم رضي الله عنه للديار التونسية سنة إحدى عشرة و مائتين و ألف إجتمع بسيدي إبراهيم الرياحي رضي الله عنه و تعارفا . ثم ، نزل عنده في بيته بالمدرسة و قويت الصحبة بينهما و شاهد منه الكرامات التي لا تحصى و سمع منه من مناقب سيدنا رضي الله عنه و فضائل طريقته ما لا يقف على حده المستقصي فاشتاقت نفسه للدخول في هذه الطريقة المحمدية فصار يردد ذلك في خاطره مرة بعد أخرى، حتى أفصح له بالدخول فيها من لقنه الطريقة الشاذلية و كان من أكابر المفتوح عليهم فتقلد حينئذ بوشاحها و حل أقفال كنوز المعارف بمفتاحها .

و مما حدث به سيدي أحمد العبدلاوي رضي الله عنه أن صاحب الترجمة في المدة التي أقامها الخليفة سيدي الحاج علي حرازم رضي عنه قال له يوما من الأيام:" إني أردت أن أذكر في البيت و إياك أن يدخل إليه أحد حتى أخرج!" ثم دخل.
فجلس صاحب الترجمة بالباب و صاريناديه و يترجاه للخروج وطال انتظاره حتى ضجر من ذلك و قلق ثم دخل البيت ليتفقده فلم يجده فيه ، فصار حائرا من أمره و قال في نفسه :" إن الناس يعرفون أن الشيخ رضي الله عنه نازل عندي! فيا ليت شعري ما يكون جوابي إذا سألوني عنه بعد ما لم أجده في البيت؟ ويا ليت شعري أين ذهب؟" ثم بقي مهموما طول يومه، فبينما هو جالس بباب بيته إذ خرج الخليفة رضي الله عنه، فقال له صاحب الترجمة :" يا سيدي أين كنت؟ " فقال له:" إن العارف إذا كان يذكر الأسم الأعظم يذوب و بعد فراغه يرجع على ما كان عليه و قد حصل لي ذلك كما رأيت." فازداد بذلك فيه محبة .

و من الكرامات التي حصلت لصاحب الترجمة معه أنه كان نائما في بعض الليالي فأيقظه سيدي علي حرازم و قال له:" قم ! و اطلب من الله تعالى ما تريد! فهذه ساعة إجابة إن شاء الله تعالى ."
فقام صاحب الترجمة من نومه و كتب مطالب وجدت مقيدة بخطه وهذا نصها:"
طلبت من الله تعالى دوام رؤية النبي صلى الله عليه و سلم بلا شك و لا تلبيس !
و طلبت عليك يا رب التصرف بالإسم الأعظم !
وطلبت عليك يا رب المعرفة التامة بك على أن تكون مقاما لا حالا !
و طلبت عليك يا رب معرفة كيمياء و نتائج علمها بسهولة !
و طلبت عليك يا رب أن تتولاني بعجزي عن أن أتولاك !
و طلبت عليك يا رب إمرأة وفق المراد على سبيل الدوام!
و أبناء صالحين! و عمرا طويل بالخير معمورا بالطاعة!
و مشيخة على علمي الظاهر و الباطن على وفق ما يرضيك و يرضي رسولك !
و أن تغني قلبي و كفي، و أن تسخر لي الروحانيات و الإنس و الجن!
و أن تبلغني في الآخرة و الدنيا ما يليق بكرمك مما لا نعلمه ولا ندري كيف نسألك إياه !
و أن تفهمني عنك فهما حقيقيا! و الموت على الإيمان الكامل! "

و قد استجاب الله دعاءه و بلغه منه أمله و رجاءه.
فكان رضي الله عنه من الآيات العظام الباهرة للعقول بين الأنام، ذا تصريف تام و مقام عال، ما توجهت همته لشيء إلا ناله في الحين و لا رام شيئا إلا و نجح كما شهد له بذلك كل الطالحين و الصالحين.
و كان صاحب الترجمة ذا همة عالية أبية لا ترضى بسفاسف الأمور.

و قد ألف في رد على بعض المنكرين على طريقة سيدنا رضي الله عنه كتابا سماه بمرد الصوارم و الأسنة في الرد على من أخرج الشيخ التجاني عن دائرة أهل السنة .
قال فيه:"
إعلم أن الشيخ المشار إليه من الرجال الذين طار صيتهم في الآفاق، و سارت بأحاديث بركاتهم و تمكنهم في علمي الظاهر و الباطن طوائف الرفاق و كلامه في المعارف و غيرها من أصدق الشواهد على ذلك، و لقد اجتمعت به في زاويته بفاس مرارا و بداره أيضا منها و صليت خلفه صلاة العصر، فما رأيت أتقن لها منه و لا أطول سجودا و قياما و فرحت كثيرا برؤية صلاة السلف الصالح، و لخلفة صلاة الناس اليوم جدا كادوا أن لا يقتدي بهم الخ.".
و كان السبب في تأليفه صدق محبته في جناب سيدنا رضي الله عنه ، مع شدة إتباعه لطريق الحق و عدم سكوته على الباطل إن رآه.
و لما بلغ خبر هذا التأليف سيدنا رضي الله عنه كتب لصاحب الترجمة و لأخويه في العلم و الطريقة و الشاربين من منهل الحقيقة سيدي محمد بن المشري و محمود التونسي رضي الله عن الجميع ما نصه:"

بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على سيدنا و مولانا محمد و على آله و صحبه و سلم

بعد حمد الله جل جلاله و تقدست أسماؤه و صفاته و تعالى عزه و تقدس مجده و كرمه.
يصل الكتاب إلى أحبابنا و أعز الناس لدينا سيدي محمد ابن مشري و سيدي محمود التونسي و سيدي إبراهيم الرياحي التونسي.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و إنعامه و إبراره من المسلم عليكم أحمد بن محمد التجاني و بعد:
نسأل الله تعالى أن يتقبل عليكم بفضله و رضاه و أن يجعلكم في ديوان الصديقين و أن يحرسكم بعين رعايته و أن يحفظكم من جميع المخاوف و المكاره و أن يغمركم في رضاه إلى الإستقرار في عليين آمين.
يليه إن الكتاب الذي جمعه سيدنا إبر هيم الرياحي في الرد على من طعن فينا و نسبنا إلى الإعتزال و النكير علينا، فلا تلتفتوا لكلامه و لا تبالوا به و لا تهتموا من شأنه، و إنما هو رجل أعماه الحسد و استولى الرّان على قلبه ، و ليس هو من فرسان هذا الميدان حتى تلتفتوا إليه، وإنما هو كما قيل:" ليس بعشك فأدرجي !" و لنا في الرسل عليهم الصلاة و السلام أسوة، نسبوا إلى الشعر و إلى الجنون و إلى الكهانة و إلى السحر و ما التفتوا إليه وما أهمهم أمر من نسبهم إلى ذلك.
حاصل الكلام مطاقا الحادث و القديم إنما هو أسماء و مسميات، الأسماء هي صورة كلام المتكلم و المسميات هي مدلولات الكلام الذي يدل عليها كلام المتكلم، فكلام الحق سبحانه و تعالى وصف قائم بذاته لا ينفك عنها و هو عين تلك الأسماء المعبر عنها عين المسميات، فالأسماء كلها قديمة أزلية ،لأنها عين الكلام الأزلي فلا يصح الحدوث فيها بوجه و لا بحال، و هي في هذه المرتبة يستوي فيها القديم و الحادث و المسميات التي دخلت تلك الأسماء بعضها قديم و بعضها حادث، فالمسميات هي مدلولات، لا يصح فيها أن تنتقل لفهم المتكلم الحادث مثلا ، و الكلام الأزلي لا يصح أن يقال أنه قرآن في حق الذات المقدسة و إنما يقال فيه كلام.
و لكن أعرضوا عن كلام هذا الجاهل و لا تلتفتوا إليه واستأنسوا بقوله تعالى: (و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته و الله عليم حكيم) إلى قوله تعالى: (و إن الظالمين لفي شقاق بعيد )(و ليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم و إن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم) (و لا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا و عملوا الصالحات في جنات النعيم و الذين كفروا و كذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين و الذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا و إن الله لهو خير الرازقين ليدخلنهم مدخلا يرضونه و إن الله لعليم حليم ) و قوله: (و كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس و الجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، و لو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون و لتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة و ليرضوه و ليقترفوا ما هم مقترفون) ولكن الأمر هين أتركوه في عماه يقول كيف شاء و السلام و صلى الله على سيدنا محمد و آله ."

و من فوائد صاحب الترجمة التي تلقاها عن الخليفة الأعظم سيدنا الحاج علي حرازم رضي الله عنه و كتبها له بخطه مجيزا له بما نصه:"
مهما أردت حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة فصل على رسول الله صلى الله عليه و سلم بنية الحاجة التي تريدها ثم تقول:" يا رب توسلت إليك بحبيبك و رسولك و عظيم القدر عندك سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم في قضاء الحاجة التي أريدها." مائة مرة ثم تقول :"اللهم إني أسالك و أتوجه إليك بجاه القطب الكامل سيدي أحمد التجاني و جاهه عندك أن تعطيني كذا و كذا." و تسمي حاجتك بعينها عشرا ثم تصلي على رسول الله صلى الله عليه و سلم عقبها ثلاثا أي هذه الصلاة الأخيرة."
قد تقدم لنا سبب أخذ صاحب الترجمة لطريق سيدنا رضي الله عنه و حدث سيدي أحمد العبدلاوي رضي الله عنه عن كيفية اجتماعه بالخليفة الأعظم سيدي الحاج علي حرازم رضي الله عنه.
لما وصل الخليفة رضي الله عنه تونس دخل لأحد مساجدها و كان ذلك المسجد يدرس فيه أحد الشيوخ الكبار و كان من جملة الطلبة الذين يحضرون مجلسه صاحب الترجمة فاتفق أن جلس قبل إتيان الشيخ المدرس لدرسه بجنبه و صار يتحدث معه إلى أن سأله عن أحواله و ما السبب في ترحاله و ما مقصوده في ذلك كله ، فأجابه بما اقتضاه حاله في ذلك الوقت إلى أن قال له:" و لا بد لك من الدخول لطريق المعرفة و ما جئت إلى هنا إلا من أجلك، و الدليل المقوي لصحيح اعتقادك فيما قلته لك، هو أن الشيخ لا يأتي اليوم للدرس، فتعجب صاحب الترجمة من أقواله و ما رآه من أحواله، و كان ذلك الوقت أول اجتماع به." فقال له:" إن لم يأت الشيخ اليوم فلا بد أن يكون لك شأن عظيم عند الخاصة و العامة و تظهر لك عندي الكرامة التامة."
ثم ثبت ما قاله الخليفة سيدنا الحاج علي رضي الله عنه بعدم مجيء الشيخ للدرس فتشبث صاحب الترجمة بأذياله و طلب منه أن يذهب معه لبيته في المدرسة، و أن ينزل عنده فأجابه لذلك و لا زال الخير يأتي إلى أهله من كل المسالك، فنزل عنده ببيته مدة إقامته بتونس و تلقى منه الطريقة التجانية كما تقدم و صار يأخذ عنه في تلك المدة معارفا و أسرارا و يقتبس من علومه أنوارا إلى أن قال له يوما:" لا بد أن تذهب سفيرا إلى بلاد المغرب و تتلاقى مع أميرها و يكون من أمرك كذا و كذا فإذا ذهبت لتلك الديار فعليك أولا بزيارة سيدنا الشيخ رضي الله عنه ، والزمه طول المقام هناك في الليل و النهار." فصار صاحب الترجمة يتعجب من أن يكون له هذا الأمر بعد أن تحقق أن كل ما أخبره به سيدنا الحاج علي رضي الله عنه لا بد من وقوعه.
و كان من قدر الله أن حدثـت المسغبة بالبلاد التونسية سنة 1218 هجري واحتاج الناس للزاد من سلطنة المغرب، فأمر أمير تونس حمودة باشا أن يذهب الشيخ سيدي صالح الكواش رضي الله عنه سفيرا لأجل ذلك إلى سلطان المغرب مولانا سليمان قدس الله روحه فاعتذر الشيخ المذكور لكبره ووهن عظامه و عدم قدرته على السفر مع تزايد سقمه و أشار عليه بإرسال تلميذه صاحب الترجمة و نوه بقدره عنده و أنه إن أرسله ينال مقصوده.
فأمر الأمير سيدي إبراهيم الرياحي رضي الله عنه بالسفرفسافر إلى بلاد المغرب.
و لما بلغ إلى حضرة فاس مشى أولا لدار سيدنا الشيخ رضي الله عنه ،عملا بوصية الخليفة الأعظم رضي الله عنه و لما استفتح الباب أجابته خادم :"هل أنت إبراهيم الرياحي التونسي ." فقال لها:" نعم!" فقالت له :" إن الشيخ رضي الله عنه أخبربمجيئك و أذن لي في إدخالك من غير إستئذان.". و أدخلته فوجد بدار الشيخ رضي الله عنه جماعة من أصحابه الذين فازوا بالإجتماع بسيدنا رضي الله عنه.
ثم قدم إليه قدح من لبن فشربه، و بعد ذلك خرج إليه جناب سيدنا الشيخ رضي الله عنه من خلوته ، و ذلك بعد أن أدى تحية الإجتماع به و أخبره سيدنا رضي الله عنه بوفاة شيخه الشيخ صالح الكواش، و أنه كان في جنازته و ذلك يوم الاثنين السابع عشر من شوال سنة 1218 ، و بعد ما قضى صاحب الترجمة وطره من الزيارة لجانب سيدنا رضي الله عنه، توجه للحضرة السلطانية فقابلته بما يليق به من إجلال و إكرام، و صار يتردد إلى الجناب العالي إلى أن نال منتهى المرام ، و رجع بالسلامة إلى قراره محرزا غاية آماله و أوطاره.
و من جملة الرسائل التي خاطبه بها سيدي الشيخ التجاني رضي الله عنه عندما طلب منه الإذن في الطريقة المحمدية قوله رضي الله عنه:"

بعد البسملة و الحمدلة و الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم.

إلى حبيبنا الفقيه الأنبل النبيه الأفضل أبي إسحاق سيدي إبراهيم الرياحي بتونس سلام الله و تحيته و رحمته و بركاته و إبراره و رضوانه و إحسانه و إكرامه و إنعامه و إعظامه عليك و على آلك و من لاذ بجنابك من الأهل و الجيران ما تعاقبت الأعصار و الأزمان و إني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو .
أما بعد فقد وصلنا كتابك الكريم و خطابك السليم ، فقد أجزتك في ذكر الورد الكريم المبارك العظيم فشد حيازمك فيما أنت بصدده و أيقظ نفسك من غفلتها، و لا تطعها طوعا في بطالتها، فإن الأمر جد لا هزل، و قف على ساق الجد و الكد فإن الفقير الناقض لميثاقه عقوباته شديدة و حسراته عديدة و كن على يقين من أمرك و لا تهمل ما كفيت و لا تعاط ما استكفيت فإن طريقنا هذه المحمدية قد خصت من الله عز و جل بخصوصية على سائر السبل ، يكل اللسان عن تبيين حقيقتها و لا ينتظم فيها و لا يأوي إليها إلا المقبول فضلا من الله عز و جل، و لو كشف الغطاء عنها لصبا إليها أعيان الأقطاب، كما يصبو رعاة السنين إلى الغمام ، و لولا ما نهيت أصحابي عن التصريح لأحد بالأخذ لها، لكان الواجب في حق كل من نصح الأمة جبر الناس عليها و الإتيان إليها و لكن لا مندوحة عن الوقوف عندما حد.
فتنبه و تبصر و لا تغتر إذ الطرق كلها آخذة بحجزتها لأنها أصل كلية الطرق منذ نشأة العالم إلى النفخ في الصور بوعد صادق من سيد الوجود صلى الله عليه و سلم .

ثم أذنت لك إذنا كليا كافيا متماديا من الآن إلى الأبد بلا تبديل و لا تحويل بشرط قطع زيارة الصالحين بحذافيرهم إلا النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه رضوان الله عليهم لا غير.
و قد من الله علينا بجوهرة الكمال أن كل من ذكرها إثنتي عشرة مرة على طهارة كاملة و قال:" هذه هدية لك يا رسول الله !" فكأنما زاره صلى الله عليه و سلم في روضته الشريفة و كأنما زار أولياء الله الصالحين من هجرته صلى الله عليه و سلم إلى حين الذكر. فتنبه رحمك الله إلى هذه المنح العظيمة و اليواقيت النفيسة التي من الله الكريم بها علينا من دون سائر الطوائف و طريقتنا مكتومة إلا عن سيد الوجود صلى الله عليه و سلم فإنه عالم بها و بحالها جعلنا الله و إياكم ممن تمسك بها و انخرط في سلكها في الحياة و في الممات في عافية و أمانة إلى الاستقرار في أعلى عليين بجوار سيد المرسلين.

و إياك ثم إياك العجز و الكسل و الحرج و التواني فيما أمرت به و الجلوس في موضع الريب و الضلال، و أوصيك بتقوى الله في السر و العلانية و إتباع السنة في كل قاصية و دانية و شاذة و فاذة في الأقوال و الأفعال، و الرضا عن الله في الإقلال و الإكثار و الإقبال على الله و مراقبته في جميع الأحوال و الإعراض عن الخلق في الإقبال و الإدبار و تحكيم السنة على جميع الخطرات، و عليكم بالاستقامة في جميع الحركات و السكنات ، و أوصيكم بالصبر، و مصاحبة الذكر و الجثوم إلى الله بكليتكم بشرط ترك الفضول .
و الصبر على الأذى أقرب للسلامة و أحمد في العاقبة .
و أساله تعالى أن يرزقكم تسديده و توفيقه و تأييده و أن يسعدكم و أن يتولى أمركم بما تولى به خواص عباده المحبوبين لديه و أهل الصديقية العظمى و الولاية الكبرى بجاه المصطفى صلى الله عليه و سلم و أن يجعلكم في كفالته و كفايته و كلاءته و ولايته و وقايته و هدايته و حراسته و حياطته و غفارته و صيانته و عزته و منعته إنه المستعان و عليه التكلان و أن يجعلكم من أوليائه الذين ذكروه خوفا و طمعا و تعظيما لجلاله و أن يكسوكم حللا من نسج مودته و أن يلبسكم النور الساطع من مسرته و أن يوقفكم على باب النظر من قربه و أن يطهر أبدانكم بمقاربته و أن يطيبكم بطيب أهل معاملته و أن يضع على رؤوسكم تيجان مسرته و أن يرفع لكم أعلام الهداية إلى مواصلته و أن يجلسكم على كراسي أهل معرفته و أن يشفي عللكم كلها بحكمته. إنه ولي ذلك والقادر عليه و صلى الله على سيدنا محمد و آله وصحبه و سلم تسليما."

فانظر رحمك الله إلى هذا الدعاء من سيدنا رضي الله عنه إلى هذا السيد الجليل تعرف قدره ، فهنيئا لسيادته ونفعنا الله ببركاته آمين.

و من جملة ما خاطبه به سيدنا رضي الله عنه :
" بعد حمد الله جل جلاله و عز كبريائه و تعالى عزه و تقدس مجده و كرمه .

يصل الكتاب إلى يدي حبيبنا و رفيع المكانة في قلوبنا سفير و جوال بحور العلوم و غواص ميادين الفهوم سيدي إبراهيم الرياحي التونسي السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و على كافة أهلك و أولادك و على كل من يلوذ بك و ينتسب إليك.

من كاتبه العبد الفقير إلى الله أحمد بن محمد التجاني و بعده:

فالسؤال منا عن أحوالك كيف أنت و كيف هي أحوالك أجراها الله على طبق رضاه و نسأل الله عز و جل لك أيها السيد الكريم أن يرزقك بين يديه وقفة كاملة صافية خالصة منه إليه و به ، تفوق موقف أكابر الصديقين و الواصلين و نسأل منه سبحانه و تعالى أن يهب لك هذه الوقفة بين يديه حالا و مآلا في الدنيا و الآخرة و أن يهيئ لك في تلك الوقفة خصوصية عظمى و موهبة كبرى و مقربة زلفى علما و عملا و حالا و ذوقا و تحققا ، إنه ولي ذلك و القادر عليه و نسأل منه سبحانه و تعالى أن يجعل نظرة فيك في الدنيا و الآخرة بعين عنايته و محبته و رحمته و اصطفائه و اجتبائه و أن يكفيك جميع المهمات و أن يكمل لك جميع المرادات . إنه ولي ذلك و القادر عليه و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم ."

إلى غيرذلك من مزايا صاحب الترجمة رضي الله عنه .

و فيما ذكرناه كفاية و له تآليف عديدة و مقالات مفيدة و قد ألف في التعريف به بعض العلماء من أحفاده تأليفا سماه:" تعطير النواحي بترجمة الشيخ سيدي إبراهيم الرياحي."

وتوفى صاحب الترجمة رضي الله عنه في سابع عشرة من رمضان المعظم عام ست و ستين و مائتين و ألف و ضريحه الشريف بتونس يقصد للزيارة من سائر الأقطار لقضاء الأوطار رضي الله عنه و أرضاه و نفعنا به ، آمين.




الفقيه سيدي محمد بن المشري رحمه الله

هو العالم العلامة الدراكة الفهامة خزانة الأسرار العرفانية و ترجمان الطريقة التجانية الشريف المنيف أبو عبد الله محمد بن المشري رحمه الله تعالى.

كان رحمه الله من خاصة الخاصة من أصحاب سيدنا رضي الله عنه والواردين من منهل علومه الوهبية و المطلعين على بعض أسراره الغيبية.

و قد اتخذه سيدنا رضي الله عنه إماماً في الصلاة ، و كاتباً له يقوم مقامه في الرسائل و الأجوبة و مؤلفاً لما سمعه أو عليه أملاه.

كان أول اجتماعه بسيدنا رضي الله عام ثمانية و ثمانين و مئة و ألف.

فخص منه وقتها بتلقينه إياه الطريقة الخلوتية ، و تلقى منه أسراراً و أذكاراً أخر حسبما أخبر بذلك عن نفسه رحمه الله و نفعنا به ، و بقي في صحبته من ذلك الوقت إلى أن توفي رحمه الله سنة أربعة و عشرين و مائتين و ألف.

و هو الذي ألف كتاب "الجامع لما افترق من العلوم" و كتاب "نصرة الشرفاء في الرد على أهل الجفاء".

و كان سيدنا رضي الله عنه قد اتخذه إماماً يؤم به في الصلاة لأنه رضي الله عنه كان في ذلك الوقت لا يحب أن يصلي إماماَ إلا إذا كان داخل داره فيؤم أهل داره و عياله .
و في عام ثمانية و مائتين و ألف تصدى للإمامة بنفسه رضي الله عنه لموجب قام به في ذلك الوقت.

وقد أخبر الثقات من أصحاب سيدنا رضي الله عنه أنه فعل ذلك بإذن من النبي صلى الله عليه و سلم ، و كان يقول رضي الله عنه :" أمرني من لا تسعني مخالفته أن لا أصلي خلف أحد ما عدا الجمعة."

و لهذا كان رضي الله عنه إذا كان فرضه التيمم و حضرت الصلاة و هو مع أصحابه صلى بهم و الحال أنهم متوضئون ، ولكن بعد أن يقول لهم :"إنّ فرضي التيمم فإن شئتم أن تجتمعوا على إمامٍ فافعلوا ."
فلا ينكر على من اجتمع إلى غيره و من صلى معه أقره على فعله بناء على قول ابن العربي و ابن الماجشون في ذلك .
و كان صاحب الترجمة قوي الحال في المحبة لجنب سيدنا رضي الله عنه لدرجة أنه لما مرّ و هو راكب على فرس بضريح بعض أهل التصرف بإذن الله بالصحراء ، و كان من أجداده رحمه الله تعالى ، فلم يزره . فساخت بعض قوائم فرسه في الأرض .
فالتفت إلى صاحب ذلك الضريح وقال له:" و الله ، حتى تسرح فرسي أو أشكوك إلى الشيخ يتصرف فيك!". فسرحت الفرس كأن لم يكن بها شيء.

وهذا من غرائب أوصاف المحبة التي كان يكنها إبن المشري رحمه الله لسيدنا رضي الله عنه .



توفي صاحب الترجمة رضي الله عنه في الصحراء سنة أربع و عشرين و مائتين و ألف.
و قال مؤلف " جواهر المعاني" في تحليته بعد ذكر صفات سيدنا رضي الله عنه ما نصه:
"و من جملة صفاته رضي الله عنه أنه لا يؤم أحداً إلا أن يكون في داخل داره و عياله .
و يصلي هو خلف الأئمة إلا أن يكون مانع شرعي ، كأخذهم الرشوة أو غيره فلا يصلي وراءهم و هذا كان في ابتدائه و كان له إماماً و هو العالم العلامة و الدراكة الفهامة الجامع بين الحقيقة و الشريعة و الإفادة و علوم الطريقة خازن سره ، و حافظ عهده و محل وده و خليل أنسه أبو عبد الله سيدي محمد ابن محمد المشري الشريف المنيف الكامل العفيف الحسني السائحي السباعي أصلاً التقرتي الموطن من خط الجريد و هي معروفة من عمل اقسمطينة و دارهم دار علم و صلاح و رشاد و فلاح و لا زالوا إلى الآن من العلماء العاملين و الأئمة المهتدين و جلهم أخذ طريقة شيخنا رضي الله عنه .
و يقصدونه بالزيارة من بلدهم نحو عشرين يوماً أو أزيد و يأتون بالأموال العظيمة لسيدنا رضي الله عنه ، دراهم و كسوة و تمراً.

و قد وافيتهم مرارا متعددة عند سيدنا، و لا رأيت أحسن منهم سمتاً و ديناً و علماً، و جلهم علماء منذ عرفنا سيدنا رضي الله عنه و تأتيه الوفود من جميع النواحي و الهدايا ، ما رأيت أحسن منهم في الأدب و التعظيم و حسن النية.

و يعاملهم سيدنا رضي الله عنه بما لا يعامل غيرهم من الأعراض عنهم و بعدم المبالاة لهم كما يفعل مع غيرهم.
فكلمته رضي الله عنه في ذلك ، فقال لي:" ليسوا كغيرهم إنما يطلبون المقامات العلية و الأحوال السنية رضي الله عنهم."

و لا زال هذا السيد رضي الله عنه مع سيدنا رضي الله عنه من سنة ثمانية و ثمانين و مائة و ألف إلى الآن و هو مع سيدنا بفاس عام ثلاثة عشر و مائتين و ألف ..."
و هو رحمه الله من بين المفتوح عليهم في هذه الطريقة المحمدية قيد حياة سيدنا رضي الله عنه و لذلك أمره رضي الله عنه بالسفر من البلد الذي هو فيها .
قال صاحب الترجمة في كتابه" الجامع":
" و سمعته رضي الله عنه يوماً يقول:
" إذا فتح الله على أصحابي فالذي يجلس منهم في البلد الذي أنا فيه يخاف على نفسه من الهلاك."
فقال له بعض أصحابه:" منك أو من الله ؟"
فأجابه بقوله : " من الله تعالى ، من غير اختيار مني . "

وقد سافر كما أمره سيدنا رضي الله عنه لتلمسان و للجزائر و لأبي سمغون و لعين ماضي بعد ما تسامح مع من بفاس من الأحباب .
و توفي رحمه الله تعالى بعين ماضي و أمر سيدنا رضي الله عنه بتجديد الإذن لكل من أخذ عنه الورد حيثما كان.
و ضريحه رضي الله عنه بجانب ضريحي والدي سيدنا رضي الله عنهم أجمعين بعين ماضي . آمين .

مقتطف بتصرف من" كشف الحجاب"

القطب سيدي الحاج علي التماسيني

هو القطب الكامل والغوث الفاضل ذو الكرامات الجمة والفضائل الشائعة ، بدر السعادة وشمس الهداية التي تقتبس منها الأنوار في سبل المطالب ، ذو الكشف الصريح ، الشريف الأصيل أبو الحسن سيدنا الحاج علي بن سيدنا الحاج عيسى التماسيني رضي الله عنه .
هذا السيد الجليل من خاصة الخاصة من أصحاب سيدنا رضي الله عنه ، المشهود لهم بالفتح الكبير في حياته وبعدها.ويرجع أصل سيدنا الحاج علي إلى ينبع النخيل بالمملكة السعودية ، ثم نزح أجداده الأولون إلى سجلماسة بالمغرب الأقصى ، ليستقر بهم المقام فيما بعد ببلدة تماسين بالجزائر ، التي ولد فيها ونشأ سيدنا الحج علي سنة 1180هـ الموافق لـ 1766م.
وأول اتصال له بالشيخ رضي الله عنه ، تم عبر سيدي محمد بن المشري ، وذلك تحت الظروف التالية:
سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه، أودع سيدي محمد بن المشري ، أمرا وأمره أن لا يعطيه إلا لمن طلبه منه فتنقل هذا الشريف بين بني عمومته، عله يجد أحدا منهم ينال هذا الخير، إلا أنه لم يعثر على صاحب الأمانة بينهم، فرحل إلى وادي ريغ في تماسين،فالتقى بسيدي الحاج علي، وهو خارج من بستانه، فسلم عليه، واستضافه وتواعدا أن يلتقيا في المسجد بعد صلاة العشاء. وبعد الصلاة توجها إلى بيت سيدي الحاج علي، وتناولا العشاء، ثم طلب المضيف من ضيفه الأمانة التي أودعها عنده الشيخ الأكبر، فأنكر سيدي محمد بن المشري أولا اعتقادا منه أن مثل هذا الرجل ـ وهو لم يره من قبل ـ لا يصلح لتحمل هذا السر ولكن بعد أن لاطفه سيدي الحاج علي وألح عليه في الطلب تبين له أنه هو صاحب الأمانة، وأعطاه إياه وقال: "لا مانع لمن أعطاه الله" ، وكان ذلك سنة 1203 هجري عندما كان يبلغ من العمر 23 سنة.
فيما بعد ،مر وفد من أهالي قمار برئاسة الولي الصالح وأحد السابقين الأولين لاعتناق الطريق سيدي محمد الساسي بالقرب من تماسين في طريق عين ماضي لزيارة الشيخ رضي الله عنه ، اعترضهم سيدي الحاج علي وسألهم عن وجهتهم وأكرم نزولهم وقـدم لهم طعاما شارك في إحضاره ووعدهم أن يكون زائرا معهم في العام القادم .
جاء موعد الزيارة جاء وفد قمار كعادته قاصدا عين ماضي لحضور عيد الأضحى مع القطب المكتوم فوجدوا سيدي الحاج علي ينتظرهم للسفر معهم ، فوصلوا في أمان وبلغوا حــضرة المكتوم فانكب عليه سيدي الحاج علي باشتياق فأمسكه الشيخ رضي الله عنه من طرف ثيابه وأجلسه إلى جانبه وكان ذلك سنة 1204هـ.

استولى حب الشيخ رضي الله عنه على ذات سيدي الحاج علي ولم يستطع الرحيل إلى بلده ومفارقة سيده، ولما ذكره من جاء معهم بأهله وأولاده قال لهم:" هم تحت نظره وهو أدرى بحالهم."

بعد هذا لازم سيدنا رضي الله عنه سنوات طوال كان لا يقدم فيها إلى تماسيـن إلا شبه ضيف، وقت جني التمر، ثم يعود إلى ملازمة شيخه، وبقى على هذه الحال إلى أن بلغ مقامه الذي اصطفاه الله له واختاره للقيام به.
وبعد ذلك أمره سيدنا رضي الله عنه بالرجوع إلى تماسـين حيث قال له: "لما ترجع على خير إلى بلادك تماسين اشرع في توسيع دارك، واجعل محلا للصلاة و الذكر، واجعل كذلك محلات للواردين عليك، وأكثر من تأسيس الأبنية، فإنك تصير مقصدا يقصدون إليك الناس من كل النواحي، ولا تخف من ذي العرش إقلالا واستعن بالله على ذلك".
وبعد استقرار الشيخ رضي الله عنه بفاس ، كثيرا ماكان يقدم سيدي الحاج علي لزيارته ،وعندها يقدمه للإمامة في الزاوية مع كثرة من بها إذاك من الكبراء والفضلاء.
وقد اتفق له يوما في الصلاة شيء مما يخل بها فذكر ذلك للشيخ رضي الله عنه ، وكان ذاكر ذلك يستفهمه هل يؤثر ذلك خللا في صحتها ، فأعرض الشيخ عن جوابه على وفق ما أراد وقال:" ذلك رجل مفتوح عليه ! والصلاة خلف المفتوح عليه مقبولة ." وناهيك بهذا شهادة من الشيخ رضي الله عنه ، لهذا السيد تنويها بقدره.
وحدث الشريف الأجل المقدم البركة المبجل خديم سيدنا رضي الله عنه سيدي الطيب بن محمد السفيان ، أنه في المدة التي ولاه سيدنا رضي الله عنه النيابة في الإنفاق على داره وقضاء حوائجه ، سأله الشيخ رضي الله عنه عن بعض إمائه ، وكانت مريضة. فقال له:"هل اشتريت لها الدواء؟ " قال : "فقلت له:" يا سيدي قد اشترينا لها عدة من الأدوية فلم يظهر لها أثرولعل الأوفق لها هو الكتابة (يعني الرقية)." قال : فقال لي رضي الله عنه:" ومن يكتب لها؟ ، ثم قال رضي الله عنه:" ما رأيت من هو أهل لذلك إلا سيدي الحاج علي التماسيني لو كان حاضرا." قال فقلت له :" وأنا أريد أن تأذن لي في ذلك ، يا سيدي كل من أذنت له في ذلك سيدي الحاج علي. " قال:" فلم يقبل مني ذلك وجعل رضي الله عنه يقول : وأين مثل سيدي الحاج علي يا فلان ؟!! " ، وكررها منكرا علي ماقلته حتى وددت أني ما ذكرت له ذلك.وكفاه هذا من شهادة الشيخ بالخير والبركة.
ومن المتواتر عن صاحب الترجمة رضي الله عنه ، أنه كان بعد استيطان الشيخ رضي الله عنه مدينة فاس ، يأتي لزيارته بطريقة الخطوة ، حتى زجره رضي الله عنه عن ذلك ونهاه عنه ، وقال له : " إن كنت تريد مواصلتي لله فلا تأتي إلا كهيئة عامة الناس بنعلين وعكازه مع رفقة تذوق جميع ما يذوقونه في الطريق من العطش والإعياء والخوف وغير ذلك."
ومما حدث به بعض الخاصة من أصحاب سيدنا رضي الله عنه ، أن سيدنا الشيخ رضي الله عنه صلى العصر ذات يوم بباب داره ، وصلى معه جماعة نحو الثمانين من أصحابه وحين التفت من صلاته وأقبل بوجهه على من صلى معه ، لم يشعروا أن سقط بينهم عرجون تمر ، فنظر إليه الحاضرون ولم يعرفوا من أين سقط عليهم ، وتحيرت عقولهم ، فلما رأى الشيخ رضي الله عنه ذلك من حالهم قال لهم: " هذا فعل ذلك الرجل ووصفه بالبهلول أو نحو ذلك." ثم سماه لهم .
ولم اجتمع بالشيخ رضي الله عنه بعد ذلك فقال له الشيخ :"ما الذي حملك على فعلك هذا؟" فقال له:" يا سيدي أعذرني فاني كنت في ذلك الوقت في حائط لي والخدام يجنون التمر فرأيت ذلك العرجون فأعجبني فتمنيت لو أن يصل إلى دارك على حالته ، فحملني ذلك على أن رميت به وقلت له سر حتى تنزل بين يدي سيدي." فزجره الشيخ رضي الله عنه ونهاه عن مثل ذلك.
وبعد وفاة الشيخ رضي الله عنه ،ظهرت على صاحب الترجمة أثار الفتح الكبير وتصدى للتربية في الطريقة ، وظهر عليه فيضان وجداني لا يوجد مثله في كمل المشايخ ، فصار الناس يأتونه من سائر الأفاق للأخذ عنه والتبرك به ، وحدث له في يوم أن اجتمع عنده نحو مائتي رجل كلهم يطلبون التقديم في الإذن منه رضي الله عنه في اعطاء الورد ، وكلهم من الأفاق البعيدة .
وكان لصاحب الترجمة رضي الله عنه ، اليد الطولى في المكاشفة والتصرف التام. وكان كثير الرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم .
ونحكي هنا منقبة له عن رؤية الأولياء له صلى الله عليه وسلم :
حدث يوما أن تجاذب رضي الله عنه أطراف المذاكرة مع بعض الإخوان ، فقال :" يا فلان إن من الرجال الحاضرين معك هذا الزمان من لا يفعل فعلا قل أو جل إلا على إذن منه صلى الله عليه وسلم من طريق المكاشفة والعيان ، حتى أنه لا يقوم لفراشه الذي ينام فيه إلا إذا أمره صلى الله عليه وسلم بذلك ."
وقد فهم عنه من سمع منه ذلك أنه يعني نفسه رضي الله عنه .
ويحكي سيدي أحمد العبدلاوي رضي الله عنه ، أنه كان مسافرا مع قافلة وله ثلاثة أحمال ، وكان حاكم البلاد يأخذ على حمل ريالا ، ولم يكن معه شيء من الدراهم يدفعه . فاستحضر همة صاحب الترجمة وسأل الله بجاهه السلامة مما يعوقه عن السفر ، ثم سافر مع القافلة ، فلم يبق أحد منهم إلا ودفع وجبته إلا هو ، مر ولم يدفع شيئا ، ولا طلب منه أحد شيئا .بل ستره الله عن أعينهم ، فلما بلغ سيدي الحاج علي قال له كالمذكر له :" يافلان هل دفع الناس للفرنسيين الأريلة ؟" فقال: نعم إلا أنا سترني الله عن أعينهم ببركة جاهكم عند الله ."
سيدي الحاج علي التماسيني رضي الله عنه ، كان لا يبرم أمرا من الأمور المهمة إلا بمشورة سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه . وكان هو بنفسه يصرح بأنه هو القطب بعد سيدنا رضي الله عنه لبعض خاصته ، وقد اشتهر في زمانه بذلك .
ويحكي سيدي العبدلاوي رضي الله عنه أنه كان في يوم من الأيام مع صاحب الترجمة ، فأراد أن يطلب منه التقديم لتلقين الورد الشريف ونوى ذلك في خاطره قال : " فبمجرد ما خطر ببالي هذا الخاطر التفت إلي وقال لي رضي الله عنه : "أنت مأذون في إعطاء الطريقة لكل من طلبها." فحمدت الله على هذه النعمة العظيمة ." ، وهكذا كان يكاشف كل من يأتيه .
توفي رحمه الله سنة 1260 للهجرة ودفن رضي الله عنه بداره في تماسين ، ولا زال قبره تمطر عليه الرحمات في كل حين .

سيدي محمد بن العربي التازي الدمراوي

هو الولي الكبير والعارف الشهير ذو الكرامات الظاهرة والمناقب الفاخرة،من تطهر من كدرات النفس بالتخلق بالأخلاق السنية، وتحلى بحلى المعارف القدسية، المشهور بالولاية العظمى،الشريف الجليل أبو عبد الله سيدي محمد بن العربي التازي دارا الدمراوي أصلا.
هذا السيد الجليل من أكبر خاصة الخاصة من أصحاب سيدنا رضي الله عنه .وقد كان واسطة بين سيدنا رضي الله عنه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ،فيما لايقدر أن يطلبه منه مشافهة لشدة الحياء، كما هي عادة الأفراد المحمديين في كونهم يستعملون وسائط بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم في طلب مايريدونه منه ولا يقدرون أن يخاطبوه من شدة حيائهم منه صلى الله عليه وسلم ،واستغراقهم في محاسنه عند الاجتماع به ونسيان أنفسهم وجميع مطالبهم بين يديه صلى الله عليه وسلم.
لقد كان سيدي محمد بن العربي رضي الله عنه مع صغر سنه، كثير الاجتماع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة. ويروي سيدي أحمد العبدلاوي رضي الله عنه،بأن سيدي محمد بن العربي رضي الله عنه كان قد اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين مرة في يوم.وقد وصى عليه النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا رضي الله عنه،فكان معتنيا به غاية الاعتناء.
خلال الفترة التي قضاها سيدي أحمد التجاني بابي سمغون،كثيرا ماسا فر إلى تازة ،بقصد ملاقاة صاحبه وتلميذه،العارف الأكبر سيدي محمد بن العربي،لأنه كان في ذلك الوقت من أكبر أصحابه وخاصته من أحبابه.
كان لسيدنا رضي الله عنه مزيد اعتناء بشأنه، وفقا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم، فكان رضي الله عنه يزوره في حياته وبعد مماته في قبره.وهذه الوصية لم يذكرها صاحب كتاب الجواهر، وهي مما ثبت بالتواتر عن الشيخ رضي الله عنه.
قال سيدنا أحمد التجاني :" أوصاني صلى الله عليه وسلم على سيدي محمد بن العربي وقال لي له حق علي"
وقال في الإفادة بأنه شريف من أدمر بناحية تازة. له مناقب عديدة ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح له بأنه يحبه. وبأنه كان الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وسيدنا رضي الله عنه بإذن منه صلى الله عليه وسلم.
لما توفي رحمه الله، جعل سيدنا رضي الله عنه مكانه الخليفة الأعظم سيدنا الحاج علي حرازم رضي الله عنه، بأمر منه صلى الله عليه وسلم أيضا.
سيدي محمد بن العربي شريف من الشرفاء الطاهرين ، وقد توفي مقتولا،ذلك أنه لما استوطن بعين ماضي وظهرت له مناقب شتى ، حتى صارت نساء الوطن كله يتحدثن بها، ويعيرن رجالهن به ، حصل من الحسد لبعض أعدائه أن أغروا عليه من يقتله ، وكان كثيرا مايتردد إليه قاتله قبل ذلك ويسأل منه الدعاء ، فيزجره ويقول له :"اذهب عني يافاعل ابن الفاعل،إن الأعداء سيواجرونك على قتلي ".
فكان كما ذكر رحمه الله، فأتاه يوما على حين غفلة وضربه برصاصة خر بها إلى الأرض وكان أمر الله قدرا مقدورا، وكان رحمه الله عازما على أن يتصرف في أهل عين ماضي، لأجل ما يعلم من فعل أعدائه به بطريق المكاشفة.
فلما توفي رحمه الله،أراد أحد الأولياء المعاصرين له القاطنين بتونس والذي لم يكن ينتسب لطريقة التجانية، أن يأخذ ثأره منهم،فكتب له سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه كتابا يحذره فيه من التعرض لهذا الأمر وإلا يسلبه،وأرسله له مع جماعة من أصحابه منهم العلامة سيدي بن المشري رحمه الله،فلم يسعه إلا امتثال الأمر بإلقاء السلاح.وقد أخذ الله أعداءه المتسببين في قتله مع قاتله أخذا وبيلا.حفظنا الله من الوقوع في سادتنا الأولياء المؤدي إلى الخسران المبين.
وكان صاحب الترجمة رضي الله عنه،أعجوبة الزمان فيما يبديه من الأسرار والعرفان،وكان يتلقى من النبي صلى الله عليه وسلم في المنام واليقظة مايدهش العقول ولا يدركه إلا أكابر الفحول.
في أحد الأيام رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يعلمه بعض الأبيات الشعرية،فلما استيقظ وجدها في فيه يذكرها فحفظها،فبعد ذلك لقي سيد الوجود صلى الله عليه وسلم يقظة-وكان يلاقيه كثيرا-فسأله عن معنى الأبيات وطلب منه شرحها،فأجابه لذلك مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم،وصرح له بالقول لولا محبتك في التجاني ما رأيتني قط .وقال له أعط شرح هذه الأبيات للتجاني.
ومن جملة الأسرار التي أجراها المولى جل جلاله على لسان صاحب الترجمة،الصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم المرتبة على حروف المعجم،المسماة بياقوتة المحتاج في الصلاة على صاحب المعراج صلى الله عليه وسلم.وذلك بإذن منه صلى الله عليه وسلم،وقال له فيما معناه أمر المؤمنين بقراءتها والحث عليها فإنها ينتفع بها إن شاء الله تعالى.
سيدي محمد بن العربي رضي الله عنه،كان قبل أخذه لطريقة التجانية، ينتسب لطريقة بل بن عزوز،الذي قال فيه سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه،قال لي سيد الوجود صلى الله عليه وسلم: "بل بن عزوزشيطان هذه الأمة"
ولما تلاقى مع سيدنا رضي الله عنه،طلب منه الإذن في طريقته لما شاهده من كرامات سيدنا رضي الله عنه،فقربه سيدنا رضي الله عنه لما تقدم من وصية سيد الوجود صلى الله عليه وسلم.
ومما يروى عن صاحب الترجمة رضي الله عنه،أن سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه،بعث إليه بالقدوم بين يديه،وأرسل إليه صاحبه سيدي الحاج المسقم فجاء إليه بفرس لبعض أصحابه ليحمله عليها،فوجده بتازة فأخبره بما أمره سيدنا رضي الله عنه،فقام في الحين لأداء هذا الواجب
فبينما هو في طريق السفر إذ ماتت الفرس،فأمر سيدي العربي روحانيا أن يدخل فيها ليبلغه لأبي سمغون فسار به.ثم قال له مرافقه :"ياسيدي إن هذه الفرس قد أضرتني برائحتها" .
فأمره بالإسراع في المشي،فبمجرد الوصول ونزوله عن الفرس سقطت الدابة إلى الأرض وخرج الدود منها.ثم تلاقى مع الشيخ رضي الله عنه وتكلم معه في سر من الأسرار.
ومن جملة كراماته أيضا،أن زوجته بعين ماضي اشتهت عليه عسلا في بعض الأيام ولم يكن الوقت وقت عسل ،وكان من عادته معها أن لايخسر لها خاطرا،فطلب منها المسامحة فأبت ثم قال لها :"أخرجي لصحن الدار فإن شيخنا التجاني رضي الله عنه بعثها إليك." فخرجت فوجدت هناك جلودا ممتلئة بالعسل.وكانت تباهي بزوجها على نساء الحي، حتى إنهن يغرن منها،مما كان سببا لقتله رحمه الله تعالى كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.
ويحكي ابن سيدنا رضي الله عنه، بأن في بعض الأيام إذا احتاج الزرع إلى الماء يأتي السحاب ويسقي زرع سيدي العربي،وما حوله لايسقيه.وهذا من عجيب كرامات سادتنا الأولياء رضي الله عنهم.
سيدي العربي الدمراوي كانت لديه مشاكل مع بعض كبراء القبائل، فاتفقوا على محاربة كل من منعهم من البطش به،وطلبوا من أهل عين ماضي أن يسلموه لهم وإلا هدموا عليهم أماكنهم.
مما دفع أهل عين ماضي، أن طلبوا من سيدي العربي الذهاب إلى أولائك القوم لملاقاة ماقدره الله عليه،فلم يرفع رأسه إليهم بل صار يخط بيده على الأرض شيئا كالكتابة، ثم أخد كاغدا صغيرا ورسم عليه حروفا وقسمه قسمين ورمى بها ناحية القوم الذين طلبوه،فطارا في الهواء ثم التقيا وقال لاتزال هكذا إلى يوم القيامة،فاتفق من قدر الله أن تخاصم أولائك القوم في ذلك الوقت فيما بينهم وتضاربوا وتشتت كلمتهم،واستمرت عداوتهم.
قال سيدي أحمد العبدلاوي بأن سيدي محمد العربي الدمراوي من شدة الفتح الذي حصل له،طمع في الوصول إلى المرتبة التي رآها لسيدنا رضي الله عنه،وقد كتب لسيدنا رضي الله عنه بأنه رأى مقاما بين النبوءة والقطبانية وأنه غير موروث،وإنما هو لواحد من هذه الأمة،وأخبره بأنه كان يطمع فيه لنفسه ثم تذكره وخاف على نفسه من السلب إذا طلبه من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن له،ثم أخبر أنه لشيخ رضي الله عنه.
فسارع إلى إخبار سيدنا رضي الله عنه،وطلب منه أن يجعل له جزاء بشارته ثواب ذكر عشر مرات من الاسم الأعظم،وذكر عشر مرات من ثواب الفاتح لما أغلق،وعشر مرات من ثواب مفتاح القطبانية.وذكر أن الله عز وجل بسط لسان سيدنا في الذكر إلى غاية لم يصلها غيره،وجعل ثواب كل مرة من ذكره ما لو ذكر هو وأولاده وأجداده وأجدادهم مدة سبعين سنة،لم يصلوا ثواب مرة واحدة من لسان سيدنا رضي الله عنه.
ومن بين القصص التي رددت على ألسن الثقات،هذه القصة التي تحكي بأن جماعة أتت لزيارة سيدي العربي الدمراوي رضي الله عنه.ومنهم سيدي محمد بن المشري والعارف بالله سيدنا الحاج علي التماسيني.فسألوه السؤال التالي:"هل البهائم عند موتها تدخل الجنة؟"
وقال:"يظنوني عاقل مع أنني أحمق.لكن من أحبني على حمقي يدخل الجنة ومن أبغضني يدخل النار." قال:" فتحيرت في سؤالهم ولم أعرف الإجابة حتى اجتمعت بالنبي صلى الله عليه وسلم وسألته عن ذلك."
فأخبرني بأن منها من يدخل الجنة، وهي بهائم الأنبياء والرسل والأولياء والبهائم التي تموت في الجهاد والتي يحج عليها ونحو ذلك مما يقتل في سبيل الله.وتلك الجنة غير جنة العقلاء ولا بناء فيها، وهي مملوءة بالنبات الذي تشتهيه وتحبه تلك البهائم.
سيدي محمد بن العربي رضي الله عنه توفي في عين ماضي (الجزائر) وعمره 28 سنة.ولم يخلف سوى ابنتين.توفي بشهيرات قبل أن يرتحل سيدنا رضي الله عنه إلى فاس.وقبره في عين ماضي مشهور يقصد للزيارة والتبرك.

سيدي محمد الحافظ العلوي الشنقيطي رضي الله عنه

هوصاحب المناقب الشائعة و الأنوار الساطعة و الفضائل الفاخرة و الكرامات الظاهرة الولي الكبير و العارف الشهير علامة زمانه و فريد عصره و أوانه أبو عبد الله سيدي محمد الحافظ العلوي الشنقيطي أحد خاصة الخاصة من أصحاب سيدنا رضي الله عنه المفتوح عليهم بالولاية الكبرى و قد ترجم له صاحب البغية عند قول المنية في تعداد المشهود لهم بالفتح على يدي سيدنا رضي الله عنه.
لما حصّل الشيخ الحافظ رضي الله عنه من العلوم الرسمية ما حصّل و صار إماماً يرجع إليه فيها. عزم على الحج لبيت الله الحرام و زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم.
وجعل من أهم مقاصده التي يطلبها في رحلته تلك ملاقاة شيخ كامل من أهل الله تعالى.
فاتفق أن رافقه في الرّكب الذي توجه فيه رجل من أهل سجلماسة .
فلما حصلت بينهما الأُلفة أفضى كلا منهما لصاحبه بسره و كان مطلب الرجل السجلماسي كمطلب الشيخ الحافظ فتعاهدا على أن يخبر من عثر على المراد في ذلك صاحبه.
فلما وصلا مكة جعل الشيخ الحافظ رحمه الله تعالى لا يبقي جهدا في طلب ذلك من الله تعالى في جميع أماكن الإجابة.
فبينما هو ذات يومٍ في الطواف إذ لقيه رجل وأسر إليه " شيخك هو فلان! " و ذكر له اسم الشيخ رضي الله عنه و لم يكن قد سمع به من قبل.
فأتى صاحبه و أخبره ثم جعلا يسألان عن الاسم الذي ذكر لهما حتى انتهيا إلى أهل المغرب فقال لهما بعض الناس:" انظروا أهل فاس!" فأتيا جماعة من سوقة أهل فاس فسألاهم.
فقال لهما بعضهم: "هناك عندنا بفاس رجل فقيه يعمل كذا و كذا..." و وصفه بالحكمة و علم الكيمياء وكأنه يريد بذلك تنقيصه و تابعه على ذلك جماعة إلا واحداً منهم وقال لهما :"انظرا تلك الجماعة!" للتحقق من خبره . فأتيا تلك الجماعة فسألاهم فأثنوا خيراً و عظموا الجانب و ذكروا العلم و الوِلاية و نحو ذلك،
و قالوا لهما: "ههنا رجلا هو أخص الخاصة من أصحابه!" يعنون سيدي الحاج علي حرازم رضي الله عنه، فنعتوا لهما محله ، فأخبرهما رضي الله عنه بأمر سيدنا رضي الله عنه فأخذ ذلك بمجامع قلب الشيخ الحافظ .
وعزم على التوجه لفاس بعد قضاء حجه و زيارته ، ودعا لذلك رفيقه فلم يستطع مفارقة الرّكب السجلماسي حيث لم يقسم له من الله تعالى شيء عند الشيخ رضي الله عنه.
ثم بعد قضاء حجه و زيارته توجه إلى فاس فأقام عند الشيخ رضي الله عنه في زاويته المعروفة يربه مدة و حين أراد الرحيل إلى بلده أجاز له الشيخ رضي الله عنه في الطريقة إجازة مطلقة و لم يقيد له بشيءٍ إلاّ في التقديم فقط ، فلا يزيد فيه على عشرة و هذا القيد خاص بهذا السند الحافظي كما خص السند الغالي بالتقييد بأربعة.
و عند موادعته للشيخ رضي الله عنه قال له : " أوصني !" . فكانت وصية الشيخ رضي الله عنه له أن قال له : "لا تظهر بنفسك حتى يكون الله تعالى هو الذي يظهرك."
فتوجه لبلده و أقام بها مدة يدرّس العلم للطلبة و لا يدعو أحدا إلى الطريق و لا لغير ذلك ، عملا بوصية الشيخ رضي الله عنه.
فاتفق أنّ رجلا ممن كان يشار إليه بالصّلاح و ملاقاة الخضر عليه السلام
أتاه ذات يوم بعد أن صلّى العصر بتلامذته و جلس إليهم يذاكرهم.
فلما دنى هذا الرجل من المجلس قيل له :" هذا فلان!" فقال :" سبحان الله!" ثم قام إليه و رحب به و أجلسه إلى جنبه.
فامتنع الرجل أن يجلس إلا بين يديه. ثم قال له : " أتدري لماذا أتيتك ؟ " قال: "لا!".
قال : " أتيتك بإذن لتعطيني الأمانة التي أتيت بها من التل." فقال له "يا سيدي! و أي شيء أتيت به من التل؟ إنما أتيت ببعض الكتب، فإن كان لك غرض في بعضها جئتك به و هو لك. " فقال له الرجل:" دعني يا سيدي من هذا و إنما أتيتك لتعطيني ورد الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه الذي أتيت بالإذن فيه ! " فأذن له في الورد .
فقام جميع من حضر ذلك المجلس و رغب إليه في تلقينه إياه و سار كل واحد منهم إلى أهله و عشيرته فقص عليهم خبر السيد المذكور فلم يبت بيت في تلك الليلة من البيوت القريبة من منزل الشيخ الحافظ إلا و بات فيه ذكر الشيخ رضي الله عنه.
و من الغد أتاه الناس أفواجاً للأخذ عنه ثم تواصل ذلك و تراسل ، فانتشرت الطريقة على يده أيّ انتشار .
تخرج على يده في تلك الأقطار عدد لا يحصى من الرجال و لو لم يكن منهم إلا الولي الصالح الناسك الفاضل سيدي "مولود فال" لكان كافيا في هذا المجال و لو لم يتخرج على يدي سيدي مولود المذكور من الأخيار إلا الحبر الكبير والسيد الشهير" سيدي بانم" المعروف " بولد حمّ ختار " لكان أيضا كافياً .
و الشيخ بانم رضي الله عنه كان في بدء أمره مقيدا بالطريقة الكنتية ثم بدا له الانتقال إلى الطريقة التجانية فتخلى عن الأولى و أخذها.
فذكر أنه بعد ما أخذها رأى النبي صلى الله عليه و سلم في المنام و الشيخ رضي الله عنه و سيدي مختار الكنتي جالسين بين يديه صلى الله عليه و سلم.
قال:" فجعل الشيخ سيدي مختار يعاتبني على ترك ورده و انتقالي إلى ورد الشيخ و طريقته و أنا أنظر إلى الشيخ عساه أن يجيبه عني فإذا هو رضي الله عنه مطرق رأسه غاض بصره بين يديه صلى الله عليه و سلم متأدب غاية الأدب لا يلتفت و لا يطرق.
فلما أكثر عليّ الشيخ سيدي المختار العتب التفت إليه النبي صلى الله عليه و سلم وقال له: " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" فانقطع و سكت عني حينئذ.
وهذا الشيخ الرّائي من مشاهير أهل العلم وصّلاح وحدّث بهذه الرؤيا عنه أمثاله العدول الثقات. وفيها اعتبار ما بين مقامي الشيخين و بين حاليهما بين يدي سيّد الكونين صلى الله عليه وسلم .


حجة الإسلام العارف بالله سيدي الشيخ محمد الحافظ التجاني

(1315 هـ - 1398 هـ)
بقلم
أحمد محمد الحافظ
العارف بالله تعالى الشيخ محمد الحافظ التجانى


نسبه ومولده :
هو رضى الله عنه المحدث الشيخ محمد الحافظ بن عبد اللطيف بن سالم.
ولد عام خمسة عشر وثلاثمائة و ألف هجرية في ربيع الثاني في بلدة كفر قورص مركز أشمون بإقليم المنوفية من أعمال الديار المصرية. وهو شريف حسيني من جهة أبيه، يتصل نسبه بسيدنا الحسن من جهة جدته لأبيه : فأنها من آل سيدي الشيخ سليم السباعي صاحب المسجد المعروف بالسبتية بمصر القاهرة، أما أمه فمن بنى رزاح فصلة سيد عمر بن الخطاب من بنى عدى بن كعب وأمها شريفة من آل الخطيب النازلين ببني رزاح.

نشأته :
يقول الشيخ محمد عال بن فتى شيخ الإسلام بموريتانيا : لقد نشأ شيخنا الحافظ بين أبوين كريمين عفيفين حريصين على تربيته وتعليمه أحسن تربيه وتعليم، وقد ظهر عليه أثر ذلك ولله الحمد، والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه.
وهل ينبت الخطي إلا وشيجة
وتغرس إلا في منابتها النخل
كان يعيش متواضعاً زاهداً لا يمتاز عن جلسائه ومريديه، يجلس ولا مجلس، يدخل على الأمراء بلباسه الذي يلبسه مع الفقراء لا يتصنع لأحد بالغاً ولا تأخذه في الله لومة لائم، لا يقر على مكر، ولا يتواضع لغنى لغناه، ولا يقبل لهدية إلا ممن علم صدقه ويكافئه عليها تأسياً بجده فإنه كان يقبل الهدية ويكافئ عليها ولما في ردها من كسر خاطر مهديها، وهو لا يقابل أحداً بما يسوئه، وهو من حسن الخلق والكرم بالمكانة آلتي لا تدرك. لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ما أنفقت شماله. متأدب بآداب السنة مجانب كل بدعة وضلالة، ولا يظن كل أصحابه انه أحب إليه من غيره ويبش في وجوههم كلهم. يرحم صغيرهم ويوقر كبيره ويعظمهم بالمواعظ آلتي تنشق لها الحجارة لأن كل قول يخرج عليه كسوة القلب الذي خرج منه فما خرج من القلب بصدق نية دخل القلب وما خرج من اللسان لا يجاوز الآذان أ هـ.

ملبسه :
حسن الهندام سليم الذوق جميل المنظر نظيف ظريف معتم بعمامة بيضاء كانه تاج الوقار قد لفها فوق رأسه ودار بطرفها تحت الحنك وأرسلها وراءه وارخى طرفها وسدلها بين كتفيه كالمغاربة وهو السنة.
يقول الحاج عبد الله ناوى وسمعت منه ان عمامته تشبه عمامة ركاب الخيل وهى أنسب للجهاد أ هـ.
روى أن الرسول عمم بيديه سيدنا عبد الرحمن بن عوف وسدلها بين كتفيه حدثني الشيخ عبد الحفيظ عثمان : سألته عن عمامة النبي فقال لي عمامتنا أشبه بعمامة الشيخ . وقد وجدت في كتب السيرة ما يؤيد ذلك.
ولقد شهد له العدو على غير قصد منه بكثرة الأعوان وهذه كرامة جلية واضحة لأن الله تعالى إذا أحب عبداً سخر له من ينشر ذكره ومآثره طوعاً أو كرها بقصد منه وبلا قصد فأي ضلال لأي بهتان بعد ما تبين الحق بأجلى بينا وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وإن الشياطين ليوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم.
ورغم إنكار المنكرين واعتراض المعترضين على الشيخ وكل يجود بما عنده فالشيخ لا يجزئ بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح وراثة محمدية وهداية ربانية.

اشتغاله بالعلم :
حبب إليه الاشتغال بطلب العلم منذ نعومة أظفاره ، فقرأ القرآن الكريم واللغة والتفسير والفقه والحديث والأصول وغيرها على كبار علماء عصره، وصحب الكثيرين من العلماء وكان يلازم العالم حتى يحصل على كل ما معه من العلم ويدخل مكتبته فلا يخرج منها إلا بعد أن يقرأ جميع ما فيها مما لم يسبق له قراءته. وقد وهبه الله - فضلاً منه - ذاكرة عجيبة وحافظة واعية على شدة ذكاء فكان لا يسمع شيئاً ولا يقرأ شيئاً إلا حفظه ووعاه كأنما أورثه الله حال سيدنا أبى هريرة :يقول سيدنا أبى هريرة قلت يا رسول الله إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه. قال : أبسط رداءك. فبسطته، قال : فغرف بيديه ثم قال : ضمه. فضممته، فما نسيت شيئاً بعده رواه البخاري ومسلم والترمذي.
و أفاض الله عليه من العلم اللدني ما أفاضه على أكابر أوليائه وهو فى سنة المبكرة ، وحدثنا الشيخ إبراهيم المرسى رحمه الله أن أحد السادة العلماء من أساتذة الأزهر الشريف وهو الشيخ محمد المصيلحي خليل إمام وخطيب مسجد الأمير الماس الحاجب بالحليمة الجديدة كان يجلسه على حجرة فى صحن الأزهر ويقول : من أراد أن يسأل عن شئ فليسأل هذا الفتى الصغير. فيفيض الله عليه من العلوم ما تقر به أعين السادة العلماء والطلاب مع اندهاشهم من سعة علمه مع صغر سنه أ هـ.
وكان من حرصه فى البحث عن كتب السنة، أنه إذا رأى فى اى مكتبة مخطوطاً من المخطوطات النادرة فإنه يحرص على اقتنائها إما بنقلها أو بتصويرها مهما كلفه ذلك من جهد ومال. ويحاول أن يطبع ما يستطيع طبعه منها.
فقد زار في عام 1325 هـ مكتبة عكا بمسجد الجزار ووجد بها مجموعة أثرية عجيبة نادرة للحافظ ابن أبي لدنيا رحمه الله تعالى، كتبت في القرن السادس الهجري. فطلبها من صاحب الفضيلة مفتى عكا وقاضيها الشرعي شيخ الديار الفلسطينية وعالهما الأوحد الشيخ عبد الله الجزار لينقلها ويسعى في طبعها فأذن له ونقلها واطلع عليها بعض السادة علماء السنة المحمدية وأعجبوا بها و أشاروا عليه أن يقدمها لدار الكتب بمصر ليحتفظوا لديهم بنسخة منها تؤخذ بالتصوير الشمسي، فقدمها إليهم على أن تكون له نسخة أخرى منها، فتم ذلك، وحاول أن يقوم بطبعها بعض أهل الطباعة، فحالت دون ذلك ظروف، فقام هو بنشر كتاب من هذه المجموعة وهو كتاب "من عاض بعد الموت".
كما انه وجد كتاب "المطالب العالية فى زوائد المسانيد الثمانية" للحافظ بان حجر، مخطوطاً فى مكتبة المدينة المنورة. فقام بنسخه واستغرق ذلك مدة أربع سنوات مدة وجوده فى موسم الحج.
وحصل من دار الكتب المصرية على نسخة مصورة من كتاب "الجامع الأزهر" للحافظ المناوي جمع فيه كل ما تيسر له جمعه من أحاديث النبي في وقته. كان شيخنا يتمنى أن يتيسر له طبع هذا الكتاب خدمة للسنة النبوية المطهرة.
وحقق قسماً من الجامع الكبير للحافظ السيوطي الذي يطبعه الآن مجمع البحوث الإسلامية – وكتب له مقدمة في سنة الرسول وتدوينها وترجمة للحافظ السيوطي والتعريف بالجامع الكبير. ورأى مجمع البحوث أن يطبع الجزء الأول من هذه المقدمة الخاص بسنة الرسول في كتاب مستقل وقام فعلاً مجمع البحوث بطبعة والجزء الخاص بترجمة الحافظ السيوطي نشرة في أول أجزاء الجامع الكبير.
وكذلك حقق الأحاديث الضعيفة في سنن الترمذي – ولم يطبع.
وكذلك عمل تحقيقات وتعليقات على كتاب مصباح الزجاجة في ضم الزيادة إلى سنن ابن ماجة للحافظ الأباصيري – ولم تطبع أ هـ.

رياضته ومجاهدته :
يقول الشيخ عبد الله نادى إمام وخطيب المسجد الكبير بالعدلية شرقية :كان في بدايته كثير التقشف والزهد والرياضة والمجاهدة. نهى النفس عن الهوى و جاهدها بكبح جماحها وكبدها مشاق الرياضة طريق السير في الوصول حتى قويت روحانيته وصارت نفسه مطمئنة راضية مرضية وهداه الحق سبيل الرشاد كما قال تعالى ) والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سلبنا وإن الله لمع المحسنين( ، وجدّ في الحزم والعزم والتشمير ولم يأل جهداً ولم يدخر وسعاً في جده واجتهاده وكان ولا يزال يذكر الله وذكر كثيراً وعمر أوقاته بالعابدة والطاعة وكثرة السهر في الذكر والأوراد والبحث والتنقيب في دقائق العلوم والمعارف وحبب إليه العالم والعبادة فيسر الله عليه بأنوار المعرفة وصفاء اليقين طريق الوصول فنزحت عنه الأغيار وحلت الأنوار والأسرار.
فقد جاهد في الله النفس و الهوى والدنيا والشيطان فهداه الله سبيل الرشاد فكان من الذين وصلوا باجتهادهم إلى مقام الإحسان وهو أعلى مقامات الدين. وهنالك الفتح المبين. قد لزم الخوف والرجاء وسار بهم إلى الله شمر عن ساعد الجد وسل سيف العزم والحزم وركب جواد المجاهد بالصبر والرياضة والصوم وبذل في ذلك جهده دابة التقوى والزهد والورع والاستقامة والرياضة لا يتلكم فيما لا يعنيه. انكب على مطالعة العلم لاسيما التصوف ودرس أفتى وأنقطع إلى الله انقطاعاً كلياً حتى لم يبق في قلبه سعه لغيره ولا يسمح في مجلسه لأحد بالخوض في الأعراض أو ينم أو يغتاب أو يتفوه بما لا يعنى، وراحته سهره وقيامه الليل فهو السباق في الخير وممن يستبقون الخيرات الذين سارعوا إلى مغفرة من ربهم ومن المجاهدين للنفس وهو الجهاد الأكبر كما قال "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ألا وهو جهاد النفس" ما معناه .. وهو ممن يسبحون الليل والنهار لا يفترون راقبوا مولاهم كانوا قليلاً من الليل ما يهجون بالأسحار هم يستغفرون قال تعالى )وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى( وذلك بقطع العلائق والعوائق وخلع العادات وترك الأغيار ومن علو الهمة الإخلاص في الامتثال والخدمة والأدب، يأخذ بالأحوط تمسك بالكتاب والسنة وترسم خطى المحققين من سلف الأمة أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان وتبتل إليه تبتيلاً وصار على قدم الصدف والمجاهدة لم يتبع الهوى إنما صار في طريق لهدى. أ هـ.

اشتغاله بالذكر:
وكما حبب إليه الاشتغال بطلب العلم وتدريسه، كذلك إليه الاشتغال بالذكر والعبادة وسلوك طريق الصوفية فكان من صغره كثير الذكر يقوم الليل ويصوم النهار ولا يفطر إلا على لقمة صغيرة من الخبز الجاف. وسلك عدة طرق كالطريقة الخلوتية وكانت طريقة أجداده والنقشبندية والشاذلية والبيومية. واشتغل بأذكار هذه الطرق حتى حصل على أعلى مقاماتها وأجيز من كبار مشايخها في إعطائها وتلقينها وهكذا بلغ من كثرة ذكره أنه كان يذكر على السرير مع والدته رحمها الله تعالى فكانت كلما تستيقظ تجده مشغولاً بالذكر وكانت تخاف عليه فتطلب منه أن يريح نفسه وينام قليلاً وربما اشتدت عليه في بعض المرات، فلم تشعر إلا وكأن النار قد اشتعلت في السرير وهو يذكر جالساً في وسط النار فقالت له: اذكر ما شئت و اسهر ما شئت لا أعارضك ولا أطلب منك شيئاً بعد الآن. وقد لبس الخشن من الثياب وتجرد من الدنيا وانقطع في الخلوات والصحراء للذكر والعبادة وظهرت عليه آثار الفتح في صغره.

جلسات الفكر والمراقبة :
وقد تولى تربية الخلق في هذه الطريقة المحمدية وربى فيها بخلوة وبغير خلوة وتتلمذ له كثير من السادة العلماء من المشرق والمغرب وأذنهم وأجازهم. ومرجع الشيخ في ذلك حديث النبي أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال فكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة
وكان كثيراً من ما يجعل فى دروسه فى المساجد ليلاً جلسة مراقبة فيأمر بأن تطفأ أنوار المسجد وتغلق أبوابه وشبابيكه ويأمر الناس أن يجلسوا كهيئة جلوس التشهد فى الصلاة ويغموا أيعنهم ولا يشتغلوا بذكر ولا بغيره وإنما يراقبون الله عز وجل وانه سبحانه يسمعهم ويراهم : استحضر فى قلبك أن الله يسمعك ويراك وأنه سبحانه حاضر لديك ناظر إليك قادر عليك، وهكذا يستمر فى هذه الجلسة ربع ساعة أو أكثر ويقول لهم : إذا اشتعل الفكر بشيء آخر غير المراقبة فأطرد ذلك الخاطر وراقب الله فيسمع البكاء والنشيج من الحاضرين حتى إذا أتم الجلسة أمر بإضاءة الأنوار. وكان يأمر أحبابه وتلاميذه بهذه المراقبة دائماً فى بيوتهم ليلاً وعلى انفراد ويقول : إن هذه الجلسات للمراقبة إذا أستمر عليها الإنسان فإنه يتعود أن تكون صلاته واذكاره كلها بحضور قلب، وهذه بداية الفتح - لاحرمنا الله من هذا الفضل.
وقد حدثنى جدى الشيخ على الماحى قال : كنت أحد ثلاثة ادخلهم مولانا الشيخ محمد الحافظ الخلوة وكان الثانى الشيخ عبد العزيز الأباجير والثالث الحاج فريد مرسى عثمان وكلهم فتح عليهم ولله الحمد.

شيوخه في العلم :
قرأ القرآن على الشيخ عبد الله حماده والشيخ سليمان البنا بروية حفص وقرأ بعضه على الشيخ خليل الجناينى عن الشيخ متولى شيخ القراء بمصر، وقرأ اللغة على الشيخ يوسف الكومي والشيخ محمد المهدى والشيخ إسماعيل الإسلامبولى، وصحب الشيخ عبد المنعم قاسم الفقيه المالكى و أخذ التفسير عن الشيخ يوسف الدجوى، وصحب الشيخ محمد ماضى الرخاوي وكان علامة الأصول فى الأزهر فى وقته، والشيخ السكندرى، ولازم الشيخ سلامة العزامي القضاعتي الشافعي إمام عصره فى سائر العلوم الدينية والفنون، وكفاه القراءة عن جميع تلاميذه مدة مصاحبته له.

شيوخه في التربية :
كان قبل تقيده بالطريقة التجانية أخذ عدة طرق وأجيز فيها كالخلوتية آلتي كانت طريقة أجداده والنقشبندية والشاذلية فكان ذلك سبباً فى دخوله فى الطريقة التجانية أخذها عام ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف هجرية الموافق 1919 ميلادية وكان سنه إذ ذاك 22 عاماً تقريباً، وقد أخذ الطريقة التجانية أولاً عن الشريف سيدى الشيخ أحمد السباعي البقاري من أولاد أبى السباع الكائنين بحوز مراكش، وهم شرفاء حسنيون، سكن مصر وتوفى بالكتامية بجوار بير شمس من قرى مديرية المنوفية بمصر وهو أخذ عن سيدي الشيخ أحمد التجانى الشنقيطي عن سيدي الحاج الحسين الافراني عن سيدي العربي بن السائح بسنده، وكذلك أخذ عن الشيخ بدر سلامة مؤلف النفحة الفضلية والهداية المحمدية، وهو عن سيدى أحمد التجانى الشنقيطي، ومن أسانيده سيدي الشيخ السباعي والشيخ بدر، الشريف سيدي محمد بن أحمد الدرداني المتوفى بالمغرب الأقصى.
وقد أخذ أيضاً عن الشيخ مدكور الطصفاوى عن سيدي البشير الزيتوني عن سيدي إبراهيم الرياحي عن الشيخ التجانى ، وقد أخذ مباشرة عالياً عن شيخ شيوخه السيد أحمد التجانى الشنقيطي المتقدم ذكره وصحبه وقرأ عليه كتابه الفتوحات الربانية و أجازه فيه بخط يده على نسخة منه، وكذلك على غيره من مؤلفاته، واختصه بصلاة الفاتح بنية الاسم الأعظم وكذلك أخذ عن سيدي عبدالمالك بن العلمي العارف بالله والدال عليه بحاله ومقاله وكان سفيرا بين دار الشيخ وجميع الأحباب نائباً عنهم في الشروط والأسباب.
وكانت خالته تحت مولانا البشير وكان آية من آيات الله في السر والبركة والكشف والتقوى والاستقامة، وكان يحب شيخنا الشيخ محمد الحافظ محبة خاصة، إذن له في كل ما عنده وكان لا يعطى إذناً ولا إجازة غالباً مادام في الديار المصرية إلا بواسطة شيخنا الحافظ ويقول "الأسد يغار على عرينه" وقال له ما قال الشيخ التجانى للحاج على حرازم براده : من كان يطلب منا شيئاً فيطلبه من فلان ما قاله قلناه ومن أذنه أذناه.
وكذلك اخذ عن الشيخ العالم العلامة المحدث المقدم البركة الشيخ ألفا هاشم بن حمد بن سيعد الفوتى بن اخى صاحب الرماح توفى بالمدينة المنورة عام تسع وأربعين وثلاثمائة وألف عن سبع وستين سنة، وأذن كل منهم للآخر ما عنده وتبادلا الثياب والمسابح.
وكذلك أخذ عن مولانا صفوة قطب الأقطاب محمد الكبير بن سيدى البشير التجانى واطلق له فى الإذن والتقديم الإطلاق العام، وفاز منه بالضمان فغار بعض الإخوان من ذلك فقال لهم سيدنا محمد الكبير : "والله مازدت على أن نفذت ما برز من الحضرة" أو كلاماً هذا معناه، وقال له وكتب : قد اتخذنا الخير الأمثل الشيخ محمد الحافظ التجانى حبيباً لنا فى الدارين و لا ينفصل عنا بذنب ولا ينقطع عنا بعمل.
وقد أخذ ايضاً عن الشيخ السيد العارف بالله العالم العامل والشيخ الكامل القاضى سيدى احمد سكيرج ذى التآليف العديدة المفيدة، والتى بلغت مائة وأربعين مؤلفاً.
وكان بعض الأخوان يراه نسخة منه ويقول :
والله والله والله العظيم ومن
أقام حجته للخلق برهاناً
إن الذي قلت بعض ممن محاسنه
مازدت إلا لعلى زدت نقصانا
وقد اخذ أيضاً من سلالة القطب المكتوم وختم الولاية المعلوم سيدى محمود بن سيدى البشير التجانى أخى سيدى محمد المتقدم ذكره، وكذلك أخذ عن سيدى محمد بن الغازى الرباطي وسيدي محمد النظيفى السوسي المراكشي صاحب الخريدة والتأليف المفيدة الشاهدة على قدمه فى الطريقة، ومعرفته فيها توفى عام سبع وستين عن نحو مائة سنة إلا سنتين.
وكذلك أخذ عن الشيخ الدرديري الخليفة واد دوليب عن والده عن سيدي عمر بن سعيد وعن الشيخ المولد فال : والسيد إبراهيم بن محمد المختار الشنقيطي التشيتي، وكذلك أخذ عن الحاج بلقاسم بوكابو الوهراني، وكذلك أخذ عن الشريف عبد المنعم محمد المدفون بأم سعدون عن سيدي محمد الغالي مباشرة، وكذلك أخذ عن الشيخ مبشر بن سيدي عمر بن سعيد الفوتي، وعن الشيخ إبراهيم الخزامي عن الشريف طاهر الحمادي عن السيد محمد بن المختار الشنقيطي عن السيد السقاف عن الشيخ التجانى .

شيوخه في الحديث :
و أما شيوخه في الحديث فمذكورين في إجازته لرفيقة فى الدعوة إلى الله فضيلة الشيخ عبد المجيد خليل الشريف والذى أجازني بما أجازه به والدي الشيخ محمد الحافظ.
أخذ موطأ الإمام مالك إمام دار الهجرة عن إمام المحدثين العلامة محدث المغرب الأقصى الرحالة الشيخ محمد عبد الحي الكتاني بسنده إلى رسول الله ، وله فيه طريق أخرى عن السيدة الصالحة آمة الله ابنة الحافظ الكبير الشيخ عبد الغنى الدهلوي عن أبيها بسنده إلى رسول الله , ويروي صحيح البخاري عن العلامة محدث المغرب محمد عبدالحي المتقدم ذكره بسنده إلى رسول الله ، ويروى كتب السنة والتفسير والفقه من طريق إمام دار الحديث بدمشق الشام شيخ المحدثين بالمشرق الشيخ بدر الدين الحسيني عن الشيخ إبراهيم السقا عن الشيخ الأمير الصغير ن الشيخ الأمير الكبير عن شيوخه الذين حواهم ثبته المعروف (ثبت الأمير).
ويروي السنة المحمدية وعلومها من فقه وتفسير وغير ذك عن شيخنا السيد محمد عبد الحي الكتاني وعن الشيخ محمد الصادق الرياحي التونسي حفيد شيخ الإسلام سيدي إبراهيم الرياحي عن العلامة الشيخ الطيب النيفر عن العلامة الشيخ الماحي الدارفوري المتوفى قرب المدينة المنورة وهو عن شيخنا علامة زمانه سيدي أحمد بن ماجه التجانى الشريف الحسيني وهو عن الشيخ سيدي محمود الكردي وهو عن شيخ الإسلام الشيخ الحفني، ويروى عن الشيخ الحفني بسند آخر عن الشيخ بد الزهيري الخلوتي المتوفى بطنطا سنة 1363 عن خمسين ومائة سنة وستة أيام عن والده الشيخ بدر عن شيخ الإسلام عبد الله الشرقاوي عن الشيخ الحفني.
ويروي كتب السنة وغيرها عن العلامة الشيخ ألفا هاشم والشيخ محمد عبد الباقى الأنصارى كلاهما عن الشيخ صالح الظاهرى وثبته وثبت الشيخ محمد عبد الباقى مطبوعان. ويروي عن المحدث الشيخ عبد الستار الصديقى الحنفى الهندى المتوفى بمكة المكرمة عنه مباشرة ويروى عنه وعن المحدث صالح الشيخ عبد اله الغازى الهندى المكى عن العلامة الشيح حسين بن السيد محمد الحسينى المكى، ويروى عن الشريف العلامة الواصل الكامل الشيخ محمد خفاجى الدمياطى والشريف السيد كمال الدين القاوقجى ثبت والده العلامة الإمام العارف السيد الشيخ ابى المحاسن القاوقجى وهو مطبوع أيضاً. أ هـ.

شهادة الأمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود :
كتب الشيخ محمد الحافظ التجانى مقدمة لكتاب جمع الجوامع الذي يطبعه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الآن وقد أعجب الدكتور عبد الحليم محمود بهذه المقدمة ورأى طبعها في كتاب خاص وأسماه سنة الرسول وكتب له مقدمة يثنى فيها على الشيخ فيما يلي :
والشيخ محمد الحافظ حينما يكتب فى الحديث إنما يكتبه بصفته عالماً بالحديث رواية ودراية من الطراز الأول وهو فى هذا المجال من الرجال المعدودين فى الشرق الإسلامى كله أ هـ. قلت وعندما انتقل الشيخ إلى الرفيق الأعلى نعاه على صفحات الجرائد قائلاً : انعى إلى العالم الإسلامى شيخ المحدثين فى عصره الشيخ محمد الحافظ التجانى رحمه الله واسعة وأسكنه فسيح جناته أ هـ. وما كنا نعرف هذا اللقب من قبل ولكن لا يعرف الرجال إلا الرجال.

دروس وعظة :
أما حلقات دروسه في زاويته أو في زياراته المتتابعة للأقاليم المختلفة بمصر وغيرها فكانت حلقات عامة يحضرها العلماء وغيرهم وكثيراً ما حاول بعض سادتنا العلماء أن يمتحنوه فيجتمع العدد الكبير منهم وكل واحد قد أعد سؤالا في المواضيع المختلفة من التوحيد أو الفقه أو التفسير أو الحديث أو غير ذلك من علوم الشريعة ثم عندما يبدأ الدرس بقوله الذي رواه البخاري عن ابن مسعود : إن احسن الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها. وفى رواية وكل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. ثم يقول. نفتتح الدرس بالأسئلة فيبدأ أحدهم بسؤال ثم يسأل الشيخ هل من أسئلة أخرى فيذكر الثاني سؤاله وهكذا حتى يتم عددهم. ثم يبدأ الشيخ ويذكر السؤال الأول ويجيب عليه والثاني الثالث وهكذا حتى تتم الأسئلة والإجابة عليها ويقوم بعد ذلك هؤلاء السادة فيقبلون يده ويعظمونه ويتبركون به وقد تكررت مقل هذه الحالة كثيراً في بلاد شتى وكانت سبباً في ذيوع صيته وشهرته العلمية في سائر البلاد.
وقد حرص إلى آخر حياته المباركة على تدريس العلم فقد شهدت زاويته المباركة حلقات دروسه تمتد إلى ما بعد منتصف الليل بكثير ثم يواصل هو السهر في القراءة والمطالعات والذكر ويصلى الفجر ولا ينام إلا بعد الشروق وكان وهو مريض فى المستشفى يأخذ الكتب معه ويقرأ عليه الإخوان ويقول إنني استشفى بالعلم.
وكانت آخر حلقات دروسه بالزاوية طلبه كليات الطب وغيرها وقد طلبوا أن يقرؤوا عليه كتاباً من كتب الحديث ويختار هو الكتاب الذي يقرؤونه عليه فأشار عليهم موطأ الإمام مالك فشرعوا يقرؤون عليه كل يوم جمعة لليلة السبت بعد العشاء وكان ذلك في الشهور الأخيرة من حياته المباركة فكان أحدهم يقرأ وهو يشرح لهم ما يحتاج إلى شرح ويبين له أوجه الخلاف في المذاهب في بعض الأحكام ودليل كل مذهب من السنة. كما كان كل منهم يسأل ما بدا له وهو يجيبهم إجابات مقنعة بالأدلة وهو في غاية الجهد والمشقة ويستمر الدرس ثلاث ساعات أو أكثر وإذا طلبنا منهم التخفيف عن الشيخ وأنه يكفيهم ساعة واحدة كان الشيخ رحمه الله يجيبهم ولا يردهم ولم ينقطع الدرس إلا في الأسبوع الأخير الذي توفى فيه .
وكان يرى إلزام الناس برأي أو مذهب معين فإن هذا لا يمكن تحقيقه، فقد اختلف أصحاب رسول الله في الفتاوى وكانوا أحباباً واختلف التابعيون ومن تبعهم كذلك، وإنما الممكن عملياً أن تجتمع الأمة الإسلامية على تحريم ما أجمعت المذاهب على تحريمه وترك الخلاف في الفروع كل على حسب رأيه واجتهاده فلا نكفر بعضنا بعضاً في الأمور الخلافية مادامت لا تصطدم مع أصول الدين وعقائده فلا نكفر أهل القبلة بذنب، وبهذا نستطيع أن نجمع كلمة الأمة الإسلامية، وأما تكفير المسلمين في غير العقائد فهذا لا يستفيد منه إلا أعداء الإسلام. لأن الحاكم المسلم إذا كفر المسلم مسلماً فإنه يستحل دمه وهكذا يقتل المسلمون بعضهم بعضاً باسم الإسلام، والإسلام من عملهم هذا بريء. وكل فرقة تقوم بتكفير المسلمين في غير العقائد إنما هي أثر من آثار الخوارج، وهم أول من كفر المسلمين ليستحلوا بذلك دمهم. وقد حاول التقريب بين الشيعة وأهل السنة ولكنه لم يجد الاستعداد عند من اجتمع بهم من علماء الشيعة للاستجابة لذلك.
يقول الشيخ محمد عال بن فتى الشيخ الإسلام بموريتانيا : وتراه حلو الفكاهة لين الجانب. يمزح ولا يقول إلا الحق يبين الحق للناس في قالب أدبي عادى لا ينكره إلا مكابر. وما كان برهانه في نفسه لا يحتاج فيه إلى استدلال فإذا وضحه شرحه حتى يستوي في معرفته العالم والجاهل فإذا تكمن من قلوبهم سلموا وأذعنوا له، فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة، وهذا من مقتضى قول تعالى ادع سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إبقاء للخصم لئلا ينفر فيبطل المقصود من إقامة الحجة، ويقول لو خاصمنا المنكرين وشاتمناهم لم نبلغ مقصودنا من إقامة الحجة عليهم، ومجاملة الخصم ولو كان مبطلا أنجع من مدابرته لقوله تعال للكفار : و إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين.
وقال عنه الشيخ محمد السيد التجانى من علاء محافظة الشرقية كتابة غاية الأماني في مناقب وكرامات أصحاب الشيخ سيدي أحمد التجانى المطبوع سنة 1373 هـ.
هو علامة الزمان الذي لا نظير له في الأقران خزانة الأسرار العرفانية وترجمان الطريقة التجانية. غواص بحار المعارف لاقتناء الطرائف وخائض لجج البحار الزاخرات. لصيد جواهر الدرر الغاليات. شيخ الشيوخ في علمي المعقول والمنقول. من له القدم الراسخ في الفروع والأصول. سيدنا ومولانا وحبيبنا السيد محمد التجانى المصري . من خاصة الخاصة من أصحاب سيدنا إمام فاضل، عالم جليل عالم كامل.
له اليد الطولي في فنون شتى سيما الحديث النبوي الشريف فإنه قد حفظ الأحاديث المصطفوية من رواتها الثقات الأثبات. ومن مصادرها المتنوعة الجهات. فهو بحق (الحافظ) للسنة الكريمة بهجتها ونورها، وللشريعة الغراء أقوالها وأحكامها جعل معظم أوقاته لا لعبادة الله عز وجل فحسب، بل للدعوة إليه والإرشاد لما ينفع العباد يوم العرض عليه. كثير الأسفار للجهات النائية من الأقطار لهذه الغاية السامية المقدار.
لو رأيته في حال إرشاده وإلقاء محاضراته وعظاته رأيت الهداية والتوفيق لكل السامعين والحاضرين أ هـ.

نفحة من توحيد العارفين :
كيف نفهم كلام القوم واصطلاحاتهم ؟
إن مالا يصح الإيمان إلا به يشترك فيه جميع المؤمنين ويتفاوتون فيما وراء ذلك وهذا الذي قال الله تعالى فيه ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ومن هنا كان الناس في الأيمان والتسليم تتفاوت مراتبهم حسب الإجمال والتفصيل ودقة المشاهدة واختلاف المشارب وقد سمعنا أن الكامل يرى الله في كل شئ كما نسمع إن قوماً يرون هذا القول ربما كان ضرباً من الحلول والحق سبحانه ومنزه عنه باتفاق فإذا علمنا قصد العارفين في قولهم هذا فقد زال الإبهام فظهور علم العالم في الكتاب أوضح و أجلى وأثبت من الورق والمدد فليس من المعقول أن الورق والمداد كتب العلم بلا عالم.
فمصدر العالم عالم لا الورق ولا المداد وهذا أمر ضروري يقيني لا يتطرق إليه احتمال وإن شئت فقل ظهور العالم في الكتاب أظهر من الكتاب وظهور الصورة في المرآة أوضح فيه بصور الصورة فإن الصورة إنما ظهرت وقامت بالأصل لا بنفسنا وهذا أمر يقيني كذلك ولا احسبني في حاجة إلى بيان أن الحق سبحانه منزه عن المحسوسات وشبهها فليس المراد قطعاً ما يمت إلى الصورة بسبب وإنما المراد المعنى الذي أفاضه الحق فإنه سبحانه السميع البصير الحي العليم وظهرت آيات كماله في الخلق فجعل منها به حياً وبه عليماً وبه سميعاً وبه بصيراً فإذا قلنا إن الحق هو الظاهر في الكائنات وإن ظهوره أوضح من الكائنات فهذا حق لأن العالم الذي كتب الكتاب ما كتبه بنفسه ولكن الله هو الذي علمه أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ فالواجب الذي له الوجود الذاتي هو سبحانه الظاهر إن شئت فقل علم ظهر أو قل ظهرت ذاته بعلمها وقدرتها فهذا اختلاف في التعبير والحقيقة واحدة:
عبارتنا شتى وحسنك واحد
وكل إلى ذاك الجمال يشير
ومن الناس من رأى الكائنات فوقف عندها ورأى أنها الفاعل بذاتها وهذا لا شك فى كفره وفى ظلمته وضلاله ولا حجة له.
والمؤمن من يتجاوزها ولا ينظر إلا إلى مصدرها الحق فلا يرى الكون إلا كتاباً ما كتب نفسه وإنما هو أثر الكتاب هو علم العالم هو ظهور للعالم يعلم فيه وهو مجلي للذات بوصف من أوصافها وهذا معنى ظهور الحق في ثياب التشبيه ودع من يتصور في كلامهم رضى الله عنهم ما لا يخطر ببالهم من التصورات الأرضية آلتي هي أشد المحالات استحالة عندهم ودوام هذا المشهد أعظم من الذكر باللسان فإن صاحب هذا المشهد كله ذكر لأنه فرح بقرب الحق بل قل بقيومية الحق ومن دام شهوده لقيومية الحق وسريان المدد الإلهي فكيف لا يفرح قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون وأي ذكر يوازي هذا الذكر أن يرى ذكره بال وشكره بالله ووجوده بالله حتى شهوته بالله يرى فيها نعمة الله ورحمة الله وإحسان الله وهناك من الأطفال من حمل كلام الشيخ الأكبر سيدنا محي الدين على غير وجهه.
في قوله إن من أعظم مشاهد التوحيد رؤية الحق حال الملامسة بين الرجل والمرأة نعم من أعظم التوحيد أن تنسب النعمة إلى المنعم الحقيقى والزواج نعمة "وفى بضع أحدكم صدقة" وليس من السهل ان ينسى الإنسان بشريته حال مخالطته لحله شاكراً لربه إنعامه عليه أن ابعده عن الحرام وأنعم عليه بالحلال وزاده نعمة بذكره وشكره هذا فمن رأى ربه المنعم فى جميع أحواله حتى فى الحال التى تتغلب الحيوانية على الناس فيها. لا انه عبد امرأته فهو تصور من لا مجال له فى هذا الوادى.

رحلاته بمحافظات مصر :
وقد رحل إلى كل محافظات مصر وطاف مركزها وقراها مراراً كثيرة، ونشر العلوم فيها بخطبة ودروسه واجتمع عليه العلماء والطلاب قرأ البخاري في مجالس عمله أكثر من أربعين مرة قراءة ودراسة.
وكان وهو يلقى خطبة الجمعة أو يلقى عظة أو درساً كأنما هو الغيث المنهمر من عالم الغيب من العلم المكنون الذى يفيضه الله على قلوب أحبابه.
علم لم يسبق أن قرأه أحد فى كتاب أو سمعه من عالم فيأخذ بألباب مستعمية وعقولهم وقلوبهم.
وقد شغف بالعلم وحبب إليه الاشتغال بحديث رسول الله وتدريسه فكان يقول أن من منن الحق تبارك وتعالى على أن علق قلبي بكتب السنة المطهرة والبحث عنها والتفتيش عليها خلال سياحاتي أ هـ.
فقرأ الحديث ودرس علم الرواية وحال الرواة وحصل على إجازة الحديث من دار الحديث بدمشق ومن كبار علماء الحديث فى المشرق والمغرب.

رحلاته إلى البلاد العربية :
وكما رحل إلى كل المحافظات القطر المصرى ومراكزها وقراها وخطب فيها وألقى الدروس والوعظ، رحل الحجاز ما يقرب من ثلاثين مرة أو أكثر. وكان غالباً آخر من يخرج من الحجاج من الحرمين وكانت أول رحلة له عام 1346 هجرية وكانت فى فصل الصيف وكان لا يقوى على تحمل الحر ويحتاج إلى الماء الكثير فى وضوئه وغسله، فكان من بركته أن يسر الله له الماء أينما حل.
ورحل إلى فلسطين والشام وبيت المقدس مراراً, وإلى السودان ثماني مرات وطاف مديرياته ومراكزه وقراه وكانت إحدى رحلاته للسودان بعد أن حج عام 1379 هـ ومكث 3 شهور بالحجاز توجه بعدها للسودان مباشرة زار فيها شرق السودان وشماله وكردفان والجنينة ونيالا وغرب السودان إلى الفاشر وبلاد النوبة وكان في عزمه في تلك الرحلة زيارة نيجيريا وقد وصلته موافقة حكومة نيجيريا على الزيارة ولكنه قرر تأجيل السفر بسبب مرضه فعاد إلى القاهرة بعد أن أمضى ثمانية أشهر في الحجاز والسودان.
ورحل إلى المغرب وتونس أكثر من مرة، وأول مرة زار فيها المغرب كان سنة 1356 هـ و ألقى الوعظ والإرشاد أينما حل وشرح الأربعين النووية في رمضان في تلك الرحلة في زاوية الشيخ سيدي أحمد التجانى بفاس من غير مطالعة أو مراجعة من كتاب كما أخبر بذلك سيدي إدريس العراقي علامة المغرب ومستشار الملك الحسن الثاني وإمامه في صلاة الجمعة بالمسجد العتيق.
وآخر رحلاته الكبير في عام 1388 هـ – 1968م حيث حضر موسم الحج 1387 ثم واصل الرحلة إلى السودان ثم إلى دول غرب وشمال أفريقية زرا فيها إحدى عشر جولة وطاف بها واجتمع بعلمائها ومكث في هذه الرحلة إحدى عشر شهراً وعاد منها من تونس إلى لبنان والحجاز ثم السودان ثم عاج إلى مصر. وحج بعد ذلك عامي 1392 و 1393 وكان في عزمه القيام برحلة أخرى سنة 1394 يزور فيها المغرب واستعد لذلك ولكن ألم به المرض من ذلك الوقت إلى أن وافاه الأجل ولقى ربه تبارك وتعالى.
واجتمع في هذه الرحلات سواء فى الحجاز أو غيره بعلماء العالم الإسلامى الذى سمعوا به وسعوا إلى ملاقاته، وانتفع به من شاء الله تعالى من المسلمين وقد انتشرت إجازته فى الحديث الشريف وفى الطريق فى سائر البلاد.
وكان من عادته أن يعود من رحلاته بالحقائب ملأى بالكتب النادرة التى يجدها فى البلاد التى يزورها وفى الحجاز حتى أسس مكتبته التى تعد من أكبر المكتبات الخاصة فى المشرق.
وتوثقت الصلة بينه وبين علماء المسلمين من سائر الأقطار لكثرة اجتماعه بهم في مواسم الحج – فكان منزله بمكة أو المدينة المنورة كأنه زاويته بمصر تؤمه العلماء والطلاب ليلاً ونهاراً إما لمناقشة ما يهم المسلمين أو مناقشة بعض المشكلات الدينية أو للأخذ عنه والتلقي والسماع منه أو الاستفهام عن حديث أو تفسير أو حكم شرعي مع سهر بالليل متواصل مع زائريه وإكرام لهم جميعاً بما تيسر من المأكل أو المشرب فكان بينته كخلية النحل وكان المطوف الحاج أمين سرحان رحمه الله كثيراً ما ينكر على الزائرين وجود الشيخ مع انه مطوفه الخاص ومحبه ولم يشأ أن يغيره إلى مطوف آخر لأن الناس تعلم أنه دائماً ينزل عنده. وكان منزله في المدينة المنورة في منزل سيدي اللقاني رحمه الله تعالى وكان معروفاً للجميع.
ساح كثيراً فى الأقطار واطلع على معظم المكتبات كمكتبة الحرم المكى وكتبة الحرم المدنى ومكتبة رواق مظهر بالمدينة المنورة أمام البقيع وقد مكثت مع فضيلته ليلة كاملة حتى الصباح يقرأ مخطوطات الجامع الأزهر.
وعندما زار القدس تصفح كتب مكتبة عكا بمسجد الجزار ومكتبة دار الحديث بدمشق ومكتبة الشيخ الكتاني بالمغرب ومكتبة القرويين بفاس وغيرها .. عدا مكتبات مصر. وقد يمكث الأيام والليالى المتوالية فى هذه المكتبات يطلع على ما لم يسبق له الإطلاع عليه وقد طوى الله له الزمن فيقرأ فى الزمن اليسير ما تحتاج قراءته إلى شهور وقد يطلع على كتاب بأكمله فى وقت لا تظن أبداً انه قرأ نصفه أو ربعه فضلاً عنه كله فتسأله عن شئ فه فيجيبك ويبين لك موضعه من الكتاب وهو لا يمل القراءة أبداً وينسى نفسه وطعامه مادام يشتغل بالمطالعة ولا يتركها إلا لأداء الفرائض.

من آثاره العلمية :
كان له أثره الظاهر في المجتمع سواء في وعظه وإرشاده في البلاد والقرى التي يزورها وهو لم يشغل في حياته أي منصب رسمي و لم يقبل ذلك، وكان جل اهتمامه نشره العلم في سائر الزوايا التي أنشأها بين المريدين والأحباب وعامة المسلمين مع الحرص على التمسك بالشرع فأسس بذلك مدرسه عالمية منهاجها التمسك بما أمر الله به من أداء الفرائض والبعد عن المحرمات ظاهراً وباطناً والتقرب إلى الله بالنوافل مع البعد عن الدعوى ومظاهر الرياء فأسس جيلاً كاملاً على أعلى درجة ممكنة من التمسك بالكتاب والسنة علماً وعملاً وحالاً وسلوكاً لا دعاوي ولا شعارات ولا مفاخرة. وحفظ على المسمين عقيدتهم بعد أن انتشر المبشرون والملحدون وأعداء الإسلام وتنشطا في الدعوة لهدم الإسلام.
كما أنه أرسى قواعد التصوف الحق – علم تهذيب الأخلاق – تزكية النفس – على قواعده الشرعية الأصلية آلتي هي ذروة التمسك بالكتاب والسنة والتي كان عليها السلف الصالح رضوان الله عليهم جميعاً ونفي كل ما خالف الشرع في ظاهره وباطنه. وقد وهبه الله من فضله ما شاء الله له من علم فياض وذوق وجداني رفيع وخلق محمدي، مع الزهد و التقوى والورع فكان مفخرة الإسلام والمسلمين، و أعاد إلى أذهاننا ما قرأناه عن أولئك الأئمة العظام وما تحلو به من المكارم بع أن ظننا أن ذلك الصنف لا يمكن أن يوجد في زماننا، قال " مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أمر آخره" رواه الترمذي عن أنس، ورواه عن عمار : أحمد والبزار والطبراني. وقال ابن حجر في الفتح: هو حديث حسن له طرق قد يرتقى بها إلى الصحة.
وما من جماعة فى مصر قامت على الكتاب والسنة تدعو الناس إلى الخير إلا وكان له رحمه الله فيها يد، إما مباشرة أو بطريق غير مباشر.
وقد حث تلاميذه على طلب العلم. وما من زاوية أنشأها فى بلاد القطر إلا قام بها مكتبة ليطلع أبناؤه فنجد أحد تلاميذه الذين تقيدوا بعهده فى الطريق، قد تقتحمه العين. ولكن إذا تكلم تجده فقيهاً فى دينه عالماً بفرائض عباداته. ومن كان منهم أمياً طلب إليه تعلم القراءة والكتابة والجلوس مع العلماء ليفقه فى أمور دينه وهكذا كان حريصاً كل الحرص على طلب العلم ونشره بين أتباعه ومريديه.
ولقد كانت له رحمه الله ورضى الله عنه يد في إنشاء جماعة الإخوان المسلمين في بادئ الأمر فإنه كان يرى أن تكون هناك دعوة عامة للإسلام بصرف النظر عن الدعوات الخاصة وكانت للأستاذ المرحوم الشيخ حسن البنا رحمه الله صلة قوية بالشيخ من قبل أن يبدأ نشاط الجماعة، ثم قامت الجماعة وأنشئت وكان مولانا الشيخ بثاقب نظره وبصيرته النافذة يرى أن لا تشتغل الجماعة بالسياسة الحزبية بل تدعو للعمل بالكتاب والسنة بين جماهير الأمة وتترك كلا على مذهبه السياسي الذي يعتنقه. فإذا اقتنعت جماهير الأمة برأي وانضمت إليها فإنها في الانتخابات سينتخبون الأقرب للعمل بمبادئهم من نفس حزبهم السياسي. وبالتدريج سيكون في المجلس النيابي أعضاء من جميع الأحزاب إما من الجمعة أو من المقتنعين برأيها أو من مؤيديها. وهكذا سيأتي اليوم الذي يصبح فيه أغلبية النواب من سائر الِأحزاب من أنصار الجماعة، وسيأتي اليوم الذي يطب فيه البرلمان العمل بالكتاب والسنة، ويضع التشريعات اللازمة لذلك. أما إذا اشتغلت الجماعة بالسياسة، ودخلت الانتخابات فإن الأحزاب وغيرها ممن الجماعات والهيئات آلتي تحارب الإسلام علناً أو في الخفاء أو التي تخشى على نفوذها منه؛ ستتعاون ضدها وتحاربها وتعمل على إسقاط مرشحيها بكل الوسائل. أ هـ. قلت وهذا ما حدث لهذه الجماعة كما توقع الشيخ الحافظ وكما قال رسول الله "اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله".
ولقد سأله أحد أبنائه الطلبة فى أواخر العشرينات عن المذهب السياسية المعاصرة إذ ذاك فى مصر فكتب إليه شارحاً وجهة نظر كل حزب من الأحزاب التى كانت قائمة.
وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن أحمد البنا ابن الشيخ الساعاتى خادم السنة النبوية الشريفة فى مقدمة الجزء 23 من كتاب الفتح الربانى لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل لشيباني يوضح مجهود مولانا الحافظ فى هذه الموسوعة الكبرى لما له من باع طويل فى خدمة السنة النبوية والمشرفة ما نصه :
ولما كان العمر غير مضمون، والتأجيل في واجب مقدمة السنة النبوية الشريفة غير محمود فقد رؤيا تكوين لجنة من أبناء الشيخ (عبد الرحمن ومحمد وجمال) مع بعض خدام الحديث وقد تطوع للعمل بهذه اللجنة العالمان الفاضلان الأستاذ حامد إبراهيم والأستاذ محمد الحسيني العقبي وشارك فيها فضيلة الإمام المحدث الشيخ محمد الحافظ التجانى، ومضت، على بركة الله فى عملها حتى اتمت بفضل الله الجزء الثالث والعشرين، وقد قام بتخريج أحاديثه الأستاذ محمد الحسينى العقبى وبالشرح أبناء الشيخ وبالمراجعة الأستاذ حامد إبراهيم وفضيلة الشيخ محمد الحافظ التجانى.
وكان قبل أن يملى تفسيره يطلب إحضار التفاسير كلها الموجودة عنده في مكتبة الزاوية التجانية وتقرأ عليه وبعد الانتهاء منها يبدأ في إملاء تفسيره فلا يوجد فيه مما قرء عليه من التفاسير الأخرى شئ، فيقول له تلميذه الخاص مولانا الحاج عبد المجيد الشريف : فيم إذاً كل هذا التعب يا سيدنا الشيخ ؟ فيقول "حتى لا نكتب شيئاً يتعارض مع ما ذهبوا إليه".
ومجلة طريق الحق أصدرها منذ ثمانية وعشرين عاماً نشر فيها تفسيره وفيها من مقالاته وتحقيقاته فى شتى فروع علوم الشريعة حديث وفقه وتوحيد ودفاع عن الصوفية أهل الحق أينما كانوا وفيها الفتاوى الكثيرة فى الرد على ما كان يصل إليه من أسئلة من سائل الأقطار.
وكما كان له برنامج "الدين القيم" تذيعه له الإذاعة. تكلم فيه عن عقيدة التوحيد – ثم أركان الإسلام.
وكانت تصل إلى الإذاعة أيضاً أسئلة من البلاد الإسلامية المختلفة فيما يختص بالتصوف عامة أو بالطريق وكانت الإذاعة تحولها إليه للرد عليها. وتنشر الرد بإذاعة غرب أفريقيا أو شرق أفريقيا، وللطريقة التجانية هناك انتشار واسع.
بعد وفاة الشيخ حولنا إصدار المجلة بشتى الطرق وبمعاونة الأستاذ سيد أبو دومه والأستاذ أسامه غيث بجريدة الأهرام وقد بذلا معنا جهدهما بصدق وإخلاص أملاً في الحصول على ترخيص لإعادة إصدار مجلة طريق الحق الإسلامية إلا أنها باءت بالفشل حيث رفض المجلس الأعلى للصحافة الموافقة على إعادة إصدارها نظراً لوفاة صاحب امتيازها وهو مولانا الشيخ الحافظ .
ثم أبدى السادة أصحاب دار غريب للطباعة في عمل موسوعة إسلامية ميسرة إضافة للمكتبة الإسلامية فقمنا بجمع مقالات الشيخ بمجلة طريق الحق وقسمناها ثمانية أقسام تحت مسمى الدين القيم وقضايا العصر وستصدر تباعاً بمشيئة الله.
وله كذلك ورحمة رحمة واسعة ترتيب تخريج أحاديث الإحياء – فإن الحافظ مرتضى الزبيدي رحمه الله شرح الإحياء وخرج أحاديثه وجمع مع تخريجه تخريج الحافظ العراقي لهذه الأحاديث أيضاً.
وكذلك خرج أحاديث جواهر المعانى وطبع بمجلته - طريق الحق - جزء منه ولم يكمل.
وله ايضاً تحقيقات وتعليقات على بعض استدراكات الحافظ الذهبى على كتاب المستدرك للحاكم النيسابوري أبان فيها عن صحة الأسانيد التى ذهب الحافظ الذهبى إلى تضعيفها وقد رقم الأحاديث بالأجزاء الأربعة بمكتبته العامرة وقد وصلت 7513 (سبعة آلاف وخمسمائة وثلاثة عشر حديثاً). ولم يكمل.
وكتاب الطبقات الكبرى لابن سعد – المترجم لهم في الطبقات مذكورة أسماؤهم حسب تتابع العصور فقام بترتيب الأسماء حسب حروف المعجم وأوضح أمام كل اسم رقم الصفحة والجزء من كتاب الطبقات المترجم له فيه بحيث يسهل على الباحث العثور على الاسم الذي يرغب في معرفة ترجمته.
وله تحقيقات وتعليقات على فصوص الحكم لابن العربي – ولم يكمل وعمل فهرساً لكنز العمال يسهل معرفة مكان الحديث من هذا الكنز الثمين لم يطبع.
- قدم لكتاب : الكفاية في علم الرواية – للخطيب البغدادي - في التعريف بالكتابة وبمؤلفه.
- كما قدم لكتاب : عمدة القارى بشرح صحيح البخارى طبعة الحلبى.
- وقدم لكتاب : الجامع الكبير للحافظ السيوطي في التعريف به وبجامعه، طبعها مجمع البحوث الإسلامية فى أول أجزاء الجامع الكبير.
ومن مآثره الخالدة تفسير القرآن الكريم الذي نشره في مجلته -طريق الحق - وقد أتم تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة ثم الأجزاء الستة الأخيرة من القرآن الكريم بدأها من آخر القرآن آخر الأجزاء الثلاثين إلى أول الجزء الخامس والعشرين وهو تفسير لا نظير له ولله الحمد يشهد له بمكانته العلمية وتحقيقه الراسخ، وما وهبه الله من فيضه الخاص الذي يفيضه على خاصته من خلقه.
إن أكبر اثر له وأجل خدمة خدمها لحديث رسول الله ترتيبه مسند لإمام أحمد بن حنبل على حروف المعجم وسماه (ترتيب وتقريب مسند الإمام أحمد). بحيث أصبح الاستدلال على أي حديث في المسند وكان البحث عن أي حديث فيه عملاً شاقاً يقتضي أن تقرا أحاديث مسند الصحابي بأجمعها لتعثر على الحديث. فجزاه الله على خدمة حديث رسول الله خير الجزاء - وكان في عزمه طبع هذا الكتاب ولكن وجد أن تكاليف طبعه باهظة فلم يتيسر له ذلك.
وكذلك من أجل خدماته للسنة المطهرة ترتيب كتاب (ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث) للنابلسي. رتبه كذلك على حروف المعجم مما سهل الاستدلال على أي حديث فيه لفائدته العظمى لطلاب البحث عن حديث رسول الله . وقد كان مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف يرغب في طبعه في عهد الدكتور عبد الحليم محمود أرسل فعلاً بعض الكتبة من المجلس الأعلى للشئون الإسلامية لنقل المخطوط ولما تقلد الدكتور عبد الحليم محمود مشيخة الأزهر توقف الكتبة عن الحضور وإكمال العمل.
ويقول الشيخ محمد عال بن فتى شيخ الإسلام بموريتانيا : وهو من حسن الخلق وتحمل أذى الناس بالمكان الذي لا يعمله إلا من مارسه، وقد هدى الله به كثيرين في جميع الأقطار حتى ترجمت رسائله في الإسلام باللغات الأجنبية وكانت سبباً في دخول الإسلام فيهم، كنت أسمع به قبل لقائنا لبعد صيته فأظنه من المتقدمين فإذا هو من أترابنا - معناه أكبر من سنه. رحل إلى السودان خمس مرات والحجاز ثماني مرات وفلسطين وسوريا وتونس والجزائر و مراكش من المغرب الأقصى ولقى بها الكثير من العلماء والصالحين أ هـ.

أثره في المجتمع :
وكان رحمة الله تعالى المدافع عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله وكان السبب في إيقاف ترجمة القرآن الكريم ترجمة رسمية.
ففي إحدى السنوات كان هناك اتجاه إلى ترجمة القرآن الكريم أثارته إحدى السيدات الإنجليزيات في دهاء وخبث - خدمة للإسلام ونشره كما تدعى - وهو في الحقيقة قضاء على القرآن الذي يربط العالم الإسلامي وتفريق لكلمة المسلمين - وكان كلاهما مع أحد السادة كبار العلماء وكتبت الجرائد والمجلات في ذلك بين مؤيد ومعارض وكان اجتماع من هيئة السادة كبار العلماء بالأزهر – ومن ضمنهم مولانا الشيخ يوسف الدجوي رحمه الله – ووافقوا على ترجمة معاني القرآن الكريم، ثم قابل مولانا الشيخ يوسف الدجوي شيخنا الحافظ وأخبره بموافقة اللجنة على ترجمة معاني القرآن الكريم. فقال له سيدنا : خدعوك يا مولانا كما خدع عمر بن العاص أبا موسى الأشعري رضى الله عنهما فقال له وكيف كان ذلك ؟ قال : إن ترجمة أي كتاب لا تكون أبداً ترجمة حرفية وإنما هي ترجمة للمعاني أما الترجمة الحرفية فلا معنى لها حيث إن القرآن الكريم لا يمكن ترجمته حرفياً فأقر الشيخ رحمه الله بأن خدع وغرر به فذهب في اليوم التالي وأعلن عدم موافقته وشطب توقيعه بالموافقة فألغى المشروع.
كما كان أيضاً سبباً في عدم الموافقة على قانون الأحوال الشخصية في إحدى الوزارات فقد شكلت لجنة لفحص هذا القانون وكان مما أقرته الموافقة على عدم تعدد الزوجات وكان من ضمن أعضاء هذه اللجنة الأستاذ المرحوم الشيخ حسن البنا فقابل سيدنا وأخبره بذلك فقال له سيدنا : يا أستاذ حسن أتحلونه حراماً وتحرمونه حلالاً. فاقتنع الأستاذ البنا وذهب وألغى موافقته على المشروع فلم يصدر المشروع إذ ذاك.


Tidak ada komentar:

Posting Komentar